نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لمذا التخوف من التحول الديمقراطي ؟

تاريخ النشر :21 نوفمبر  2011 طباعة 17

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الثورات العربية غيرت الوطن العربي الى غير رجعة واوصلت حركة التاريخ في العولمة القيمية الى عتبات عالمنا العربي كما وصلت قبلها السلع والخدمات العالمية. لم يعد بالامكان حكم الشعوب بالمفهوم السابق نفسه من الاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروة وانتشار الفساد وتدني الاداء الاقتصادي نتيجة لهذه الممارسات وحرمان الشعوب من الحياة الحرة الكريمة.

هذه المعادلة رفضتها الشعوب العربية ولم تعد ممكنة في عصر الثورات. الدولة التي تدرك هذا التحول توفر على نفسها وشعوبها آلام ومعاناة وسفك دماء بريئة. كما ستكون سبافة في مسيرة التنمية البشرية. الشعوب لن تقبل بالتهميش بعد ان تخطت حاجز الخوف كما قالتها سيدة مصرية من قلب ملؤه الامل “مافيش خوف تاني”، او ما اطلقها الرجل المسن التونسي الذي قال “هرمنا.. وعشنا من اجل هذه اللحظة التاريخية”. نعم انها مرحلة تاريخية تتحول فيها الشعوب من متلق الى فاعل ومشارك بل مالك لمصيره ومدبر لكفية ادارة شئونه.

يشعر الانسان بالفرحة تغمره وهو يشاهد رياح الحربة تهب على تونس في الانتخابات الاخيرة التي شارك فيها ما يزيد على 80% من السكان. كما يحدوه الامل في ان تتمكن الشقيقة الكبرى مصر من تخطي مرحلة المخاض الحالي ورفض الوصاية العسكرية على قرار الشعب. هذه الوصاية تعبر عن الرغبة في الاستئثار بالامتيازات والافلات من الرقابة والمساءلة والمحاسبة. فهذا ما يخيف السلطات من الديمقراطية والتحرر، فماذا عن المجتمعات؟ 

نتسائل ما الذي يخيف المجتمعات من الديمقراطية والتحرر وفرصة العيش الكريم؟ لماذا ترفض الشعوب ان تكون مصدر السلطات ولها برلمانات حقيقية وحكومات تمثل الارادة الشعبية وخاضعة للمساءلة البرلمانية والمحاسبة من قضاء مستقل وتمحيص من اعلام محايد؟ لمذا يصر البعض على العيش في استبداد وقبول الفساد وسلب الحريات واستباحة الثروات؟ ما الذي يخيف المجتمعات من التحول الديمقراطي؟ وماهي الفرضيات التي يؤصلون عليها فكرهم وقناعاتهم؟

ان المؤامرات الخارجية والتدخلات الاجنبية و”الممانعة العربية” لا تغير من واقع المجتمعات شيئا في كونها تستحق ان تتمتع بحريتها وثرواتها وان تعيش بكرامتها. وليس الخيار اما الشعوب العربية هي اما الخضوع للاستبداد والفساد واما الفوضى والتعرض للابادة والاحتراب الفئوي والطائفي وتسلط فئة على اخرى. فهناك امثلة كثيرة لم يحدث فيها ذلك مثل جنوب افريقيا وماليزيا وغيرهما. فلماذا اذا خوف الشعوب من الديمقراطية؟

الربيع العربي بالرغم مما يقول البعض انه من صنع الغرب فانه ثورة حقيقية على ثلاث قضايا مهمة هي الفساد والاستبداد وتدني الاداء الاقتصادي. هذه الافات جعلت ثروات المجتمعات مستباحة وتحت سيطرة مجموعات صغيرة من الناس يتصرفون فيها كانها ملك خاص يحرمون من يشائون ويمنحون من يريدون فافسدوا المجتمع وتبعتهم مجموعات متمصلحة تعيش على فتات ما يقدمونه لها مقابل اخضاع وتضليل وتخويف المجتمع وحصر خياراته في امرين. اما القبول بالوضع القائم واما التعرض للتهميش من قبل حكومات تخضعهم لسلطتها.

التحدي اما القوى التقدمية هو كيف تزيل هذا الخوف من المجتمعات وتدحض هذه الفرضية. الفرضية باطلة لان الحكومات الديمقراطية تختلف عن الانظمة العربية الشمولية الحالية. الحكومات الديمقراطية ستكون خاضعة لقضاء مستقل يستطيع اي مواطن ان يقاضي اي مسئول، والحكومات الديمقراطية ستكون خاضعة لاعالام مستقل لا تهيمن عليه بل يقف لها بالمرصاد وينتقد وويمحص سياساتها. الحكومات الديمقراطية ستكون خاضعة لنيابة عامة تستطيع ان تحرك ضدها قضايا مدنية وجنائية، الحكومات الديمقراطية تتعرض لمحاسبة الشعب وتواجه احتجاجاته. لن تهيمن الحكومة الديمقراطية على القوى الامنية والقوى العسكرية ولن تسيطر على الثروة، وبالتالي فان سلطتها قانونية دستورية فقط وليست عسكرية وامنية. هذا الخيار مغيب عن الناس مما يجعلهم مرعوبين من الديمقراطية يرفضون التخلص مما اعتادوا عليه. بالاضافة الى ذلك فان سلوك بعض القوى السياسية لا يساعد على تهدئة المواطنين بل يزيد من شكوكهم وتخوفهم.

تعتمد المجتمعات الديمقراطية في الحد من سطوة وتغول الحكومات على اجهزة الدولة على ثلاثة امور: الاول هو حرية التعبير وعدم اخضاع الاعلام لهيمنة الحكومات وجعله حقا مشاعا كالهواء لجميع المواطنين. والامر الثاني هو سيادة القانون واستقلال القضاء وعدم خضوعه للسلطة التنفيذية. والامر الثالث والاهم حرية الاحتجاج واستعداد المجتمع للدفاع عن حرياته وحقوقه كما نرى في خروج الشباب الغربي ضد التسلط المالي في عواصم الغرب.

ان مسيرة التحرر العربية هي جزء من الصيرورة التاريخية ولن تتوقف عند حدود ولن تقتصر على الدول العربية فقط بل ستطول الدول الاقليمية المستبدة، ومتى ما حدث ذلك فان تسارع التحرر سيطول من يعتقد انه محصن ضد الثورات والتغيير واعادة السلطة للمجتمع والمواطن تحقيقا لقوله تعالى “ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحري (70 الاسراء). فتكريم الانسان هو جعله اهم من الدولة واهم من الحكومات واهم من الانظمة النزيهة والفاسدة. فجميعها في خدمة هذا الانسان وعليها مراعاة حقوقه المعيشية والاقتصادية والسياساية والانسانية. واهم هذه الحقوق حريته وكرامته. والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة هي الوسيلة الوحيدة لحفظ الحرية والكرامة والضمانة الوحدية هي استعداد المجتمع للدفاع عنهما.

لذلك نرى انه من مصلحة القوى السياسية والانظمة التخلص من تخويف الشعوب والاستعداد للديمقراطية الاتية لا محالة فمن الافضل ان تاتي بمبادرات وتدرج من المجتمع والسلطات بدلا من ان تاتي بفرض ظروف لا نملك السيطرة عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *