نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لمشروع العربي أم الصراع الطائفي 

  تاريخ النشر :٢٦ يونيو ٢٠١٣ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- الطائفية خطر يهدد الثورات العربية- البعض يقف مع الثورات نكاية بالخصم السياسي وليس نصرة لكرامة الانسان واخر يقف مع الانظمة الفاسدة لمصالح خاصة. هل تنجح الثورات؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12878/article/31322.html

عندما بدأ الربيع العربي بسقوط بن علي وحسني مبارك وتوالت الثورات والاحتجاجات استبشرنا بإمكانية تغيير الواقع العربي المتردي. هذه الثورات فاجأت العالم غير أن الوصفة لاندلاعها كانت جاهزة منذ أمد بعيد. فقد رزحت الشعوب العربية تحت نير الاستبداد والفساد وسوء الأداء الاقتصادي وتضاؤل فرص العمل لشباب متعلم يلتحق بطوابير العاطلين. هذه العوامل كانت وصفة لثورة منتَظَره أشعلها البوعزيزي. 

 ما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن بالرغم من تأثيره العميق على المجتمعات المعنية وعلى مستقبل حركات «التحرر» في الوطن العربي بشكل عام، فهو يدور في فلك الصراع السياسي بين قوى وتيارات تتصارع على السلطة وعلى بلورة نظام ديمقراطي يناسب توجهاتها ويكون لها نصيب الأسد فيه. لكن ما يحدث في سوريا وما انتج من استقطاب طائفي بكل تجلياته كفيل بأن يجعل الجميع يعيد النظر في ما يحدث والنتائج المتوقعة. 

 لو نظرنا إلى مسار الثورات في دول الربيع العرب نجد ان محاولة تمزيق الشعوب جربها بن علي وحسني مبارك والقذافي وعلي صالح، تارة باتهام المعارضة بالعمالة للخارج وتارة باتهامهم بالارهاب وتحميلهم مسئولية الضرر الاقتصادي بقصد تأليب المجتمع عليهم. غير ان ما يحدث في سوريا سيكون له تأثير عميق على الامة. حاول نظام الاسد، منذ الايام الاولى للثورة، ان يعطيها بعدا طائفيا. لم تنجح تلك المحاولات لكن دخول ايران و«حزب الله» على الخط في نصرة النظام (على عكس مواقفهما من الثورات الاخرى التي ناصرت فيها الشعب المصري والليبي والتونسي) عمق الانقسام، ومع وجود حركات اسلامية جهادية في صفوف المعارضة جعل الموقف يشتعل وينذر بحرب طائفية تطول المنطقة.

 في محاولة لإعادة تقييم الربيع العربي يتساءل الباحث في مجلة الجغرافيا السياسية السيد جورج فريدمان: اي من الانظمة ستبرز في نهاية المطاف؟ وهل المنتصرون في سوريا مثلا سيكونون ديمقراطيين؟ وهل الديمقراطيون سيكونون ليبراليين أم إسلاميين يفرضون وجهة نظر محددة عن الاسلام؟ ويضيف أن الغرب تعامل مع الثورات وفق ثلاث فرضيات، أولا: إن الأنظمة العربية مرفوضة رفضا تاما، ثانيا: ان المعارضة تمثل ارادة الشعوب، ثالثا: الثورات والاحتجاجات التي بدأت لا يمكن ايقافها.

 تهاوت هذه الفرضيات في النظام الليبي الذي أظهر مقاومة شرسة ليس فقط بسبب ضراوة ردة فعل قواته العسكرية المستفيدة من حكمه مدعومة ببعض القبائل، بل كذلك بسبب وجود اعداد كبيرة من الليبيين المستفيدين من فساد النظام والثروة التي يوزعها وكانوا على استعداد للقتال من اجل المحافظة على امتيازاتهم. وكذلك الحال في سوريا مع اختلاف نوعية المستفيدين.

 إيران، أول المستفيدن، وضعت كل أوراقها على بقاء نظام الاسد وكذلك اسرائيل ترى في هذا النظام قيمة معروفة يمكن التعامل معها وبديلا افضل عن الحركات الاسلامية المحتملة. هذه الحركات الاسلامية غير متفقة على صيغة اسلامية واحدة، فهناك السلف وهناك الإخوان المسلمون وهناك الحركات المتشددة، أضف إلى ذلك التيار الشيعي بمختلف توجهاته، وجميعهم ينادون بصيغة خاصة للديمقراطية. غير ان اختلاف طبيعة الثورات العربية وتصادم مكوناتها لا تعني ان العالم العربي لا يعاني من استياء واحباط شديدين ولا يعني انه لا يحتاج إلى تغيير ولا يعني ان التغيير لن يأتي بقوة المحتجين وقوة حركة التاريخ. لكنه كذلك لا يعني ان النتيجة هي ديمقراطية ترضي الشعوب وتمنحهم حقوقهم التي ثاروا من اجلها. 

 إن ما يحدث في المنطقة هو دليل على الخواء السياسي والفراغ الاستراتيجي الذي شمل المنطقة منذ قيام الانظمة الشمولية التي افتقدت إلى الرؤية الاستراتيجية وصياغة مشروع عربي او خليجي يكون المواطن فيه محورا اساسيا وغاية اولية لنتائجه. غياب هذا المشروع يجعل المجتمعات مقسمة بين مشاريع اقليمية ودولية ترى فيها خلاصها من واقعها المؤلم والمأزوم، ويؤدي إلى الاصطفافات الطائفية والعرقية والمذهبية ويسهل استغلالها لخدمة ايدلوجيات ومصالح مختلفة. فهناك المشروع الامريكي الاسرائيلي الذي يرتكز على إبقاء العالم العربي متخلفا ومنقسما ومتناحرا لحماية اسرائيل ولاستمرار الهيمنة الامريكية على مقدراته. وهناك المشروع التركي الذي ينظر إلى المنطقة على انه البديل لبسط نفوذه بعد ان فشلت جهوده في الالتحاق بالمحيط الاوروبي. وهناك المشروع الايراني الذي يعتبر المنطقة بأسرها مسرح هيمنته ونفوذه مستغلا الاستياء الداخلي والصراع المذهبي في تنفيذ مشروعه. 

 إن غياب المشروع العربي/الخليجي هو احد اهم اسباب الصراع القائم بين مكونات المجتمعات، ويجعلها في تناحر وانجذاب لهذا المشروع او ذاك ويعمق بذلك الصراع الطائفي الذي توظفه الانظمة الحاكمة لصالحها وتنقاد التيارات الاسلامية المختلفة خلف شعاراتها.

 إن خطورة فشل الثورة في سوريا يجب ان يجعلنا ندرك ان ضحايا الفشل لن يكون الغرب، وليس الاسلاميين بجميع توجهاتهم السنية والشيعية، بل هو مستقبل الامة العربية. إن بقاء نظام الاسد سوف يؤدي إلى مذابح لم نشهدها ويقوي المشروع الايراني بصورة لم نرها ويكرس الاحتراب الطائفي في المنطقة. وفي نفس الوقت نرى أن نجاح الثورة يجب ان يعني وصول التيارات الديمقراطية التي تعمل على بناء لحمة وطنية سورية تنعكس على المنطقة وتعزز القيم الديمقراطية والتعددية والتعايش السلمي وبالتالي إمكانية النهضة العربية. وإلى ان يتحقق النصر للديمقراطية سيبقى الربيع العربي مجرد تَمَنٍّ في الواقع العربي المعقد.

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *