نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مؤتمرات التسامح والتقارب بين الأديان.. ماذا حققت؟

  تاريخ النشر :٢ ديسمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع–هل الإرهاب بسبب عدم التسامح ام من طبيعة الأنظمة السياسية العربية التي تعتمد على القوة لبقائها؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13767/article/55379.html

 تزامن في شهر نوفمبر وقوع أعمال إرهابية هزت الشرق والغرب بدأت في لبنان وتلتها في باريس وفي سيناء وفي تونس راح ضحيتها أبرياء كالعادة، وسيدفع ثمنها اللاجئون العرب والمسلمون الذين بدأوا يشعرون برفضهم في كثير من دول العالم، مما يزيد من معاناتهم وظلمهم. تزامنت هذه الاحداث الجسام مع يوم التسامح العالمي في 16 نوفمبر، كما تزامنت مع يوم الفلسفة العالمي في الـ19 منه. وعقدت مؤتمرات بهذه المناسبة خرجت بتوصيات كما خرجت مؤتمرات سابقة انحصرت هذه التوصيات في ابراز روح التسامح التي تتحلى بها الشعوب العربية وإبراز روح التسامح في الإسلام. كما ابرزت دور الفلسفة في خلق بيئة من التسامح وتقبل الآخر. 

 نتائج هذه المؤتمرات تجعل المواطن العربي يردد السؤال: إذا كانت الدول العربية تنعم بالتسامح لماذا إذن كل هذا الإرهاب وما هي مصادره وكيف يترعرع في دولنا العربية، ويلطخ سمعة الإسلام والمسلمين ويوصمهم بالدموية ويجعلهم مستهدفين في جميع الدول. هذا يؤكد ان معظم التوصيات التي تخرج بها المؤتمرات اما انها لا تنفذ وبالتالي لا تصل إلى الشباب المستهدف، وإما انها توجه نحو مشاكل مختلفة تماما عن الحرب على الإرهاب. وهنا يمكن طرح السؤال: هل الإرهاب هو نتيجة عدم التسامح أم ان له أسبابا أخرى ليست لها علاقة بصلب العقيدة والدين؟ وهل الإرهاب هو نتيجة فهم خاطئ تم غرسه في الناشئة في ظروف صراع سياسي رأت بعض الدول ان ذلك يقوي موقفها السياسي ضد دول أخرى؟ أم انه استغلال للدين في الشؤون السياسية وأمور الحكم؟

 عدم قدرة العالم على التخلص من الإرهاب يدعو إلى البحث ليس فقط في جذوره الدينية والعقائدية بقدر البحث عن اصوله السياسية والصراع على السلطة في دولنا العربية. والدليل على انه صراع سياسي يتضح من إقامة دولة «إسلامية» لاستعادة الخلافة الإسلامية. أي انه صراع على السلطة بشكل واضح وليس له علاقة بالدين.

 غير أن الخلافة الإسلامية التي يريدون استعادتها قد انتهت بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ويقول الإمام أبو حنيفة النعمان «تكون البيعة للخليفة قبل استلامه السلطة وليس الغلبة والاستيلاء عليها بالقوة». فالسلطة أيام الخلفاء الراشدين كانت بالتراضي والتوافق والقبول، هدفها الأول نشر الدين وإدارة شؤون الناس في وقت الحروب لنشر الدعوة وتحرير الناس من الحكام المتسلطين. وأما فرض الخلافة بقوة السلاح كما كان الحال لدى الأمويين والعباسيين ومن تزامن معهم أو أتى بعدهم، فهذه خلافة تدعو إلى التنازع والفتن. بنو أمية نقلوا الإسلام من الدين إلى العصبية والسيف ثم إلى الملك البحت، فأين الخلافة الإسلامية؟ وتاريخ الإسلام منذ معاوية بن أبي سفيان إلى نهاية الدولة العباسية واستيلاء العثمانيين على الحكم لهو دليل على ان الخلافة التي استولت عليها الأمم بالقوة احتاجت إلى قوة وقهر لاستمرارها ومتى ما ضعفت هذه القوة زال الحكم وتفتت الدولة وتقاسمتها الدويلات إلى ان يأتي من يقهرها ليكون دولة أخرى. هذا ما تدعو اليه داعش وامثالها من الحركات الإسلامية التي تريد إعادة انتاج الصراع الإسلامي على السلطة والحكم والثروة. 

 السؤال هل يكفي ان نحارب هذا الفكر وان نبطل مفعوله في عقول الشباب بمجرد الدعوة إلى التسامح والاحتفال به كل عام؟ وهل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الدول العربية كفيلة بأن تقضي على الفكر المتطرف الإرهابي؟

 ما يحدث على أرض الواقع يقول إن أصول الإرهاب سياسية ونزاع على السلطة باستخدام الدين؟ والحرب عليه متشعبة. هذا يقودنا إلى يوم عالمي آخر، وهو اليوم العالمي للفلسفة. تقول المدير العام لليونسكو (الينا بوكوفا) بهذه المناسبة «ان الفلسفة قادرة على الاسهام في تحقيق الرفاه الإنساني والتصدي للمسائل المعقدة ودفع السلام قدما». هذا لكون الفلسفة قوة للتحرر الفردي والجماعي. نعم هذا ما تحتاج إليه الدول العربية للخروج من دائرة العنف والقمع والإرهاب. الدول العربية بحاجة إلى منهاج فلسفي يطرح أسئلة في المدارس وعلى النخب السياسية، أسئلة طفولية مثل كيف يصبح فلان رئيسا؟ وان تناقش هذه الأسئلة وغيرها في الصفوف الدراسية وتعطي الطفل الطموح الامل في ان يكون رئيسا أو وزيرا من خلال الجد والعمل وليس من خلال العنف والطرق الملتوية. طرح هذه الأسئلة وغيرها سوف يفصل بين الدين والسياسة بشكل تلقائي كما فصل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين السلطة الدينية والسياسية عندما ولى عمرو بن العاص أميرا وأبا زيد الانصاري لشؤون الدين، وفي الأساس كانت الخلافة منصبا دينيا تولاه الخلفاء الراشدون لإتمام العمل الذي بدأه الرسول (صلى الله عليه وسلم).

 خلاصة القول يلخصه تقرير صادر عن بيت الحرية ينادي الدول الغربية المساهمة في حل مشكلة اللاجئين السورين وألا يتخذوا من الإرهاب ذريعة بالتضييق على الحريات ورفض المساعدة الإنسانية للسوريين. ويضع مبادئ تساعد على محاربة الإرهاب أهمها ان القمع السياسي ليس من أدوات محاربة الإرهاب بل هو المحفز له. هذا يتفق مع دروس التاريخ الإسلامي الذي يحكي لنا كيف ان الصراع على السلطة انتج إرهاب الحشاشين وجرائم القرامطة وبطش العباسيين وانتهاكات الامويين وصراع البويهيين والسلاجقة، وتنافس الفرس والترك على السيطرة على الحكم، وكل ذلك جرى باستخدام الدين غطاء لحشد العامة من الناس وزرع الكراهية المذهبية. يقول «راشد الخيون» لو استمر تأثير المعتزلة الفكري أيام المأمون (قبل انحرافهم) لاختُرِعت ماكينة البخار بالبصرة وبغداد ولاستمر التأثير السومري من اختراع حروف الكتابة إلى اختراع الكمبيوتر في أرض الرافدين.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *