نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مؤتمر الاتحاد الخليجي.. وماذا بعد؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٣ نوفمبر ٢٠١٦


بقلم: د.محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- على مدى خمسة وثلاثين سنة لم يمكن الحكام من تحقيق الاتحاد، فما هي العقبات، منها عدم مشاركة الشعوب والهاجس الامني الذي كبل المجتمعات من مناقشة الاسباب بحرية.http://www.akhbar-alkhaleej.com/14124/article/50043.html
يحكي لنا الآباء حكاية، قد تكون فلكلورية، عن بعض القبائل البدائية التي تعيش في الصحراء. في ليالي الشتاء الباردة يتفق رجال العائلة على جمع الحطب في النهار لإشعال النار في الليل للتدفئة، لكن عندما يحل النهار وتظهر الشمس ويشعرون بالدفء ينسون عملية جمع الحطب الشاقة ويتمتعون بالشمس الدافئة. هذه الحكاية تذكرنا بحالنا في الخليج. كلما سخنت الحالة الامنية في المنطقة أو اختل توازن سعر النفط وشعرنا بأزمة أمنية أو اقتصادية زاد الحديث عن الاتحاد الخليجي. وعندما يحل الأمن ويتحسن سعر النفط وتعود الحياة شبه طبيعية ننسى الحديث وتعود دول الخيج إلى خلافاتها على قضايا ومخلفات حقبة الاستعمار البريطاني. 
على هذه الخلفية نظم تجمع الوحدة الوطنية مؤتمره الثاني (12 نوفمبر الجاري) بعنوان: «الاتحاد الخليجي – مستقبل ومصير»، شارك فيه عدد من الباحثين من البحرين والخليج ومن جمهورية مصر العربية. جانب كبير من الأوراق ركز على البعد الأمني بحيث طغى على المؤتمر. أبرزت الاوراق مدى الحاجة إلى مثل هذا الاتحاد من الناحية الامنية بشكل خاص، وتطرقت إلى بعض الاسباب التي منعت قيام الاتحاد مثل الإفراط في التشبث بالسيادة القطرية. كما تحدث المشاركون عن العوامل المشتركة التي تربط دول الخليج، والتي أصبحت معلومة لدى الجميع، وتم سرد بعض التجارب الاتحادية مثل الاتحاد الأوروبي والسويسري والألماني والأمريكي والماليزي واتحاد الإمارات العربية المتحدة. 
معرفة هذه التجارب مفيدة، ولكن الاختلاف بينها وبين الخليج في الظروف وفي التنظيم وفي الآيديولوجيا كبير. لا توجد في الواقع تجربة سابقة تم بموجبها توحيد ممالك مستقلة كل منها يمتلك ثروة وبعض مقومات البقاء (الآني) التي تجعله في وضع مستقل. ما حدث في السابق من اتحادات كان بفعل قوى خارجية مثل بريطانيا أو قادة عسكريين مثل بسمارك في ألمانيا، أما أوروبا فإن الاتحاد الاقتصادي كان ممكنا لكون الدول ديمقراطية ليست مثقلة بالإرث التاريخي لملكياتها. وهذا ما يدعو دول الخليج إلى التفكير في وسيلة مبتكرة لتحقيق وحدتنا الخليجية. 
إن أهم ما ورد في حديث أحد المتحدثين (د. عايد المناع) هو «اننا أمة نحب أن نبحث عن مبررات لأنفسنا ونضع اللوم على الغير». ويواصل «ان المؤامرة الحقيقية هي تلك التي في أنفسنا، المؤامرات تحاك ضد كثير من الشعوب لكنها تتجاوزها بالإرادة». كما أن النفط (بحسب د. خالد الرويحي) لم يعد سلاح بل ان التكنولوجيا تتجه نحو التخلي عنه لانتاج الطاقة، وان الازمات المقبلة ستكون اقتصادية واجتماعية، والمشاكل الأمنية ما هي إلا نتيجة لها.
الأمر الآخر المهم عبَّر عنه الدكتور علي فخرو في مداخلته بأن الاتحاد هو حاجة وجودية ولا يجب ربطها بالوضع الأمني أو أي ظروف آنية قد تطرأ على المنطقة. فلو لم يكن هناك تهديد أمني هل هذا يعني عدم الحاجة إلى الاتحاد؟ 
على الرغم من الرغبة الكبيرة لدى الشعوب في التمتع بما يمكن ان يتحقق من خلال التكامل الاقتصادي والقدرة على بناء قوة ردع حقيقية تعتمد على قدرة صناعية ورخاء محتمل، وتعاون إقليمي ممكن يوسع المصالح الاقتصادية بين الشعوب ويحد من التوترات والأزمات الامنية، فإن الحكام وعلى مدى خمسة وثلاثين عاما لم يتمكنوا من تحقيق طموحات الشعوب في الوحدة وبناء اقتصاد وقوة عسكرية ذاتية تحمي بلدانهم من التهديدات الأمنية والاقتصادية المتكررة. والمطروح الآن ليس اتحادا اندماجيا بقدر ما هو اتحاد كونفيدرالي يشمل الخارجية والدفاع والاقتصاد، على أن تبقى الأمور الأخرى اختصاص محلي.
لم يتطرق المشاركون إلى كيفية معالجة هذه الاختلافات والعقبات التي حالت دون تحقيق الاتحاد سوى مناشدة القادة بالتخلي عن بعض السيادة في سبيل قيام الاتحاد. وهذه المناشدة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لكنها كما يبدو غير مجدية. قامت جمعية تجمع الوحدة الوطنية بتنظيم عريضة شعبية دعي إلى توقيعها مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات. تم إلى الآن توقيع ما يزيد على 160 مؤسسة وعشرة آلاف شخص على وثيقة الاتحاد الخليجي التي دشنتها الجمعية. هذه الجهود مقدرة وتحسب لتجمع الوحدة الوطنية ونتمنى أن تتكلل بالنجاح. بالنسبة إلينا في الخليج قد يتطلب الأمر إلى أولا إيجاد وسيلة لإشراك المجتمعات الخليجية في صنع القرار عبر مؤسسات تضمن الاستمرار، أحد هذه المؤسسات قد يكون برلمانا خليجيا شعبيا منتخبا أو أجهزة مشابهة. ثانيا ينبغي العمل على نزع فتيل الطائفية. إن تعميق الطائفية وتوظيفها في صراعاتنا السياسية هي عامل من عوامل تشظي المجتمعات التي قد تعوق التطور الديمقراطي في المنطقة. علما بأن المسار الديمقراطي ومشاركة الشعوب في القرار هو من أهم شروط التوصل إلى الوحدة الخليجية والعربية. ثالثا إفساح المجال أمام المجتمع المدني لكي ينظم نفسه بعيدا عن الهواجس الأمنية والرقابة الصحفية المتشددة التي تضعفه. 
إن ما يحدث في الدول العربية من حروب هو بسبب تغييب الشعوب عن صنع القرار وانفراد السلطات بالقرار. فالشعوب الحرة لا تتقاتل بل تعالج خلافاتها بالحوار الحر وآليات ديمقراطية. يمكن البدء بمؤسسات اقتصادية ومشاريع مشتركة على مستوى الصناعات الانتاجية الخليجية ومراكز أبحاث خليجية. 
تحقيق مشاركة مجتمعية يحتاج إلى تحرير الصحافة من هاجس القبضة الأمنية لتسمح للشعوب بالمشاركة الفعالة في تقديم الرؤى والمقتراحات وتحقق الزخم الشعبي. اليوم نجد أن الصحافة لا تدخل في نقاش مستقل وحر حول معوقات الاتحاد وكيفية التعامل معها بسبب الهاجس الامني الذي يكبل المجتمعات وصحافتها ويحد من طرح المقترحات والنقد الحر البناء. وأخيرا نود ان نؤكد ضرورة دعم منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية الذي تأسس منذ فترة، ونأمل أن يعمل التجمع مع هذا المنتدى بدلا من تشكيل كيان آخر.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *