نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مؤشرات الأداء وبرنامج عمل الحكومة

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠١٩ – 01:15

مقال الأسبوع- بعد إقرار برنامج الحكومة والميزانية (قريبا) ييقى ان نتساءل كيف سنقيم عمل الحكومة خلال السنوات الأربع القادمة؟ مركز البحرين للتميز يقوم بقياس أداء الحكومة فهل يقتصر ذلك على سرعة الإنجاز ام انه يتطرق الى كيف سيتأثر الوطن والمواطن والمجتمع والبيئة ببرنامج الحكومة. وماذا عن التعليم هل سيكون من ضمن ما يتم تقييمه؟ وكيف؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1163386

 انتهينا من إقرار برنامج عمل الحكومة وعن قريب سوف ينتهي مجلس النواب من إقرار الميزانية كما أقر سابقا برنامج التوازن المالي. بالإضافة إلى هذه المحطات الثلاث هناك طبعا استراتيجية الحكومة طويلة الأمد وهناك الرؤية الاقتصادية وهناك توجهات الدولة نحو بناء مجتمع الغد، مجتمع التسامح ومجتمع الرفاه والازدهار، ومجتمع التقدم العلمي والاقتصاد المعرفي. هذه كلها تطلعات صدرت عن الحكومة أو مجلس التنمية الاقتصادية. فما الهدف أو الصورة التي تريدها الحكومة لمجتمع الغد؟ 

ما نوع المجتمع الذي نحتاج إلى بناء مستقبل في عالم اليوم والغد المتغير الذي يتسم بالسرعة والتواصل والانفتاح. التغيير السريع والانفتاح يجعل شريحة كبيرة من المجتمع على علم بما يجري في العالم ولا تقبل بأقل، لا من حيث التنمية ومستوى المعيشة، ولا من حيث المشاركة السياسية والاقتصادية، ولا من حيث الرفاه والعدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل، فطبيعة الإنسان دائمة المقارنة. 

الرفاه قضية نسبية، والقصور عن الآخر لا يختلف في تأثيره عن الرضا والقناعة عن القصور المطلق. والمجتمع البحريني دائم المقارنة بالمجتمعات الخليجية من حيث مستوى المعيشة، كما يقارن نفسه بشرائح أخرى من نفس المجتمع. يقارن المجتمع البحريني نفسه بالغرب من حيث الانفتاح والممارسات السياسية وحقوق الإنسان والقدرة على التعبير، ويقارن نفسه بالشرق من حيث النجاح الاقتصادي وإمكانية اللحاق بالتقدم العلمي. هذا يضع تحديا كبيرا أمام الحكومة لتحقيق تطلعات المجتمع في كليتها. فهل هذا ما تعنيه الحكومة «بتعزيز أداء الحكومة» من خلال مركز البحرين للتميز الذي دشن مختبرًا للقياس العملي لمؤشرات الأداء، أم أن ما تعنيه يقتصر فقط على الشؤون الإدارية وسرعة إنجاز المعاملات في مختلف الوزارات.

في شهر فبراير استعرضت اللجنة الوطنية للمعلومات آلية تحديث ونشر البيانات والمعلومات وأفضل الممارسات المتعلقة بتنفيذ الحكومة لأهداف التنمية المستدامة. فماذا ستقول هذه المعلومات عن أداء الحكومة فيما يتعلق ببرنامج العمل وجودة التعليم المؤسس على الفكر النقدي، وماذا ستقول عن تنويع الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة وجودة الحياة لمختلف شرائح المجتمع؟. 

بعض الدول المتقدمة تسن تشريعات تتطلب من الحكومة تقديم تقرير دوري عن أداء الحكومة في تحقيق أهدافها. ليس فقط عن أدائها الإداري وسرعة الإنجاز وإنما تحقيق تقدم في التنمية الاقتصادية وتنمية المجتمع علميا واجتماعيا، والقدرة على التعامل مع القضايا المحلية، مثال على ذلك قانون الأداء الأمريكي عام 1993 (government performance act 1993). 

إذن.. السؤال كيف ستقيم الحكومة هذا الأداء؟ على افتراض أن المقصود من تعزيز أداء الحكومة هو العمل على تحقيق تقدم حقيقي في المجتمع يشمل مختلف الأبعاد المذكورة، ويشمل جميع أفراد المجتمع، مستمدين مؤشرات التقييم من رؤية جلالة الملك ومن تطلعات المجتمع ومن الرؤية الاقتصادية، ومستخلصة هذه المؤشرات من الاستراتيجيات التي وضعتها الحكومة في خططها المختلفة وفي برامج الحكومة المتعاقبة.

يبقى السؤال ماذا ستقول اللجنة الوطنية للمعلومات عن نوعية المجتمع الذي نريد؟ وكيف سيتحقق من خلال برامج الحكومة؟

يمكن استخلاص متطلبات المستقبل من تطلعات المجتمع ومن خطاب القيادات والاستراتيجيات والبرامج المتعاقبة، وتلخيصها في أربعة عناصر تمثل غاية وموضع اهتمام وهي الوطن (تقدمه وازدهاره) والمواطن (تحسين جودة حياته ومستوى معيشته) والمجتمع (تماسكه وحيويته) والبيئة الطبيعية (حمايتها واستدامتها). وردت في خطابات جلالة الملك وفي برنامج الحكومة وفي الإعلام تعريفات لكل من هذه العناصر تساعد على تحليل وتعريف مكونات كل منها لتسهيل عملية التقييم ووضع مؤشرات القياس، ومن ثم فإن المأمول أن تكون لدى الحكومة رؤية طويلة المدى لهذه الجوانب الأربعة، ومن المتوقع أن تضع الحكومة أهدافا محددة لهذه العناصر الأربعة خلال الأربع سنوات القادمة تحدد الجوانب التي تسعى إلى تطويرها وتحسينها.

تملك الحكومة أدوات تأثير في كل من هذه العناصر، فهي أولا: تضع سياسات وحوافز تؤثر في هذه العناصر من خلال السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنمية السياسية والتطوير الديمقراطي والثقافي. ثانيا: تسن التشريعات التي تنظم العلاقة بين العناصر وتضع لها الأسس التي تحدد إسهام كل من هذه العناصر وتؤثر في تعظيم الأداء الكلي وتحقيق أهداف البرنامج. ثالثا: تعمل هذه السياسات والتشريعات معا من خلال آليات مثل التعليم والصحة والبنى التحتية وبيئة العمل، وجميعها ينعكس على مستوى المعيشة. ولكل من هذه الآليات مؤشرات أداء تعكس تأثرها بالسياسات والتشريعات. 

فمثلا وضَع برنامج الحكومة أهدافا تتلخص في تعزيز قوة الاقتصاد وتنويع قطاعاته، والحفاظ على مكتسبات المواطنين، وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز الوضع المالي وتوازن الموازنة. هذه الأهداف وخاصة المتعلقة بالتنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد تحتاج إلى مؤشرات أداء لمتابعتها. ينبغي ألا تقتصر مؤشرات الأداء على رصد الأداء التاريخي (lagging indicators) الذي يعطي نتائج عمل السنوات الماضية. 

مثل هذه المؤشرات لا تعكس بالضرورة ما سوف يحدث في المستقبل. فمثلا معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي هو إما أن يكون نتيجة لارتفاع أسعار النفط أو بسبب ارتفاع عدد السكان، لكنه لا يعبر بالضرورة عما حدث من سياسات وتشريعات ومؤسسات قدمت التسهيلات والمحفزات ووضعت دوافع للاستثمار والإبداع والابتكار والريادة. هذا النوع من المؤشرات مفيد ولكنه لا يكفي كمؤشر لسبر التقدم المستقبلي. يحتاج الأمر إلى مؤشرات مستقبلية (leading indicators) تسمح بتوقع أداء أفضل في المستقبل. من هذه المؤشرات مثلا بناء رأس المال البشري النوعي من خلال جودة التعليم القائم على المهارات الأساسية مثل الفكر النقدي القائم على الإبداع والابتكار والبحث العلمي والتطوير. ويقوم على برامج التنمية المجتمعية وتقوية المجتمع ليكون عنصرا فاعلا في التنمية والتقويم والتقييم. وكذلك يقوم على تطوير بيئة العمل المحفزة للاستثمار. 

هذه الآليات هي التي تحرك الأداء وتعطي صورة عن إمكانية التقدم والازدهار المستقبلي. والاهم من هذا كله هو نوعية المؤسسات والتشريعات والسياسات التي تخلق علاقة تشاركية بين السلطة وجميع فئات المجتمع في بيئة اقتصادية اجتماعية سياسية وبيئة عمل تسودها المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. بذلك يمكن أن نترجم ما تؤكده  خطابات القيادات السياسية من أن الإنسان هو الثروة الحقيقية إلى واقع.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *