نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مؤشرات تقييم الاداء والتنمية المستدامة

تاريخ النشر : 21 اغسطس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في مقال سابق (اخبار الخليج 5 اغسطس 2009) تحدثنا عن معوقات التنمية وذكرنا ان احدها هو انفصام القيادات السياسية عن المجتمع والمتمثل في اختلاف مصالحها عن مصالح شعوبها، وفي مقال لاحق (اخبار الخليج 15 اغسطس 2009) تطرقنا الى معوقين اخرين من معوقات التنمية والمتمثلين في اولا مفهوم السيادة القطرية والامن القومي، وثانيا اختلاف مفهوم التنمية لدى القيادات السياسية وكيفية تقييمها وقياسها، وتساءلنا عن الحاجة الى مؤشرات وطنية وخليجية تتناسب مع طبيعة النظام الاجماعي والسياسي واوضحنا اننا سنستعين بمنهجية ادارية في تقييم اداء المؤسسات وهذا سيكون موضوع مقالنا هذا.

في نظم الادارة كان المقياس الشائع لاداء المؤسسات وحتى وقت قريب هي المؤشرات المالية مثل الربح وزيادة سعر السهم ونمو حصة المؤسسة من السوق. هذا المقياس بالرغم من اهميته لاي مؤسسة الا انه يركز على انجازات المؤسسة في السنة الماضية والتي سبقتها. اما الاداء المستقبلي فلا يمكن التنبؤ به من خلال هذه المؤشرات. وكذلك حال الامة فان المؤشرات المتعلقة بارتفاع متوسط الدخل والناتج المحلي والدخل القومي ومستوى الصادرات والتبادل التجاري هي مؤشرات قد تتاثر بعوامل ليس للبلد دخل فيها كأن يرتفع سعر النفط او يقع جفاف في منطقة معينة. بالاضافة الى ذلك فان هذه المؤشرات لا تعكس بدقة مساهمة المجتمع في التنمية واستفادته المباشرة منها. فمتوسط الدخل لا ينفي التفاوت الفاحش بين مستويات الدخل، ولا يمنع ارتفاع مستوى الفقر في البلد ولا يحد من العدالة الاجتماعية. وفي عام 1996 برزت منهجية جديدة في عالم قياس اداء المؤسسات رفضت هذا التركيز على بعد واحد من الاداء ونبهت الى الاضرار التي قد تنجم عنه والتي تهدد بقاء المؤسسة كما حدث وتعرضت مؤسسات عديدة الى الافلاس بالرغم من نتائجها الجيدة في مؤشرات الربح وارتفاع قيمة اسهمها.

يعتبر قياس اداء المؤسسات من أهم عناصر الادارة الذي يؤثر في ثقافة وسلوك المؤسسة وبالتالي يقرر مستقبلها. لذلك اتجهت المنهجية الجديدة الى استخدام نماذج اخرى في القياس تشمل عدة جوانب مثل فعالية العمليات الانتاجية وقدرتها على التجديد والابتكار والخروج ببدائل وحلول مستقبلية ومنتجات جديدة ومتطورة، وفعالية نظم التدريب والتعليم، ومستوى الاهتمام بالقوة البشرية والنظم التي تعمل على تدريبه وتطويره، والنظم المستخدمة للاستفادة من تجارب المؤسسة في التعلُّم. اي ان النظام الجديد في التقييم والقياس يركز على العوامل التي تنظر الى مستقبل المؤسسة وقدرتها على البقاء والنماء. والمنطق هنا هو انه اذا كانت سياسات المؤسسة واستراتيجيتها وعملياتها واجراءاتها سليمة ومستمدة من رسالتها واهدافها، واذا كانت نظمها وقدرتها على التعلم من تجاربها واخطائها عالية فان فرص تحقيق النتائج المالية والمؤسسية ستكون أكبر.

بتطبيق هذا المنطق على الحكومة، نجد ان تحقيق غاية او رسالة الحكومة المتمثلة في اسعاد مواطنيها يعتمد على مدى رضا اغلب المواطنين عن اوضاعهم الشخصية وعن علاقاتهم الاجتماعية وعلاقتهم مع مؤسسات الدولة ورضاهم عن علاقة الدولة مع العالم الخارجي وتاثيرها فيه. وتحقيق ذلك يحتاج الى رفع مستوى انتاجية المجتمع وقدرته الابداعية التنافسية ضمن نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي يتصف بالعدالة والانصاف. وهذا يتطلب وجود برنامج تنموي بشري واقتصادي، يتحقق بوجود سياسات واستراتيجيات وعمليات واجراءات تؤدي الى رفع مستوى معيشة المواطن وتطوير حياته الشخصية وجعلها اكثر سعادة مقارنة بحياة البشر في الدول المتقدمة وليس فقط مقارنة بالدول الاقل حظا.

وبالتالي فان منظومة المؤشرات المطلوبة لتقييم التنمية لا بد وان تشمل تقييم وقياس كل هذه الجوانب والتي تنقسم الى اربعة مجموعات. المجموعة الاول تعنى بالنتائج المؤثرة على المواطن مثل مدى رضاه عن اوضاعه الشخصية وعلاقاته الاجتماعية وعلاقته بالدولة، ورضاه عن علاقة الدولة بالعالم الخارجي. والمجموعة الثانية من المؤشرات تعنى بالنتائج المؤثرة على المجتمع مثل مستوى انتاجيته في مختلف الانشطة الاقتصادية وقدرته التنافسية ومستويات العدالة الاجتماعية والانصاف. والمجموعة الثالثة من المؤشرات تعنى بمصدر هذه النتائج او مسبباتها مثل مؤشرات لقياس كفاءة البرنامج التنموي من الجانب البشري والاقتصادي والسياسي، ومؤشرات لتقييم السياسات والاستراتيجيات والعمليات والاجراءات التي تؤدي في نهاية المطاف الى رفع مستوى معيشة المواطن واسعاده. واخيرا المجموعة الرابعة من المؤشرات تعنى بتقييم قدرة المجتمع على وضع القوانين والانظمة المساندة للتنمية وادارة علاقات مكوناته وعلاقته بالخارج، بالاضافة الى مؤشرات لقياس قدرته على التعلم من تجاربه والاستفادة من الدروس التي مر بها ويمر بها العالم من حوله، ومؤشرات لقياس قدرته على استخدام التقنيات الحديثة واستيعاب العلوم وتوظيفها لانتاج معرفة تضيف الى قدرته التنافسية.

هذا المنطق يُرجع الامور الى جذورها وهو ان تحقيق النتائج التنموية الوطنية او القومية التي ذكرناها في المجموعة الاولى والثانية من المؤشرات له محرك ومسببات متمثلة في المجموعة الثالثة والرابعة من المؤشرات. والاهتمام بهذا المحرك وتنميته يمنح المجتمع والدولة القدرة على التجديد والتطور. فالمنظومة التي لا تجدد نفسها ولا تتأقلم مع بيئتها ومحيطها تؤول الى الهلاك. هذا قانون طبيعي واداري يعتمد عليه نظام القياس الذي ناقشناه، والتجديد والتأقلم يأتي من الاخذ باسباب ومسببات التقدم والرقي والعمل على قياسها ومتابعة تطورها، وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *