- مؤشر القيادة المتميزة – جمعية الاداريين
تاريخ النشر : 29 مايو 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في 18 من الشهر الجاري (مايو 2010) اقامت جمعية الاداريين البحرينية مؤتمرا حول القيادة المتميزة وتاثيرها في التغيير ونقل الاقتصاد من اعتماده على النفط الى اقتصاد انتاجي. بعد الكلمة الافتتاحية لرئيس الجمعية الدكتور عادل حمد (الرئيس التنفيذي لشركة جارمكو) التي تحدث فيها عن اهمية توفير قيادات فعالة للمستقبل قادرة على احداث التغيير المطلوب لتحقيق تطلعات الرؤية الوطنية. بعد هذه المقدمة تحدث ثلاث قيادات بحرينية هامة عن ابعاد مثيرة للقيادة الفعالة. اول المتحدثين كان الدكتور عبدالحسين بن على ميزرا (وزير النفط) الذي بحث مفهوم القيادة وادارة التغيير من خلال المشاركة وليس الاكراه. ثم تحدث الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة (رئيس مجلس ادارة المؤسسة العامة للموانئ البحرية) وتناول مفهومي تمكين والمساءلة في تهيئة المناخ الملائم للنجاح. وبعدها تحدث السيد عبد الحكيم الخياط (الرئيس التنفيذي بيت التمويل الكويتي) فركز على مفهوم تضارب المصالح ومعالجتها من خلال النظام والاخلاق.
طرح الدكتور ميرزا خلاصة تجربته الادارية في عرض شيق لمبادئ القيادة المتميزة حيث يقول ان مستقبل البحرين يعتمد على قوتنا الاقتصادية التي تتطلب قيادة فعالة قادرة على التغيير. والقيادة الفعالة تختلف متطلباتها من زمن الى اخر ومن ظروف الى اخرى. ففي كتاب ل “واترمن و وتوم بيترز” في الثمانينات (1982) استعرض الكاتب قصص نجاح 13 شركة اعتمدت على قيادات فذة ولكن بعد عشر سنوات تعثرت بعض هذه الشركات واختفت من الوجود بسبب عدم قدرتها على ادارة التغيير وتجديد نفسها. اعتمدت هذه الشركات في نجاحها وتطورها على ثلاث صفات هامة وهي اولا ايجاد ثقافة مجتمعية داخل المؤسسة تمجد الانجاز والاداء المميز ولا تعير بالا لاعتبارات اخرى كالقرابة والحسب والنسب . ثانيا الاهتمام بالزبون ومتطلباته وثالثا القيادة الفعالة التي تهتم بالعاملين وبتعزيز قيم الاداء والتميز والابداع. وهذا لا يتم من قبل شخص واحد يقود المجموعة كما كان في السابق بل يحتاج الى خلق قيادات فعالة على جميع مستويات المؤسسة لتولد الزخم للانتاج والابداع.
وربط الدكتور ميرزات ذلك بالرؤية الوطنية 2030 والتي تخضع لتحديات خارجية مثل تحديات البيئة السياسية، وتحديات المتغيرات التكنولوجية. كما تحاول تحقيق ثلاث تطلعات، اقتصادية وحكومية ومجتمعية. وهذه التحديات والتطلعات تفرض على القائد في مختلف المستويات ان يدرك ان منطق الامس في القيادة بالاكراه قد تغير واليوم تعتمد القيادة المتميزة على الحوار والاقناع ومشاركة الناس الرؤية. وهذا النوع من القيادة يتطلب الانفتاح والشفافية والقرب من الناس وتقبل النقد والقدرة على التصحيح. وهذا يعني ان النجاح هو خيار يشترك في تشكيله الجميع ولا يخضع للصدف، وان تلك المؤسسات التي فشلت لم تتمكن من اتخاذ الخيار المناسب.
اما المتحث الثاني فهو الشيخ دعيج بن سلمان وبدأ حديثه بالقول ان المؤسسات تفشل من الاعلى وان دور القائد في تحقيق النجاح قد تغير من القائد الفذ الذي ياتي بالاعمال الخارقة، الى القائد الذي يعتمد على اتباعه والناس (الموظفين والمواطنين) في تحقيق النجاح. وهذا النجاح ياتي من خلال تكريس مفهومين هما تمكين الناس، ومساءلتهم. والتمكين هو مفهوم يقوم على مبدئين، الوا امكانية انتقال القوة (السلطة)، ثانيا ان القوة او السلطة يمكن ان تكبر بالمشاركة. وهذا يعني ان اعطاء السلطة للمرؤوسين لا تُنقص من سلطة الرئيس بل تزيدها. وهذا المفهوم ينفي الصراع على السلطة لان المحصلة النهائية هي تكبير السلطة الاجمالية للجميع. اي ان حصول اخرين على السلطة يقوي سلطتنا. ويتم التمكين ضمن علاقات بشرية تفسح المجال لزيادة عدد القادة الذين لديهم السلطة والقوة وتكبير القاعدة القيادية لزيادة القدرة على تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع بالمشاركة مع قادة يتحملون المسئولية عن النتائج المترتبة على هذا العمل. لذلك فان تمكين الناس والمديرين والموظفين يتطلب وضع نظام يركز على رفع قدرات وكفاءات الناس وتقييم النتائج وتعزيز قيم المساءلة والمحاسبة لاحداث النجاح وان تطلب الامر التغيير في القيادات.
اما الوجه الثالث للقيادة والذي تناوله السيد عبدالحكيم الخياط فقط ركز على بعد عملي مهم اعتمد الازمة المالية كقاعدة للانطلاق وتساءل لماذا حدثت الازمة ويجيب بان السبب الرئيسي هو غياب معايير الاخلاقيات وبالذات عدم الاكتراث بمبدأ تضارب المصالح. ويقول ان كثيرا ما يقوم القادة بوضع بذور الفشل من خلال الاهتمام بالمصالح الشخصية. ويؤكد ان هذا التضارب يكون واضحا ولكن القائد يضعف امام المغريات بسبب ضعف الواعز الاخلاقي. فكون القائد في موقع يسمح له بالخلط بين المصالح الشخصية والمصالح المؤسسي يحتاج الى مبادئ والى منظومة من القواعد للتعامل مع مثل هذه المواقف. ويرى السيد الخياط ان لب المشكلة يكمن في عدم وضع تعريف واضح لتضارب المصالح قانونيا سواء اكان في القطاع الخاص ام اجهزة الدولة مما يجعل الحصول على امتيازات له ولافراد عائلته لا يشكل تضارب مصالح بالنسبة له. وبالتالي فانه يرى ان سبب جميع المشاكل التي تواجه الادارات راجعة الى مثل هذا الخلط الذي يحتاج الى مقاومة للاغراءات. واذا ما شعر المسئول بالحاجة الى الدفاع عن تصرفاته ومركزه ومكانته فهذا اول الطريق نحو فقدان المركز او موقع القوة والقدرة القيادية. وينهي حديثه بالقول ان تخلف الوطن العربي وتدني جودة القيادات العربية تكمن في هذا الخلط.