نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ترشيد الانفاق لن يتم في معزل عن الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة من الحوار والنقاش المجتمعي والرسمي.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1081620

وأخيرا تم إقرار الميزانية ومعها مشروع رفع الدين العام إلى 13 مليارا. مثلت الميزانية بذلك استمرارا لتزايد العجز والدين العام من دون وجود ما يشير إلى معالجة جذرية له. أُقرت الميزانية وسط مناداة من اللجان المالية البرلمانية لضرورة التركيز على حسن إدارة الوزارات والمشاريع والاداء الاقتصادي بشكل عام، وتدعو إلى مشاركة فاعلة في إدارة الاقتصاد واتخاذ القرارات وخلق فرص عمل وتحقيق استدامة في الاقتصاد، ودعوات مماثلة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد من دون الإضرار بالفئات المستحقة للدعم، وإعادة «ممتلكات» إلى ادارة الدولة، فهل هذه الدعوات سوف تنتج حلولا؟

تقترح اللجان الشورية والنيابية بإعادة هيكلة الاقتصاد، لكن لم يتضح ماهي خطتهم لإعادة الهيكلة التي يريدون وما هي نتائجها، وما هو مشروعهم للإصلاح الاقتصادي مع عدم المساس بالفئات المستحقة للدعم والمساعدة؟ كذلك يشير بعض الشوريين والنواب إلى ان البحرين لم تستفد من الطفرة التي شهدتها أسعار النفط في السنوات الماضية؟ فكيف سنعالج ذلك في ميزانية 2019-2020؟

لا تختلف هذه المطالب أو المقترحات عن الحديث الذي يجري منذ عقود عن تنويع الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل ومع ذلك لم يفتح مجلس النواب نقاشا عاما خلال أربع دورات نيابية، ولم يطرح هذه الاسئلة في نقاش علني مع الوزارات لتحديد أسباب عدم تحقيق هذه الأهداف؟ وخصوصا أن الفترة من 1975 إلى 2002 كان قرار الدولة مستقلا عن أي تأثيرات برلمانية أو مساءلة مجتمعية، ولم تعترض الطريق أي من المعوقات المرتبطة بالنظام الديمقراطي. لذلك فإن الحديث عن أن ما نمر به من أوضاع مالية غير مسبوق هو كلام غير دقيق. فقد مرت البحرين والدول النفطية بدورات مماثلة من الانكماش في أسعار النفط، فماذا أعددنا له؟ يقول وزير المالية إننا بدأنا العمل على خطة التحول عن الاعتماد على النفط، وسوف نصل إلى 50% في اعتمادنا على النفط. متى يتم ذلك وكيف؟

تم إقرار الميزانية وسوف تنقضي الفترة إلى نهاية 2018 وسوف نواجه لحظة مماثلة في ديسمبر 2018 وفي ديسمبر 2020 وفي ديسمبر 2022، وسوف نتحدث عن تنويع الاقتصاد والعجز في الميزانية وزيادة الدين العام والحقوق المكتسبة للمواطن. لكن ماذا بعد؟ إلى متى نستمر في هذه الأقوال المتكررة؟ مع علم الجميع أن معالجة العجز والديون وتنويع الاقتصاد وموارد الدخل تحتاج إلى سنوات لكي يبدأ تأثيرها.

لم يعد بالامكان التأجيل والتسويف، فاليوم مطلوب المصارحة والمكاشفة وان نطرح اسئلة صعبة وقاسية وان نحاول مناقشتها بجدية وشفافية وتحمل بعضنا بعضا من دون حواجز مخفية تمنع الحوار الجاد الهادف المفتوح. المجتمع الذي يرفض الحوار والنقاش وطرح الاسئلة من مواطنيه لا يمكن أن يتقدم أو أن يعالج قضاياه من دون الدخول في مطبات وإخفاقات تعطل الحلول وتؤخر المسيرة.

من التساؤلات التي ينبغي أن تطرح وتناقش في المجتمع هي: أولا: لماذا ينحصر الحديث عن تنويع الاقتصاد وتوسيع القاعدة الانتاجية وتنويع مصادر الدخل في وقت تقديم الميزانية فقط، ويتداخل المتداخلون في مجلسي النواب والشورى وينغلق الملف إلى الميزانية التالية؟

ان الحديث عن الحلول الاقتصادية بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي ويتكرر سنويا، فمتى نرى تحركا جادا منظما ومؤسسيا يناقش الخيارات والعلاجات التي تضع مصلحة المجتمع والمواطن في صلب القضية؟

ثانيا: مطلوب مناقشة جادة ودراسات حصيفة حول نظام الضرائب لتعزيز إيرادات الدولة بعيدا عن النفط. فمثلا، لماذا لا تفرض ضرائب الثروة والدخل وأولها على المشاريع التي وهبت لها أراضي مجانا أو بطرق خاصة، وان تكون هذه الضرائب كبيرة لا تقل عن50% من الإيرادات على أن تعود المشاريع إلى ملكية الدولة، وتدرج في سوق الأسهم بعد انتهاء مدة محددة، 50 سنة مثلا.

ثالثا: ماذا عن الخدمات التي تقدمها الدولة. هل يجب أن تستمر بهذه الطريقة أم ان هناك وسائل افضل لتقديمها. فمثلا هل ينبغي ان يستمر التعليم في الوزارة بهذه الطريقة؟ وهل نحن نوفر التعليم المطلوب للتنمية؟ الانفاق العام على التعليم يكلف الدولة 320 مليون دينار أي 2600 دينار لكل طالب تقريبا بحسب ميزانية 2017-2018. هل يمكن بحث اقتراح خصخصة ذلك وتحقيق مستوى أفضل ورقابة أكبر تتولاها أجهزة تابعة للمجلس الأعلى للتعليم؟ وخصوصا إذا أدركنا أن الحديث عن إصلاح التعليم وتجويده استمر أكثر من عقدين من الزمن.

ما ينطبق على التعليم ينطبق على الصحة والإسكان والأشغال وغيرها من البنود الكبيرة. طرح الاسئلة هذه قد يجد حلولا تقلص التكاليف وياتي بحلول اقل كلفة واكثر فعالية وقدرة على تحقيق الاهداف، بشرط ان تتم من خلال نقاش وحوار مجتمعي مفتوح ومنظم يديره مجلس النواب كممثل عن المجتمع، وتوفير معلومات موثوقة ليكون النقاش موضوعيا.

الميزانية القادمة ليست بعيدة وبرنامج الدولة سوف يصاحبها هذه المرة، فحبذا لو قام المجلس بربط الميزانية ببرنامج الدولة وتحديد الإنجازات والمساءلة عن القصور واسبابه ومحاولة الإصلاح من خلال نقاش عام علني. هذا سوف يمكّن المجلس من مناقشة الميزانية على اسس واضحة. وفي رأيي ان ما حدث في إقرار الميزانية هو ان النقاش تم في معزل عن البرنامج.

المرحلة الصعبة لم تنته بتمرير الميزانية، ان تعاون الجميع في تجاوز المرحلة مطلوب، وتقليل أو ترشيد الانفاق لن يتم في معزل عن الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة من الحوار والنقاش المجتمعي والرسمي، والتركيز على بناء مجتمع منفتح على الحوار والنقاش في البحث عن حلول مستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *