نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا تعني المصلحة العامة وكيف تتحقق؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٨ نوفمبر ٢٠١٧ – 01:20

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1096263

المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي عبارة عن صراع مستمر على المصالح بين مختلف مكونات وطبقات وفئات المجتمع حول توزيع الموارد المختلفة. هذه عبارة مقتبسة مع تصرف من كتاب اسيموجلو وروبنسون (لماذا تفشل الامم- 2006).

مفهوم المصلحة العامة من المفاهيم التي تستخدمها الكثير من الجهات الرسمية والمنظمات المجتمعية والافراد والاحزاب السياسية المختلفة وكل يدعي حمايتها دون ان يتم الاتفاق على معناها بدقة وماذا يقصد بها ومن الذي يحدد هذا المعنى ووفق اي معايير أو موازين. 

تشعبت مفاهيم المصلحة العامة مع تطور الدولة. فقد كانت الدولة حتى القرن الثامن عشر مقتصرة على الامن والجيش (بحسب تعبير ادم سميث «الحارس الليلي»). توسع هذا الدور ليشمل مجالات كان يقوم بها أفراد أو جماعات مثل التعليم والصحة. ازداد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بشكل خاص بعد الازمة الاقتصادية 1927 (الكساد الكبير) ووجدت الدولة نفسها مضطرة (تحت ضغط فكري واقتصادي) إلى التدخل لتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي وترك المجال مفتوحا للمبادرة والمنافسة الحرة فيما دون ذلك. هذا التدخل تطور في شكل مؤسسات ادارية واقتصادية وسياسية والقوانين المنظمة لها. فكيف تطورت هذه المؤسسات والقوانين ووفق اي مصالح تم تحديد نطاقها ومسؤولياتها وصلاحياتها؟ 

باسم المصلحة العامة تم تحديد هذه المؤسسات والقوانين، وباسم المصلحة العامة وُضع الدستور ومنحت صلاحيات التشريع لمؤسسات الدولة لتنظيم حياة الناس. وباسم المصلحة العامة منحت مؤسسات اخرى صلاحيات تقيد الحريات وتكبل الحقوق، وتجرد بعض الافراد أو الجماعات من ممتلكاتهم وحرياتهم كليا أو جزئيا. وباسم المصلحة العامة تدخل الدولة في اتفاقيات وعلاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية. وباسم المصلحة العامة تنشأ الحروب والنزاعات، وباسمها تتعطل الدساتير، وباسمها يعين الوزير والمدير والمحافظ والمسؤول. وباسمها يتم العبث احيانا بالانتخابات ونتائجها. هذه السلطات والامتيازات التي تمنح باسم المصلحة العامة تجعلنا نتساءل حول مضمون ومحتوى ومدلول المصلحة العامة. 

للتعرف على ابعاد هذه الفكرة ومعانيها علينا الدخول في ضمائر المنادين بها وبتحقيقها. اي كيف يحدد هذا المسؤول وجود مصلحة عامة في تصرف ما أو قانون ما أو مداولات برلمانية أو قرارات حكومية؟ الحاجة إلى الكشف عن الدوافع الحقيقية يجعل التعريف صعبا وإن وجد قد لا يحظى بإجماع. وبالرغم من عدم النص عليها صراحة نجد الكل يتشبث بها ويرددها في كل مناسبة حتى اصبحت روح القانون وعاملا مهما في تطبيقه. 

لذلك يقول البعض إن المصلحة العامة مفهوم متغير ويحتوي على قدر كبير من الاحتمالية، فهو يختلف من وقت إلى اخر ومن نظام سياسي إلى اخر ومن ظروف إلى اخرى، ناهيك عن التضارب بين المصلحة العامة الاجتماعية والمصلحة العامة الاقتصادية والمصلحة العامة البيئية والمصلحة العامة السياسية، لذلك علينا ان نبحث دائما في الدوافع خلف القرارات الادارية والسياسية والاقتصادية، وأن نحاول تحديد المصلحة العامة وكيف تتحقق في كل تصرف أو قانون أو سلوك مؤسسي أو فردي في كل حالة على حدة؟ وأن نتساءل هل جميع ما يصدر عن هذه المؤسسة أو ينتج من تطبيق هذا القانون أو ذاك هو مصلحة عامة؟

يرى افلاطون ان المصلحة العامة هي التماسك المجتمعي ووحدته الناتجة من الشعور الجمعي بالسعادة والالم، اما ارسطو فإنه يرى ان هناك دستورين، احدهما صحيح وهو لمصلحة الامة والاخر عقيم وهو لمصلحة الدولة. ميكيافيلي يضع عناصر المصلحة العامة ويجعلها ثلاثة هي الحرية والامن والكرامة ويتحقق ذلك بشجاعة فذة من الحكم. اما آدم سميث فيراها في حرية السوق والتنافس الحر. في حين أن جون لوك يرى ان المصلحة العامة هي الامن والسلم ومصلحة الجميع وهي هدف المجتمع السياسي وأن رفاه الناس هو القانون العام. اما روسو فيرى ان المصلحة العامة هي القيمة التي تسعى لها المجتمعات وغاية الحكومات. ما يتفق عليه هؤلاء الفلاسفة هو ان المصلحة العامة لا ينبغي ان يكون تعريفها أو تحديدها حكرا على جماعة أو شخص سواء كان فيلسوفا أو نظاما حينها حتما ستكون مصلحة خاصة. 

وسط هذا الغموض يوجد تعريف يقول: «المصلحة العامة هي مجموعة من الظروف تسمح بازدهار افراد المجتمع». وبالتالي فهي عملية خلق هذه الظروف» ضمن نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي وقانوني. فكيف يتم ذلك؟ المسؤولية تقع على جميع فئات المجتمع والسلطات لخلق هذه الظروف. على مكونات وفئات المجتمع ان يتجاوزوا خلافاتهم، وأن يكونوا قادرين على العمل معا، وقول الصدق والاستماع لبعضهم ضمن هذه الخلافات ليتمكنوا من خلق توازن في المصالح- وتعاون بين فئات مختلفة حول هذه المصالح- لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية للجميع. بذلك يتم خلق مجتمع متماسك قادر على خلق الثقة والتعامل مع الاختلاف والخلاف الذي لا بد منه. المسؤولية في ذلك على الجميع ولمصلحة الجميع.

لذلك تظهر الحاجة إلى وجود آلية يتفق عليها المجتمع لحسم الخلاف حول المصلحة العامة وماذا تعني ومتى تتحقق. هذه الالية هي التي تمثل النظام الديمقراطي الذي يعطي الجميع حق التمثيل في اتخاذ القرار. من هنا تأتي اهمية وجود نظام انتخابي عادل لا يميل إلى مصلحة طرف على اخر. بعض النظم الانتخابية هي التي تعطل مسرى الديمقراطية في العالم العربي. وقدرة بعض المصالح في التحكم في سير العملية الانتخابية وتحديد (او تحييد) نتائجها يضر بمصالح فئات اخرى ويؤدي إلى النزاع والصراع وفي بعض الاحيان ادى إلى ثورات وحروب. لذلك فإن اي تدخل في العملية الانتخابية واستخدام المال السياسي والنفوذ الديني والوجاهة الاجتماعية لتحقيق نتائج معينة أو ضمان نجاح مرشح على اخر لا يخدم السلم الاهلي ولا يخدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي ولا يبني مناخا استثماريا صالحا للتنمية المستدامة ولا يعزز مبدأ التنافسية الحرة في المجتمع. فهذا التدخل هو عبث بالمصلحة العامة وتعطيل للحوار والنقاش والمداولات التي تفضي إلى تحديد معين لمعنى ومفهوم المصلحة العامة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *