نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  ماذا نتوقع من مصر بعد الثورة؟ 

  تاريخ النشر : الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقالنا هذا الاسبوع- من يعزل المشير الطنطاوي – اصبح المشير هو الانسان الوحيد الذي لا يمكن عزله- هذا الوضع يجب ان لا يستمر والا تعود مصر الى الدكتاتورية العسكرية- الجيش يقرر السياسة الخارجية والميزانية ويسيطر على مجلس الامن القومي ويحتفظ بالمتيازاته الاقتصادية ويقرر مسار التنمية . ماذا بقي للرئيس؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12522/article/36710.html

استعاد الربيع العربي الشعور القومي واشعلت التوقعات بنهضة عربية قادمة بقيادة مصر تحقق أمرين الاول هو اللحاق بركب التقدم العلمي والمشاركة في الاقتصاد العالمي، والثاني هو تحرير الإرادة العربية واستعادة الكرامة التي فقدتها بسبب سيطرة الانظمة الاستبدادية وفقدان الدور القيادي المصري. ان انهيار دول وخلع رؤساء في عدد من الدول العربية بفعل الثورات يجب ان يدركه القادة على انه حركة تاريخية وليس حالات معزولة، وعليهم التكيف مع الواقع الجديد الذي يعلن زوال عهد الامتيازات غير المنطقية التي يتمتع بها بعض الحكام على حساب المجتمعات.

الامل منعقد على الرئيس محمد مرسي، والشعب المصري والعربي يتوقع الكثير في فترة وجيزة لا تزيد على أربع سنوات وقد تكون اقل. أصيب الشعب بالصدمة بعد ان أطلق الجيش الإعلان الدستوري الذي جعله وصيا على المجتمع وسلطة فوق الدولة بصلاحيات تتيح له التدخل في الحياة العامة وإقرار الميزانية وإدارة السياسة الخارجية. ومع اننا نرى ان النظام الأصلح هو نظام برلماني برئيس محدود الصلاحيات للحد من قدرة الرئيس على تحويل البلاد مرة أخرى إلى دولة فرعونية، فان ما قام به الجيش يعتبر انقلابا على الثورة والعودة بمصر إلى دائرة النزاع والصراع على الثروة والسلطة كما هو الحال في باقي الدول العربية.

يدور جدل حول شرعية الإعلان الدستوري، كما يرى بعض رجال الفقه الدستوري ان المجلس لا يملك حق إصدار مثل هذا الاعلان ويقتصر دوره على إدارة البلاد اليومية بشكل مؤقت، غير ان هذا الإعلان ينم عن نية بعدم الرغبة في تسليم السلطة والاستمرار في احتكارها. هذا سوف يحد من قدرة مصر المستقبلية في تحقيق استقلالها ونهضتها وقيادتها للأمة العربية.

ان خطورة الاعلان الدستوري لا تكمن فقط في كونه سمح للجيش بتولي صلاحيات تشريعية إلى ان يتم صياغة الدستور وانتخاب مجلس تشريعي، ولكن الخطورة تكمن في قدرته على التدخل في صياغة الدستور الجديد مما يجعل من الجيش سلطة منفصلة عن الدولة لتصبح مصر دولة بلا جيش!! 

يقول رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إنه وفقاً للإعلان الدستوري فإن المجلس العسكري سيتولى إقرار مشروع الموازنة العامة للدولة والميزانية وبالتالي سيكون له سلطة إدارة الإنفاق. بالنظر إلى البرنامج الاقتصادي للرئيس يتضح انه طموح ويتطلب مساهمة كبيرة من القطاع الخاص، كما يتطلب صلاحيات في وضع سياسات تنموية فاعلة تقوم على العلم والبحث العلمي، فقد وعد برفع مساهمة الدولة إلى ٢% من الناتج القومي. لكن احتفاظ المجلس العسكري بنفسه لإدارة الميزانية وتحديد ميزانية الجيش والسيطرة على مجلس الأمن القومي، وحق تعيين القيادات العليا في القوات المسلحة. كل ذلك سيجعل ادارة السياسة الخارجية والملف الاقتصادي صعبة للغاية على الرئيس القادم. وهذا يطرح سؤالا مهما هو من يستطيع ان يعزل المشير طنطاوي؟ باختصار هذا اعلان دولة داخل دولة.

هذا الوضع عمليا يجرد الرئيس من قدرته على صياغة أو ادارة سياسة خارجية فاعلة، ويمنح الجيش الحفاظ على امبراطوريته الاقتصادية مما يحد من قدرة الرئيس في وضع سياسة اقتصادية تخرج البلاد من أزمتها السياسية وأزماتها الاقتصادية المزمنة. نتفهم مخاوف الجيش من هيمنة طرف على المجتمع، غير ان ذلك يمكن ان يعالج بخلق توازنات دستورية بين المجلس النيابي والرئاسة والحكومة والقضاء تضمن عدم هيمنة السلطة التنفيذية. وقد طرحنا في مقال سابق بان الدول العربية يناسبها النظام البرلماني أكثر من الرئاسي وهذه فرصة بان يصاغ الدستور في توزيع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة. اما ان يتشبث المجلس العسكري بسلطة بحجة المحافظة على الأمن أو أي ذريعة أخرى فهذا ما قد يقضي على فرص مصر الخروج من أزمتها والنهوض بالأمة. ان مكانة مصر في العالم العربي يجعل الوصاية العسكرية عليها هي وصاية على الأمة العربية سوف تعيدنا عقودا إلى الخلف، وقد يتطلب التخلص من هذه الوصاية ثورة أخرى أو ظروف قاهرة كالتي حدثت في تركيا لتضعف قبضتهم على القرار السياسي.

ان تطلعات المصريين كثيرة، فهم ينظرون إلى الرئيس على انه المنقذ لهم من الفساد، والفقر ويطالبونه بتوفير فرص عمل تعالج مشكلة البطالة التي ينظم إلى طوابيرها ٧٠٠ ألف عاطل سنويا، وتعالج سكن العشوائيات، وإصلاح التعليم وتحسين الصحة. وفوق ذلك فهو مطالب بإعادة اللحمة الوطنية وخلق دولة القانون والمواطنة. 

ان قدرة الرئيس على التصدي لسلطة المجلس العسكري سوف تعتمد إلى حد كبير على قدرة القوى الليبرالية في التحالف معه ومساندته. وهذا يتطلب وجود يقظ في ميدان التحرير والاستعداد الدائم للخروج المنظم والسلمي للتعبير عن الرفض لأي محاولات لتجريد الشعب من سلطاته ومن ما تحقق له من حرية وديمقراطية.

من الضروري ان يدرك المجلس العسكري ان الاستقرار السياسي لا يأتي بإصرار طرف على الاحتفاظ بامتيازاته وسيطرته على الثروة وتعنته السياسي. كما عليه ان يدرك ان عجلة التغيير التي أطاحت بحكام عرب لن تستثنيهم، وان الشعب مُصر على استعادة سيادته ولا يمكن ان تتحول مصر إلى دولة ضعيفة منزوعة السلاح غير قادة على تبني برنامج إصلاحي تنموي بسبب إصرار فئة على مصالحها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *