نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. «مارشال الخليج» والتحديات المستقبلية 

  تاريخ النشر :١٢ أكتوبر ٢٠١٢ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12621/article/54922.html

التحدي الكبير والفرصة السانحة اللذان ينبغي الا نفرط فيهما هما كيفية التعامل مع مشروع «مارشال الخليج». وهنا نذكر ان المشروع الغربي في مساعدة المانيا واوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لم يستخدم للاستهلاك بل كان تنمويا لبناء القاعدة الصناعية التي دمرتها الحرب، لذلك فان التعامل مع مشروع مارشال الخليج يحتاج الى تعامل مختلف يبدأ باعتباره فرصة استثمارية لمستقبل ما بعد النفط، وليس لتجاوز الأزمة السياسية الحالية وصرفها على قضايا استهلاكية، لتكن فرصة لبناء قدرات انتاجية تحول الاقتصاد الى انتاج معرفي كما هو موعود في الرؤية الوطنية ويستبدل النهج الاستهلاكي ويكون قادرا على توفير فرص عمل لأفواج الخريجين الذين يلتحقون بسوق العمل سنويا. 

 ان القدرة على تحقيق ذلك تحتاج الى فكر جديد ومختلف عما ساد في العقود الماضية وان نتجه الى شراكة حقيقية منفتحة بين القطاعين الخاص والعام، واشراك المجتمع في الحوار وفي ايجاد الحلول التنموية. علينا الا نركن الى قيادة القطاع الخاص الذي لا تؤهله أوضاعه للقيام بهذا الدور. كما ان مفهوم التنمية وتقييم انجازاتها يحتاج الى إعادة نظر فهو لا يتم بإقامة الاحتفاليات في الصحافة بالحصول على اعلى معدل في الحريات الاقتصادية. هذه الحرية لم تحقق لأمريكا الجنوبية تطورا الا بعد ان تخلت عنها وعن مروجيها من منظمات عالمية (صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة) وقوى استعمارية جديدة، وكذلك لن تحقق لنا تنمية من دون تغيير فكري يرتقي إلى مستوى التحديات. 

 هذا يعني ان بداية التغيير لابد ان تضع حدا للجمود السياسي والخروج من الأزمة برؤية وطنية متحررة من قيود المرحلة والحالة اللتين مرت بهما البحرين، والتخندق الذي تفرضه المواقف السياسية الآنية، الطائفية في بعض الحالات، والقبلية في حالات أخرى. فإلى أين تسير البحرين؟ سؤال طرحه احد رواد المجالس في المحرق الأسبوع الماضي، ونضيف اي نوع من الحياة نريد؟ وهل الاستمرار في الصراع الطائفي يبني بيئة تنموية صالحة لبناء مستقبل يقبله شعب البحرين؟ وهل بناء الدولة يغني عن بناء الأمة؟

 ان طرح مثل هذه الأسئلة والإجابة عنها يحتاجان الى تداول مجتمعي مفتوح موضوعي للتوصل الى ماذا يعني الإصلاح؟ وماذا تعني التنمية؟ وماذا تعني الدولة لنا جميعا؟ 

 النجاح في التنمية والنجاح في «مارشال الخليج» يتطلبان حلا سياسيا أولا: لتحرير هذين النقاش والتداول من قيود الاصطفافات الطائفية، ومن قيود الالتزام الصامت بما يقدم من مشاريع، ومن ممارسات المحسوبية التي تضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب. ثانيا: ان الحل السياسي يُعرف لنا ما هو الإصلاح المناسب للبحرين، ويُمَكّننا من ان نتفق على ماذا تعني التنمية لنا جميعا حكاما ومحكومين، أغنياء وفقراء، رجال أعمال وعمال، طوائف وقبائل واعراقا. ثالثا: الإصلاح السياسي يمنحنا القدرة على تحديد مطالبنا ومصالحنا وهواجسنا بحرية تامة وبنظرة جامعة شاملة تضمن تكاتف المجتمع في البناء من دون استثناء ومن دون تهميش ومن دون تجاهل.

 لن يتحقق اي من هذه التطلعات والآمال ما لم نبدأ بالإصلاح السياسي المتمثل في المشاركة السياسية والمساءلة وعدالة توزيع الثروة.

 يؤكد هذه الحاجة حديث أدلى به النائب المحمود في «أخبار الخليج» يرفض اعادة بناء صالة الجفير الرياضية بمبلغ عشرة ملايين دينار من أموال «مارشال الخليج». هذا النوع من التبذير لهذا المشروع سيكون كارثة للأجيال القادمة، وكارثة لتوفير وظائف لاجيال اليوم، كما انه يبرز فشلنا في التخطيط مرة أخرى، المنطقة مكتظة ولا تحتمل اضافات.ان «الميزانية مبالغ فيها بشكل مستفز» (اخبار الخليج 1 اكتوبر الجاري). 

 الحالة الثانية التي تؤكد اهمية الفكر الجديد في استغلال المبلغ في الإنتاج والاستثمار ما ورد في الصحافة المحلية عن قصة ابي العروس الذي تسلم دينارا وتداوله في السوق ليدور هذا الدينار 50 او سبعين مرة. هذا ما يفعل الاستثمار وتدوير الأموال واستغلالها في الإنتاج. اما الاستهلاك وإرسالها الى الخارج في حسابات سويسرية او أمريكية فانهما ينهيان دورها في بناء المجتمع.

 قسم كبير من القيام بهذا البناء يقع على عاتق الجمعيات السياسية، لذلك نهيب وندعو ونطالب هذه الجمعيات بأن ترتقي لحجم التحديات التي تواجه المجتمع، وان تبادر الى طرح مرئياتها وحلولها على المجتمع وحشد الحراك اللازم الذي يؤمن قبول مشروعها مجتمعيا أولا ورسميا ثانيا، وان تتحلى بالعزيمة لتجاوز ارث الماضي مهما كان مؤلما ومؤثرا، وان تتخطى عقبة رفض التقارب. 

 الحديث مع رجال الأعمال يشير إلى وجود مشاكل متعددة في الإدارة والتخطيط والتنفيذ خلفت ارثا من سوء الإدارة، على حد تعبير احد رجال الأعمال البارزين في البحرين، وعلى حد تعبير رجل أعمال بارز آخر يقول ان المشكلة في البحرين ليست في الوزارات ولكن ما بين الوزارات. هناك ظواهر عدة تعبر عن تجليات المشكلة الإدارية كان أبرزها ما جاء في المقابلة بين لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى مع ممثلي هيئة الكهرباء والماء التي تبين منها ان احتياطي الماء في البحرين لا يتجاوز يوما واحدا. كما ان إنتاج الماء يذهب كثير منه في البحر من دون الاستفادة منه. 

 تجليات أخرى لسوء التخطيط تبرز في تعاملنا مع الثروة البحرية التي تطرقنا لها في مقال سابق، تبرز آثار هذه المشاكل وسوء الإدارة في ارتفاع البطالة التي وصلت بين الشباب الى 23%، لذلك نرى ان مارشال الخليج يجب ان يوجه الى معالجة هذه المشاكل، وما لم يحقق ذلك سوف لن تسامحنا الأجيال القادمة ولا حتى شعوب الدول المانحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *