- مبادئ تصميم نظام العمل (العملية الادارية) – الحلقة الخامسة
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر 10 مايو 2007
الحديث عن نظام العمل يفرض علينا التعريف بمفهوم هام جدا في الادارة الحديثة وهو العملية (process) . ويمكن تعريف العملية على انها عدد من الخطوات البسيطة والمترابطة تنفذها مجموعه او فرد بشكل مستمر ومتكرر لتأدية عمل محدد ذو قيمة وناتج معلوم لزبون معين وفق معايير اداء معلومة. وهذا يشمل جميع الاجراءات والقوانين والانظمة والموارد المطلوبة للقيام بعمل معين من بدايته الى نهايته.
فمثلا استخراج رخصة عمل الاجانب تعتبر عملية وتشمل جميع الاجراءات المطلوب القيام بها لاستخراج الرخصة تبدأ من وقت تسليم الطلب وتنتهي باستلام رسالة عدم الممانعة، مع كل ما يحيط بالعملية من انظمة وقوانين وصلاحيات وموارد لتسهيل اتمام العملية. غير ان النظام الاداري في البحرين يقسم هذه العملية على وزارتين، وزارة العمل ووزارة الداخلية، وحتى ضمن وزارة العمل نجد ان العملية موزعة على عدة اقسام، بالاضافة الى وجود لجان تهدف الى تقليل المخالفات والتجاوزات واحكام السيطرة على سير العمل. هذا التوزيع للعملية يجعل السيطرة عليها صعب جدا وينتج عنه ضياع المسئولية عن التاخير ولا يمكن تطويره بمجرد توجيهات من سمو رئيس الوزراء او رغبة من الوزير في التحسين.
الادارة الحديثة تعتمد في التطوير على التخلص من كل اجراء او نظام او قانون لا يضيف قيمة على العملية ولا يساهم في تحسين النتيجة النهائية. اي بعبارة اخرى ازالة الخطوات الغير ضرورية من وجهة نظر المستفيدين من الخدمة مثل المواطن والبرلمان والحكومة والموظفين وليس فقط من وجهة نظر الوزارة. واول خطوة في التطوير هو وضع تصور للعملية يتم بموجبها وضع معايير الاداء المطلوبة والمقبولة بتوافق جميع المستفيدين، وهذه المعايير تشمل التاثير المطلوب على المجتمع على المدى البعيد (اي النتيجة النهائية) بالاضافة الى معاير اداء قصيرة الامد مثل السرعة والتكلفة والمعاناة والجودة. وهذا يتطلب مشاركة جميع المستفيدين في وضع المعايير وفي التصميم بما في ذلك المواطن العادي. وفعالية أي من هذه العمليات يقاس بمدى تحقيق الهدف المرجو من هذا العملية. وكلما كانت الأهداف محدده بدقة وبصورة قابلة للقياس كان التقييم محسوسا وأكثر موضوعية واسهل للمساءلة.
تطورت فكرة اعادة تصميم العمل بموجب هذا المفهوم في القطاع الخاص على اثر المنافسة الشديدة التي مثلتها اليابان للصناعات الامريكية بالذات واستجابة للتطورات المتسارعة في الاتصالات وثورة المعلومات وتجاوبا مع توقعات الزبون والمواطن في الحصول على خدمات افضل ورضوخا للواقع المالي الذي يحتم استخدام الموارد بشكل اقتصادي. فهذه الفلسفة تهدف الى تحقيق نتائج كبيرة وجذرية في تحسين اداء المؤسسة من خلال اصلاح اداري شامل تقوده اعلى سلطة في المنظومة، سواء كانت حكومة او وزارة او ادارة. وفيما بعد تبنى القطاع العام هذا المفهوم واستفاد من الادارة السليمة للعملية والتي تتسم بمميزات ذكرنا الكثير منها كما استفاد من استخدام تقنية المعلومات والحاسوب لتيسير العمل.
ومن الخطوات الهامة التي تتخذها الحكومات هي تبادل المعلومات حول التطوير الذي يتم على اجهزتها، وهذه التحسينات اذا ما تم تعميمها من شأنها ان تغير أسلوب عمل الأجهزة الحكومية. كما تقوم الحكومة بتوفير المعلومات للجهات الغير رسمية بمقابل او بدون مقابل. وفي أي الأحوال فان استخدام تقنية المعلومات بتوسع في الأجهزة الحكومية يحمل بعض المخاطر وبالتالي فانه يحتاج إلى مساندة القيادات العليا لتفسح المجال للأفكار الإبداعية في استخدام التقنية لتطوير الأداء الإداري. وهذا يساهم في انتقال الاستخدام من مجرد زيادة الكفاءة إلى تحسين جودة وفعالية العمل مما يجعل المنظومات الحكومية اكثر قدرة على التكيف والاستجابة لمتطلبات المواطنين والقيادات السياسية واكثر قدرة على التعلم من تجاربها.
بينا في هذه الحلقات اسس وقواعد تصميم النظام الاداري واتضح ان من اهم العناصر هو وجود نظام استشعار يعطي المسئول القدرة على تحديد جوانب الخلل والقصور، ويمكن من اتخاذ الاجراءات التصحيحية. كذلك من العناصر الهامة وجود الامكانيات والصلاحيات لتنفيذ القرارات. وهذه العناصر ضرورية لجميع المنظومات بانواعها المختلفة البيولوجية والانسانية الخ. فهي بمثابة النواميس الكونية والقوانين الطبيعية التي ينتج عن تجاهلها عواقب وخيمة. ولكن للاسف فان هذه العناصر الهامة ضعيفة جدا في العديد من الوزارات والادارات الحكومية لاسباب عدة منها تجزءة الاعمال بين الوزارات وعدم وجود جهة واحدة مسئولة عن العملية الادارية بكاملها مثل رخص البناء ورخص التسجيل التجاري والتوظيف وتوفير المواد ورخص العمالة الاجنبية وغيرها من العمليات التي يعاني المواطن من تاخيرها. لذلك نعود ونقول بان تدني الاداء في الوزارات الخدمية ليس بسبب الموظف بل النظام الاداري بالدرجة الاولى