المجالس الرمضانية تعتبر من عناصر الترابط المجتمعي وفرصة لطرح قضايا تشغل المواطن، لكنها ليس مكان للنقاش والمعالجة، لذلك نتساءل لماذا لا يستمر النقاش ويتعمق في المجتمع للتوصل الى معالجات وحلول تشاركية؟ فمن يتبنى ذلك؟
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1124005
تقوم المجالس الرمضانية بدور كبير في الترابط الاجتماعي وفي توثيق العرى بين مختلف فئات المجتمع ومكوناته. الزيارات التي نقرأ عنها في الصحافة تثلج الصدر وتشعر الانسان بانتمائه إلى ثقافة متجذرة في المجتمع وتطورت لتصبح بالنسبة لشريحة كبيرة من المجتمع النشاط الاجتماعي الوحيد. صحيح أن ما نشر هو زيارات إلى مجالس شخصيات من العائلة الحاكمة وعدد من الوجهاء والأعيان. لكن ما يدور في المجتمع ككل هو تواصل مستمر تُطرح فيه الكثير من القضايا والحوارات، وإن كان الطرح سريعا بعض الشئ، بسبب ضيق الوقت، إلا انه يشير إلى قضايا مهمة في المجتمع تحتاج إلى معالجات وحلول. هذا امر لا يمكن الا ان يباركه المواطن. لكن السؤال هو لماذا تتوقف هذه الحوارات والنقاشات الساخنة والمفيدة والتي تسلط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة؟ ولماذا لا يقوم الاعلام وجهات البحث بالتوسع في طرح هذه القضايا ومناقشتها وبلورة رؤى حولها بعد انتهاء شهر رمضان لكي تتحقق الفائدة؟
فمثلا في زيارة سمو ولي العهد لمجلس سمو الشيخ محمد بن خليفة وعبدالحسين العصفور وعلي الصالح تم مناقشة أسس الابتكار والابداع والتوظيف الأمثل للإمكانيات والموارد لتنمية الاقتصاد المعرفي بهدف تعزيز القدرات والخبرات والكفاءات الوطنية. أي اننا نتحدث عن جهود في التعليم والتدريب وتوفير البيئة المناسبة التي تنتعش فيها القدرات الابتكارية والابداعية للمواطن، سواء كان ذلك في حياته التعليمية أو العملية. وهذه قضية مهمة وأساسية للتنمية وقد تم طرح جوانب منها في العديد من المناسبات من دون ان ننتهي إلى خارطة طريق أو رؤيا متفق عليها تقودنا إلى هذه النتيجة.
في مجلس كانو تم مناقشة قضايا عملية مثل انقطاع الكهرباء وتوفير اللحوم. وبالرغم من رفع الدعم عنها يقول رجل الاعمال إبراهيم زينل ان المواطن اعتاد السعر المرتفع وقلص من استهلاكه للحوم أو رشّد هذا الاستهلاك بنسبة 50%، وانعكس ذلك في كسر الاحتكار وتوقف تهريب اللحوم خارج البلد وانخفاض الأسعار بشكل عام. ما يطرحه السادة الحضور هو ان سلوك الانسان يستجيب لتأثير القوانين والأعراف والتقاليد، ويجب الاستفادة من هذا الاستعداد لتغيير السلوك في تعزيز القيم المجتمعية المحفزة على الادخار وعدم التبذير على جميع المستويات وليس فقط المواطن البسيط. أي ان قيم المجتمع يمكن التأثير فيها من خلال جهود منظمة ومتكاملة مع خطط التنمية المستدامة.
سؤال آخر تمت إثارته هو: ماذا نحتاج في البحرين من هذه المحفزات لجذب الاستثمار وخلق البيئة المناسبة له والتي تجعل البحرين منافسا قويا في المنطقة وفي العالم؟ تتأثر خلق البيئة بمدى حيوية الحوار بين الوزراء والقطاع الخاص ومدى إشراك المواطن والتاجر والمستثمر في هذا الحوار. ويطالب الحضور بتعاون بين الغرفة والحكومة والمجتمع التجاري في تحديد متطلبات البيئة الاستثمارية. وبذلك فهو يطالب القطاع الخاص بالمزيد من اليقظة وحسن توجيه الاستثمار ليكون ضمن سياق المصلحة الوطنية. وطالب الحضور بشكل مباشر بالانفتاح على جميع الآراء وعلى حرية النقد والصراحة فيه لتحقيق التقدم.
نرى من خلال النقاش ان السؤال الموجه إلى وزارة التجارة ومجلس التنمية الاقتصادية هو: ما هو تعريفنا للبيئة الاستثمارية المناسبة؟ وكيف تم التوصل إلى هذا التعريف؟ وهل تمت مناقشته وإبراز جميع خصائصه بشكل متفق عليه بين التجار والحكومة ومراكز الأبحاث والهيئات المهنية الوطنية؟ وإلى أي حد نحن قريبون من تحقيق هذه البيئة؟
من حديث التجار يمكن ان نستشف نوعا من الإحباط بسبب تراجع دور القطاع الخاص في البحرين عن بعض دول الخليج بالرغم من السبق للبحرين في جميع الميادين. وهنا لا ينبغي ان نخشى طرح السؤال والدخول في مداولات حول سبب هذا التأخر عن الركب الخليجي. نقول ان ذلك يحتاج إلى تعريفات واضحة لمعنى النمو والتنمية والنتائج المطلوبة، سواء على مستوى القطاع التجاري أو الحكومة أو متطلبات المجتمع والمواطن الفرد. وأن نحلل بالضبط اين هي مواقع الخلل ووضع الاستراتيجيات لتلافيها. كذلك مطلوب قيادة هذا التداول والحوار وأن يقوم طرف بتبني هذا التوجه التشاركي.
في كثير من المناسبات ناشدنا، كما ناشد غيرنا، مجلس النواب ان يتبنى ذلك لكنه لم يستجب إلى الآن، واليوم في ظل وجود قيادة جديدة لغرفة التجارة فإننا نناشدها فتح باب الحوار بشكل منظم ومنسق وأن تتوافر لهذا الحوار البيئة المناسبة والمنفتحة المحفزة على طرح الآراء بكل وضوح. قد يحتاج الامر إلى بيانات ومعلومات موثوقة ليكون الطرح موضوعيا وليس انطباعات تخضع للمغالاة أو التقتير. وهذا دور الوزارات المختلفة في توفير المعلومات. من هنا تأتي أهمية قانون حق الحصول على المعلومات الذي لا يزال قابعا في أدراج الجهات التشريعية.
الحوارات والنقاشات التي تدور في مجالس رمضان تتناول قضيا مهمة ومؤثرة في مسيرة التنمية، لكنها تفتقد إلى اطار تنظيمي مؤسسي يحولها إلى مشاريع بحوث تهدف إلى الوصول إلى حلول ومقترحات عملية تعالج جوانب القصور. ما يحدث من نقاش هو طرح هموم الشارع التجاري وكذلك هموم المواطن والمجتمع بشكل عام. أما المواصلة في البحث والنقاش فإنها تحتاج إلى عمل مؤسسي تقوده جهة قادرة وتملك النفس الطويل، لذلك نقول ان هذا دور مراكز أبحاث وجامعات ومؤسسات المجتمع المدني المهنية والتخصصية وأجهزة الدولة المختلفة. ما لم تتضافر هذه الجهود في تعزيز ثقافة الحوار والتداول والنقاش والتعاون وتعميمها لتكون ثقافة مجتمعية فإن الحديث سوف يستمر في المجالس من دون تحقيق الفائدة المرجوة. ومن هنا نكرر مناشدتنا لقيادة الغرفة الجديدة في أن تتبنى هذا العمل وتقوم بقيادته.