نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء 7 ديسمبر 2022

مقال الاسبوع- امام المجلس قرارات صعبة تحتاج الى تكتلات قادرة على تكوين رأي عام حول القضايا المطروحة. اول هذه القرارات اختيار قيادة مجلس تعمل على استعادة صلاحيات المجلس ومكانته. وقرار حول برنامج الحكومة والميزانية والرقابة المالية يجب معاملتها على انها قرارات سياسية تهتم بتوزيع الثروة وليست فنية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1318059

مجلس النواب وقرارات صعبة قادمة-

يتاثر السلوك السياسي في اي اقتصاد بالمصالح، سواء مصالح الفرد او الجماعات، وقدرتهم على التاثير. يدعم المسئولين في الحكومات السياسات التي تدعم رؤاها وسلطتها، بينما يهتم الناس بنتائج السياسات التي يتم تنفيذها وتاثيرها على حياتهم ومستوى معيشتهم وحقوقهم العامة. كذلك يتاثر السلوك السياسي بالافكار والايديولوجيات وحاجته ليكون متسقا مع قيمه واعتقاداته وقناعاته، وقدرته على تقييم نتائج الخيارات وحاجته لاحداث تغييرات في المجتمع وان كانت بعيدة عن المصالح المباشرة. كما يتاثر السلوك السياسي بالمؤسسات والقواعد المنظمة لها مثل الدستور وكيفية اختيار القيادات وتنفيذ السياسات، وطبيعة الحوافز التي تخلقها المؤسسات.

من القيادات التي يتداول المجتمع والصحافة كيفية اختيارها رآسة مجلس النواب. يعلق المجتمع امال كبيرة على مجلس النواب القادم في اولا استعادة صلاحياته وكسب ثقة المواطنين التي تاثرت جراء مواقف غير موفقة وثانيا في تحسين ادائه. بدأ المجلس بداية اختلفت الاراء حولها وهي محاولة الاستماع الى مشاريع المترشحين للرآسة ونوابهم. اعتبرها البعض غير دستورية فيما رأي اخرون ان المخالفة اجرائية في عدم التنسيق المسبق مع امانة المجلس. ونظر اليها البعض على انها تشق الصف قبل البداية. هناك وجهات نظر اخرى ترى ان هذه البداية مشجعة وتعبر عن رغبة المجلس في ان يكون سيدا لقراره في انتخاب الرآسة وان يكون ذلك بعد الاستماع الى رؤية كل من المترشحين لتطوير المجلس.

القائلين بعدم دستورية الاجراء يسيقون المادة السادسة من اللائحة الداخلية التي تحدد عدم مباشرة اعمال المجلس قبل انتخاب الرئيس. والى المادة 60 من الدستور التي تنظم عملية الانتخاب. بناء على ذلك يقول المستشار القانوني (الغثيث) ان مجريات الانتخابات او الترشيحات لمنصب رئيس المجلس ونائبية “لا يكون سديدا على ضوء التطبيق السليم لمفترضات اجراء العملية الانتخابية التي يتعين ان تتم في الزمان والمكان المحددين للاجتماع في الجلسة الاجرائية”. هذا الرأي لا يشير الى اي مادة من الدستور او من اللائحة الداخلية تمنع صراحة الاجتماعات التشاورية والتنسيقية وانما يبين كيفية عملية الانتخاب في الجلسة الاولى.

ما قام به النواب يعالج حاجة ضرورية لتحمل المسئولية، فهم لم يطرحوا قضية “انتخاب” وانما “الاستماع” الى برامج المرشحين ووضع بعض المعايير. الرأي القانوني يعترض على عقد الاجتماعات في اروقة المجلس دون تنسيق مسبق. ماذا لوكان الاجتماع في قاعة خاصة؟. كما ان الاعتراض ذكر “عدم التنسيق المسبق مع الامانة”، وانه اعتبر التشاور حتى وان كان خارج  المجلس جزء من العملية الانتخابية.

نتساءل اولا: ماهو الفرق بين اعلان نية الترشح للمجلس النيابي قبل الموعد القانوني وبين التشاور حول رؤى المرشحين للرئاسة؟ كلاهما يبدأ قبل بدأ العملية الانتخابية؟ ثانيا هل هناك مصلحة من التشاور؟ كثير من فئات المجتمع اعتبر مثل هذا التشاور مصلحة تُمكن النائب من بناء رأي مستنير عن المرشح. اما قضية كيفية تنظيم هذا التشاور فقد تقع فيه اخطاء يمكن ان تقع في اي عملية ويجري تصحيحها توخيا للمصلحة. كثير من النواب القانونيين والمواطنين رأوا مصلحة في مثل هذا التشاور والنقاش حيث انه يُحمِّل المجلس المسئولية الكاملة عن حسن الاختيار، حتى وان حدث اختلاف بينهم وهذا طبيعي، كما سيختلفون في قضايا كثيرة مثل تقوية المجلس، وبرنامج الحكومة والميزانية وتقرير الرقابة المالية وغيرها من القضايا تتطلب قيادة مقنعة للمجلس والمجتمع.

مثل هذه القضايا تخضع لمصالح وخيارات ليست بالضرورة مدعمة علميا ووفق احصائيات شفافة. فالعمل البرلماني والبرامج الحكومية في اي دولة تخضع لخيارات واولويات وقرارات اقتصاد سياسي، وسوف يواجه المجلس الكثير من هذه القرارات ومن الطبيعي ان تختلف الاراء حولها فيما بين الاعضاء والكتل ومع الحكومة، وهذه التجاذبات طبيعة العمل السياسي، ولا تؤدي الى انشقاق، فما نختلف عليه اليوم قد نتفق عليه غدا. من هذا المنطلق فان ما يتفق عليه النواب والكتل من مبادئ عامة مهمة في اتخاذ المواقف والقرارات التي تخدم المجتمع والدولة.

سوف يواجه المجلس قرارات صعبة تتطلب رآسة تدرك ضرورة تقوية المجلس وتطوير العملية الديمقراطية واعتبارها اولوية للاربع سنوات القادمة. كذلك سيحتاج الى الالتزام بالمبادئ الموجودة في الميثاق والدستور من عدالة وحقوق وحفظ النظام العام ومصالح المواطن والوطن، وسيحتاج الى ادوات لتحليل القرارات وفهم مآلاتها. يتطلب ذلك اعادة قراءة الميثاق الوطني والدستور واستخراج هذه القيم والتعاريف الواضحة لها.

كذلك سيواجهه المجلس قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية تطرح اسئلة حول كيفية تطوير مؤسسات الدولة استجابة للحوافز والاستراتيجيات والخيارات، وكيف تؤثر المؤسسات في اداء المنظومة السياسية والاجتماعية وما ينتج عنها من تنمية اقتصادية. هذا التاثير يخضع لتوازنات القوى في المجتمع والمصالح المختلفة، والمتضاربة احيانا، وابعادها السياسية. وكل فئة لها قناعاتها حول كيف بتطور الاقتصاد وحول خيارات ادارته وتقاسم مكاسبه.

لذلك لا بد ان يهتم بفهم الابعاد السياسية لاي سياق واستخدام المعلومات لوضع البرامج والسياسات في معالجة القضايا التي تبرز ضمن ابعادها السياسية وتاثيرها في المحفزات والعلاقات التي تحكم المجتمع والتي يتم من خلالها التعاون والتنافس البناء في المجتمع. اي ان القرارات والسياسات الاقتصادية تتخذ في بيئة سياسية وليست بيئة محايدة مثالية. بيئة تتاثر بالضغوط السياسية والمصالح والتجاذبات، وجميعها يؤثر في القرار الاقتصادي المتعلق بمشروع الميزانية وبرنامج الحكومة والرقابة والاستثمار والسياسات التي تحكم الضمان الاجتماعي وكيفية الاستفادة من الثروة الوطنية وتوزيعها.

اتخاذ قرارات في هذه المشاريع وفق الاقتصاد السياسي يتم ضمن تعريف وتحليل مستوى المعيشة والفقر وفهم اسبابه وحجمه وكيفية التعامل معه، وتحليل النمو وعلاقته بالضمان الاجتماعي وحقوق المواطن، وحقوق المرآة وحقوق الانسان، وتحديد كيفية توزيع المكاسب والثروات والمساعدات وكيف تخصص الميزانية والايرادات الوطنية واين تكمن اولوياتنا كمجتمع وكدولة. جميع هذه القرارات خاضعة للتجاذبات بين فئات المجتمع، وخاضعة لاعتبارات التوازنات السياسية في المجتمع. كل قرار نتخذه يطرح سؤالين: هل الحل مقبول سياسيا، ومن المستفيد ولماذا؟ ثانيا هل الحل سليم فنيا؟ النتائج مرتبطة بالاجابة على هذين السؤالين. الجواب لا يعتمد على اطار تحليلي جامد وانما يخضع لدراسة متعددة الجوانب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وكيف تتاثر المؤسسات السياسية والانظمة الاقتصادية والبيئية واخضاعها للنقاش السياسي في سياق مصالح ومطالب المجتمع واحتياجاته. كل ذلك يفرض اختيار مكتب رآسي لديه رؤية واضحة وقادر على خلق توافق بين كتل المجلس على هذه الرؤية واهدافها ونتائجها.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *