- مدينة سلمان الصناعية ورسالة ممتلكات!
تاريخ النشر : 8 يناير 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
افتتح جلالة الملك مدينة سلمان الصناعية المتضمنة منطقة الحد الصناعية بالاضافة الى منطقة البحرين العالمية ومرسى البحرين، وتحت رعاية جلالة الملك تم تكريم عددا من العمال المتمييزين. والحدثان مرتبطان بشيئ من الامل في مستقبل صناعي أفضل. مستقبل يبدوا ان البحرين سوف تركز فيه على قيم من صميم اصالة هذا البلد الذي كان في الماضي منبع الكفاءات الفنية والابداع الصناعي في عصر الغوص والفلاحة وصيد السمك.
تمثل مدينة سلمان الصناعية نقلة نوعية في الاستثمار الذي طالما نادينا به مع الكثير من الكتاب. فهي اضافة هامة لمستقبل التنمية المستدامة المعتمدة على التصنيع والانتاج والتصدير. تضم المدينة حتى الان عددا من الصناعات تشمل صناعة الاغذية والبلاستك والقوارب والنماذج المصغرة والصناعات الورقية واللوحات الكهربائية ومعدات انتاج المخابز. وبحسب وزير الصناعة فقد بلغ الاستثمار في هذه الصناعات 3.5 مليار دولار وتوظف 15 الف شخص، ومتوقع ان تنمو الى 7.6 مليار دولار وخلق فرص عمل تبلغ 34 الف نتمنى ان يكون النصيب الاوفر منها للبحرينيين. فهي بذلك تشكل حجر الزاوية لاستراتيجية الحكومة في رفع مساهمة الانتاج الصناعي في الاقتصاد الوطني من 14% عام 2005 الى 16% عام 2009. وبموجب النمو المتوقع والبالغ 9% فان المساهمة في الناتج المحلي ستكون 22.6% في عام 2014.
اما الحدث الاخر الهام الذي أقيم في نفس اليوم فهو تكريم عدد من المؤسسات المتميزة والعمال المجدين والمتفوقين واصحاب المهن الغير نظامية (باعة الخضار وصيادي السمك). كانت الابتسامة تعلو وجوه الناس البسطاء وهم يشعرون بالاهتمام والاحتضان انعكس هذا الشعور على الحضور وغمرهم بالفرحة والاكبار. كانت ملامح الفخر والاعتزاز تنبع من محيا المكرمين وذويهم وهم يحسون بالتقدير والاحترام لجهدهم وتفانيهم في العمل. هكذا هو المواطن البحريني معطاء وقنوع بقليل من التقدير والاحترام. وقد يكون اللافت ما تميز به التنظيم من الالتزام بالوقت حيث بدأ الحفل على الوقت المعلن تماما، في الساعة التاسعة والنصف وليس التاسعة وواحد وثلاثون دقيقة. هذه الالتزام بالتوقيت واحترام وقت المدعوين والمكرمين يدل على وعي وادراك لقيمة الوقت لدى وزارة العمل والقائمين على التنظيم، ونامل ان ينعكس ذلك على سلوك المكرمين من العمال والموظفين والمسؤولين. شمل التكريم الرواد البارزين في مجالات اقتصادية شتى، كما شمل اداريون واصحاب المشاريع الصغيرة والمنشآت المتميزة من مختلف القطاعات الصناعية والمالية والخدمية. كذلك ركزت وزارة العمل على تكريم العمال اليدويين منهم البناء والبائع ومركب السقالات والمزارع، وهو تكريم للعمل اليدوي الشريف. هذه القيمة التي افتقدها المواطن البحريني بعد ان اعتاد الكثير منهم الجري خلف الوظائف المريحة وآثر الجلوس على المكاتب والعمل بدوام واحد.
ان القيم التي عززها التكريم هي القيم ذاتها التي تحتاجها مدينة سلمان الصناعية لكي تنهض بالاقتصاد الوطني وترفع من مستوى دخل المواطن وتفتح امامة مجالا رحبا من فرص العمل المجزية. فتكريم الكفاءات المتميزة من العمال يشجع على تقبل هذا النوع من العمل.
ولكي نجني ثمار هذا الاهتمام بقيم العمل يتطلب الامر جهدا موجها من الحكومة والقطاع الخاص. يحتاج مثلا الى جهد في فتح مجالات صناعية استراتيجية تساهم فيها الحكومة وخصوصا تلك الصناعات التي يمتنع عنها القطاع الخاص والتي يكون المردود فيها طويل الامد اكثر منه استثماريا وذو مردود سريع. اي ان المنطقة الصناعية بحاجة الى الى رؤية تختلف عن تلك التي يحملها الكثير من رجال الاعمال البحرينين الذين تأثروا بثقافة المضاربة والربح السريع في العقار والاسهم، او الذين امتهنوا التجارة واصبح العائد السريع ديدن عملهم ومنتهى طموحهم. لحسن الحظ ان هناك مؤسسات وافراد يرون الفرص المتاحة في المجال الصناعي وان كانت مازالت في بداياتها وباعداد قليلة ومتواضعة. لذلك يحتاج الامر الى قيادة من قبل مؤسسات الدولة وعلى رأسها شركة ممتلكات وهيئة التأمينات الاجتماعية والبنوك الاهلية. وقد تكون شركة ممتلكات اكثرها تأهلا لقيادة المسيرة نحو الاقتصاد الانتاجي، مستغلين ليس فقط مدينة سلمان الصناعية، بل القيام بتطوير مناطق صناعية اخرى بالقرب من البا لتشجيع صناعات الالمنيوم التحويلية وفتح المجال لخلق مراكز ابحاث متخصصة ومراكز تدريب وخدمات معايرة تخدم صناعة الالمنيوم التي سيكون الخليج مركزا عالميا لها بعد ان يُفتتح المشروع السعودي الذي يفوق التمويل فيه عشرة مليار دولار، وكذلك المشروع القطري والعماني.
اذا هناك فرصة سانحة لتكون البحرين مركزا اقليميا لتقديم الخدمات الفنية والبحثية والتدريبية في صناعة الالمنيوم واستغلال الخبرة الطويلة التي تختص بها البحرين في مجال الالمنيوم. هذا النوع من الريادة يحتاج الى عقلية مختلفة في شركة ممتلكات. عقلية لا تنظر الى المردود قصير المدى مثلها مثل الشركات الخاصة الصغيرة التي لا تملك القوة المالية المتوفرة لممتلكات. فرسالة ممتلكات، كصندوق سيادي، يجب ان لا تقتصر على الاستثمار قصير المدى بل يجب ان تركز على التنمية. قد تقول ممتكلات ان قانون تأسيسها لا يسمح لها باتخاذ مثل هذه المخاطر، غير ان دعمها لطيران الخليج لا يوحي بوجود مثل هذا التحديد، وان وجد فان المطلوب من البرلمان ومن الحكومة تعديل قانون تأسيسها ليسمح لها باتخاذ الخطوات الريادية التنموية بنسبة معقولة من استثماراتها. كذلك هذا يتطلب من البرلمان تفهم حاجة ممتلكات الى اتخاذ مثل هذه المخاطر المحسوبة ذات المردود الاقتصادي طويل الامد. فماهي رؤية مجلس التنمية حيال ذلك؟