مرئيات الفاتح.. وتعزيز التفاؤل
تاريخ النشر :١٩ فبراير ٢٠١٤
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الأسبوع- مرئيات الفاتح تطالب بحكومة مساءلة ومحدودة المدة وبرلمان كامل الصلاحية وقضاء مستقل
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13116/article/7937.html
في مقال سابق (اخبار الخليج 29يناير 2014) طالبنا جمعيات الفاتحبالإفصاح عن رؤيتها السياسية لحل الازمة في البحرين. تجاوبت جمعياتالائتلاف لدعوة الديوان الملكي وأرسلت يوم الأربعاء مرئياتها ونُشرت فيالصحافة وأصبحت في متناول الجميع ليرى ماذا يريد الفاتح.
المرئيات المنشورة شملت قضايا كثيرة، وكان بودنا لو شملت الديباجة الاهدافاو المشاكل التي تحاول معالجتها من خلال هذه المرئيات. بعض المواطنينيريدون إجابة عن أسئلة محددة تتعلق بالوظائف وتحسين مستوى المعيشةومعالجة الإسكان. الربط بين الحلول السياسية المتعلقة بالسلطة التنفيذيةوالتشريعية والقضائية وبين هذه المشاكل مهم جدا لزيادة الوعي بضرورةالحوار واهمية الحل السياسي وعلاقة ذلك بتحسين الحياة المعيشية.
ينطلق المقترح من رؤية الائتلاف في إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنةالمتساوية الملتزمة بمبادئ الإسلام وشريعته وقيمه، والبعيدة عن تحكم القياداتالدينية لتحصين المجتمع ضد الطائفية فهل هذا ممكن؟ افرد المقترح فقرةخاصة لمعالجة التمزق الطائفي وطالب بمعرفة أسبابه ومحاولة علاجه. هذهقضية تستحق النظر اليها بشكل منفصل والعمل عليها على مدى طويل لتحقيقأي تقدم فيها. فجذور المشكلة ممتدة ومعقدة ومرتبطة بقناعات دينية وتاريخيةيصعب التخلص منها. لكن هذا لا يعني عدم المضي فيها ومحاولة كشفاساسها الثقافي والتراثي. لذلك فان اهم اهداف هذه المقترحات هو تحقيقالمصالحة الوطنية من خلال حوار مفتوح لمعرفة كيفية علاج التمزق الطائفيوماهي القوانين الواجب سنها لمحاربة السلوك الطائفي من أي مصدر كان. لكنالأهم هو ان لا يقود هذه العملية رجال الدين الذين ساهموا في اشعال الازمةبسيطرة قناعاتهم الخاصة وتجاربهم على مواقفهم السياسية. لذلك فان المطالبةبالمصالحة الوطنية في هذه المقترحات والتوصل إلى حلول سياسية مقبولةوتحقيق العدالة الاجتماعية والانتقالية ستكون الخطوة الأولى في هذا الاتجاه. الخطوة الأصعب ستكون اقناع رجال الدين بان ذلك يعني التسامح والقبولبالآخر واستعادة الثقة بين مكونات المجتمع.
اما الهدف الثاني فهو وضع منظومة متكاملة تسعى إلى تحقيق التنمية البشريةالمستدامة القادرة على خلق فرص عمل ورفع المستوى المعيشي وتأمين مستقبلالأجيال. يضع المقترح العديد من المقترحات منها مساءلة الحكومة وتحديدمدتها، فذلك يعني ان تقدم الحكومة برنامج للبرلمان يغطي مدة محددة يتوجبالتوصل خلالها إلى تقدم معلوم في مسار التنمية والخدمات يكون أساساللمساءلة النيابية.اذا ما اقترن ذلك بصلاحيات اكبر لمجلس النواب في الرقابةوالتشريع، وبإصلاح القضاء واستقلاليته امكن تحقيق تقدم في محاصرةالفساد الذي يعتبر اهم معاول الهدم للتنمية، وامكن حماية أملاك الدولة وحسنادارتها وتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة كما توصي به اتفاقية الأمم المتحدةلمكافحة الفساد والتي يعتبرها الفاتح أساسا لمقترحاته. يبقى عنصر واحد لميتطرق له المقترح لاستكمال ترسانة التنمية المستدامة ومحاربة الفساد وهواستقلالية الاعلام. لم يتطرق المقترح إلى ضرورة واهمية المعلومات وحقالحصول عليها وحرية نشرها. لا يمكن لأي منظومة تنموية ان تغفل قدرة الاعلاموالصحافة والمعلومة على الإصلاح الاقتصادي والتنموي والرقي بالمجتمع. لذلكنأمل ان يتم تدارك ذلك في مجريات الحوار.
بقي ان ننوه إلى ان التعريف الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد،المشار اليها في مرئيات الفاتح، قد لا يكون كافٍيا لمعالجة حالات الفسادالمرتبطة بالاقتصاد الخليجي الريعي وكيفية توزيع هذا الريع؟ تعريف الموظفالعمومي الوارد في الاتفاقية لا يشمل جميع المتعاملين مع أملاك الدولة فيالاقتصاد الريعي، وهذا قد يسبب إشكالية قانونية وثغرة تنفذ منها الكثير منحالات الفساد. كما لا يتعامل التعريف مع المال السياسي وحالات الافسادالتي تنجم عنه. كذلك لا تذكر المرئيات ماهي القوانين التي سوف يعتمدهاللتعامل مع ذلك. النقطة الثانية المتعلقة بهذه الاتفاقية هي انها تنص علىضرورة وجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، مقترح الائتلاف يخلو من انشاءمثل هذه الهيئة. يبدو ان المقترح يعتمد على ان تطبيق الاتفاقية سوف يشملذلك او انه يكتفي بديوان الرقابة المالية والإدارية. قد يكون ذلك ممكنا ولكنيحتاج الديوان إلى تطوير قبل ان يكون قادرا على تلبية متطلبات الاتفاقية. كمايتطلب الامر وضوحا في كيفية تعزيز الدور المحاسبي لديوان الرقابة وارتباطهوعلاقته بالقضاء والنيابة.
اما الهدف الثالث الذي يسعى المقترح إلى تحقيقه هو الامن للجميع. الامن فيمفهومة الاوسع يجب ان يكون مدار الحديث والاتفاق. الامن للمواطن يجب انيشمل مسؤولية المواطن تجاه الاخرين وعدم تعريض امنهم للتهديد، كذلك يشملحق المواطن في الشعور بالأمن في أوسع صوره ويشمل السلامة الجسديةوالنفسية والروحية وكذلك الامن الاقتصادي والوظيفي والامن على الممتلكاتوالحقوق،ويشمل ذلك الامن ضد التعدي على حقه في الثروة وحقه في الحريةوحقه في التعبير السلمي وحقه في الحصول على المعلومات؟ هذا لا ينفي وجودبعض هذه الحقوق الان ولكن لا بد من تحصينها وتعميمها على الجميع.
وفي الختام لا بد ان نشير إلى الجوانب الإجرائية في هذا الصدد وهو ماتطرق اليها المقترح في محوره الرابع الذي يوصي بتشكيل لجنة من الخبراءالدستوريين والقانونيين المحليين لوضع مقترحات الحوار بالصيغ الدستوريةوالقانونية». نؤكد على ان هذا الاجراء مع اجراء «وضع إطار زمني للانتهاء منتنفيذ مخرجات الحوار»، هما إجراءان اساسيان لضمان تنفيذ ما تم الاتفاقعليه وعدم ترك الأمور تتجاذبها رؤى مختلفة فيما بعد لتفسد الجهد وتختطفالنتائج. هذا والله ولي التوفيق إلى مستقبل أفضل.