نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

توجه الوزارات الى الرسوم يفرض علينا التفكير في، ماذا بعد النفط وحتمية الضرائب وما تفرضه من تحولات في المجتمع وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1087029

بناء على توجيه من سمو رئيس الوزراء عقد وزير الصناعة والتجارة والسياحة اجتماعا مع أعضاء من غرفة التجارة والصناعة للتوصل إلى تفاهمات حول الرسوم على السجلات التجارية التي أحدثت ضجة في الوسط التجاري. في الاجتماع تم استعراض تاريخ إصدار هذه الزيادات وبين أنها لم تكن مفاجئة ووصفها بأنها رسوم صغيرة لا تتعدى دينارين شهريا إلى 83 دينارا كحد أعلى. وبذلك فهي مقبولة ويمكن تحملها.

كذلك انتهز الوزير فرصة اللقاء ليستعرض بعض منجزات الوزارة في جلب الاستثمار وزيادة عدد السجلات التجارية منذ 2014 بنحو 16 ألف سجل واستثمارات تقدر بمليارات الدولارات.

كما يؤكد الوزير ان الاقتصاد البحريني منتعش وان التقرير السنوي يظهر نموا قدره 4.4%، والبطالة ثابتة على 4% والصادرات إيجابية، وأن هناك مشاريع قيد التنفيذ بقيمة 32 مليار دولار على مدى الأربع سنوات القادمة. ويضيف أن هذه مؤشرات جيدة لوضع اقتصادي جيد.

هذه المؤشرات الكلية هي متوسطات متأثرة كثيرا بالنفط. ولا تعطي تفاصيل عن مكوناتها القطاعية وتأثيرها على فرص عمل البحرينيين وحبذا لو تفضلت الوزارة بنشر تفاصيل الأرقام هذه. فمثلا ما هي نسبة البطالة بين الشباب، وكم هي الصادرات غير النفطية من البحرين وما تأثيرها على الميزان التجاري وعلى الحساب الجاري وهل هي كافية لتحقيق توازن في الاثنين.

وإذا سلمنا مع توصيف الوزير بسلامة الوضع الاقتصادي وكذلك حديث مجلس التنمية الاقتصادية الذي نشر قبل شهر تقريبا والذي يتحدث كذلك عن أداء اقتصادي نصل إلى أحد الاحتمالين: إما أنه لا توجد مشكلة وأن العجز هو غير محدد الأسباب، وإما أن المشكلة تكمن في أن الميزانية العامة وما تسببه من عجز وتراكم ديون هي منفصلة تماما عن الأداء الاقتصادي في البلد. بمعنى انه مهما تطور الأداء الاقتصادي فإن العجز والدين العام يبقى ملازما لنا بسبب اعتماد الميزانية العامة على إيرادات النفط. هذا لا يعني ان المجتمع مقتنع بالأداء الاقتصادي والأرقام التي تنشر حول البطالة ومستوى الفقر وغيرها من التفاصيل التي تسمح بتقييم شامل للأداء الاقتصادي وتأثير السياسة السكانية على هذه المعدلات.

ومع عدم توفير إجابات عن تساؤل الأستاذ جمال فخرو نائب رئيس مجلس الشورى حول سبب الاقتراض في حين ان العجز بسيط ومع عدم توافر معلومات كافية عن المال العام يوضح جميع الإيرادات كما طرح النواب. مع اخذ هذه في الاعتبار نرى أن الاحتمالين ورادان، وأن الأرجح هو وجود فصل بين الميزانية والأداء الاقتصادي، أي ان الأداء الاقتصادي لا يترجم إلى موارد تدخل في ميزانية الدولة باستثناء ما تستحصله الوزارة من رسوم على السجلات تزداد بزيادة عدد السجلات ورسوم أخرى مماثلة لا تعكس الصورة الكاملة للاقتصاد. والسؤال كيف نعالج هذا الفصل؟

دول العالم تربط بين الأداء الاقتصادي وبين ميزانية الدولة من خلال فرض الضرائب وليس عن طريق الرسوم. فمهما نشطت الوزارات في فرض رسوم (بشكل معقول أو غير معقول) فإنها لن تسد العجز في الميزانية،  ولن تسدد الدين العام إن كان ضروريا، وحتى ضريبة القيمة المضافة التي تم إقرارها هي ضريبة استهلاك أشبه بالضريبة الجمركية. فالضريبة هي ترجمة لزيادة نشاط المجتمع التجاري والصناعي والزراعي وترجمة لزيادة الإنتاجية وارتفاع مستوى الدخل والثروة. فكلما زادت إنتاجية المجتمع زاد دخله وزادت ثروته واستثماراته، وبالتالي زادت قدرته على دفع الضرائب على الدخل وعلى الثروة وعلى رأس المال، وهذا بدوره يترجم إلى زيادة إيرادات الدولة من الضرائب وقدرتها على توفير خدمات وسلع للمجتمع ورعاية الفئات الضعيفة فيه وغير المقتدرة.

تحدث عدد من الشوريين عن ضرورة فرض ضرائب لمعالجة العجز والدين العام أسوة بدول العالم المتقدمة منها والنامية. ولن نجد بدا من فرض الضرائب عاجلا أو آجلا، لكن قبل الإسراع في فرض الضرائب علينا أن نناقش على مستوى المجتمع عددا من القضايا المتعلقة بها والتي قد تمثل تحديا لنا؟

أولا ان فرض الضرائب في وضعنا الحالي لا يعالج أصل المشكلة. فلو فرضنا ضريبة دخل فإنها قد توفر حصيلة ضريبية قريبة من المليار دولار. لكن الذي سيدفع هذه الضريبة هم موظفون حكوميون يستلمون رواتبهم من دخل النفط، أو هم موظفون في الشركات المرتبطة بالنفط مثل التكرير والبتروكيماويات وألبا وبناغاز وغيرها، أو تجار في السوق يتعاملون مع هؤلاء الموظفين، وبالتالي فإن المال الذي يدور وتُدفع منه ضريبة الدخل هو في معظمه أموال النفط.

لذلك نرى أولا: أن فرض الضرائب (على الدخل، ورأس المال، والثروة) هو حل مؤقت يمنح الدولة مصدرا آخر للدخل ويساعد إيرادات النفط ويمنحنا فسحة محدودة من الوقت لإعادة التفكير في تنويع الاقتصاد وتوسيع القاعدة الضريبية خارج قطاع النفط والنجاح فيه هذه المرة. ثانيا: إن الشروع في فرض الضرائب من دون التعامل مع التحديات بشكل متوازٍ مع القيام بإصلاحات في جوانب متعددة سوف يدخلنا في تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية لا نعرف تأثيراتها اليوم.

من هذه التحديات التي لا بد من التعامل معها هو ضرورة الإجابة عن السؤال المحوري: ماذا بعد النفط؟ عدم نجاح تنويع مصادر الدخل خلال العقود الخمسة الماضية يحتاج إلى طرحه للمناقشة العلنية في مجلس النواب وفي الصحافة وتوسيع حرية التعبير في استقصاء الأسباب وسبل معالجتها، وأن يشمل النقاش جميع المعنيين، بمن فيهم غرفة التجارة ومؤسسات المجتمع المدني ذات الاختصاص والجمعيات السياسية وأن تجند لهذا النقاش طاقات المجتمع كافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *