الدكتور محمد عيسى الكويتي
26-1-2024
مستوى المعيشة و الحد الادنى للدخل
يناقش مجلس النواب قضية مستوى المعيشة، كما تناولها في مناسبة سابقة عند مناقشة الضرائب. طرح ممثلو مجلسي النواب والشورى في مناقشتهم لتحديد “الحد الادنى لمستوى المعيشة” تصورات ثلاث كحد ادنى لمستوى المعيشة. وُضعت التصورات ولم تُنشر المبالغ لاسباب نفهمها، ولكن دعنا نتجه نحو الاهداف التي ينبغي ان تتحقق من الدعم وشبكة الحماية الذي يوفرها وفوائدها، وعلاقة ذلك بالضرائب لتمويل هذه الشبكات.
اولا الهدف هو تحسين مستوى المعيشة وعدم ترك مواطن بدون دخل. هذا يعني تحديد الدخل الادنى المطلوب لكي يعيش المواطن بكرامة ويستطيع ان يوفر متطلباته المعيشية الضرورية وينعم ببعض الكماليات والترفيه اللازم للمحافظة على روحة المعنوية وامنه الداخلي واستقراره الاجتماعي والاقتصادي ويتمكن من تكوين اسرة وتربية ابنائه.
لذلك فان تحديد كلفة المعيشة التي يتناولها مجلس النواب هي الخطوة الاولى في هذه المسيرة التنموية، وان يكون احتسابها بشمولية تضمن توفير الخدمات الصحية والتعليم والسكن والمواصلات بما يحقق هدف الرفاه الاجتماعي واهداف “التنمية المستدامة التي مركزها الانسان”. الاهم، الخطوة الثانية وهي تحديد حد ادنى للدخل يكون اكبر من الحد الادنى للمعيشة ويكون حق يمنح لكل مواطن ليس له دخل، او يقل دخله عن هذا الحد الادنى للدخل.
تنفيذ مثل هذه المشروع له فوائد كبيرة منها توفير الامان المالي من خلال شبكة امان تقلل القلق، وتسمح بمواصلة التعليم والتدريب للشباب. فهي اداة قوية لمكافحة الفقر والحرمان بما ينعكس على الحالة النفسية والصحية للمواطن ويساعده في ارتياد مجال ريادة الاعمال وبدأ مشاريع قد تكون ناجحة تجعله مساهما وليس مستهلكا للدعم. كما تحقق الرفاه الاجتماعي والامن الاقتصادي وتخفيف تاثير عدم المساواة ونتائجها على الامن والاستقرار. بالاضافة الى ان توحيد الدعم في برنامج واحد يخفف العبء الاداري مقارنة ببرامج الرعاية الاجتماعية المعقدة والمجزأة. والاهم ان هذا البرنامج يعزز القوة الشرائية ويحفز النشاط الاقتصادي والانفاق الاستهلاكي وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل. واخيرا وبشكل تلقائي تستفيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عدم الالتزام بدفع اجور مرتفعة لتوظيف البحرينيين مما يحسن من تنافسية البحرينيين.
المعالجة الشمولية لقضية مستوى المعيشة من حيث الكلفة والحد الادنى للدخل، تقتضي التفكير في تمويل هذا المشروع على المدى الطويل المستدام، هنا ياتي دور الضرائب. كما نرى فان التوجه نحو الضرائب قد بدأ ويحتاج الى اعادة تفكير. في الوقت الحاضر هناك ضريبة القيمة المضافة، ويجري الان الحديث عن ضرائب على الشركات وتحويلات الاجانب. لذلك جزء مهم من تمويل هذه المعالجة سيكون من ضرائب الدخل التصاعدية وضرائب الثروة وعوائد رأس المال، وضريبة الربح التصاعدية على الشركات (جميع الشركات فوق حد معين من الدخل) بالاضافة الى مخصصات بند الضمان الاجتماعي والدعم الحالي. بداية اعادة التفكير في قضية الضرائب ينبغي ان تخضع لمبادئ اهمها ان يتحملها الاكثر قدرة على الدفع؛ وان يكون ضمن استراتيجية اشمل تبدأ بوضع اهداف اجتماعية بالاضافة الى الاهداف الاقتصادية ومنها تحقيق الرفاه الاجتماعي وتعريفه بما يتوافق مع المستوى الاقتصادي العام ويحقق طموح القيادة والمجتمع والمواطن.
ثانيا: ان لا ينفصل هذا عن مفهوم التنمية الشاملة المستدامة التي وردت في الرؤية 2030 واهدافها السبعة عشر، واهمها معالجة الفقر والبطالة وعدم المساواة والتعليم والتنويع الاقتصادي، بشكل عام.
ثالثا: تقديم برامج توعية وتدريب تقني وفني وثقافي يهيئ المواطنين لسوق العمل، ويوجه التدريب بشكل خاص نحو مهن معينة يتم تخصيصها للبحرينيين فقط. بالاضافة الى اجراء تحليل دقيق للتاثيرات الاقتصادية المصاحبة لمثل هذه الاجراءات.
رابعا: الاستثمار في مشاريع كبرى كما فعلنا في السبعينات والثمانينات وتوجيه الاستثمار الاجنبي والمحلي الى مثل هذه المشاريع التي تخلق وظائف مجزية وترفع القدرة التصديرية للبلد. يمكن استخدام الصناديق السيادية والاستثمارية في هذا المشروع.
خامسا: جزء مهم من الاستراتيجية الاخذ في الاعتبار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتاثرها بالوضع المالي في البلد وتاثير الرسوم والعمالة الاجنبية والمنافسة التي تتعرض لها جراء السماح للاجانب بامتلاك سجلات او تأجير السجلات عليهم. ان انتعاش المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عامل اساسي في التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل وتنشيط الحركة بشكل عام، وبالتالي زيادة معدل ايرادات الدولة من ضريبة الربح.
سادسا: سوف تمكن الضرائب اعادة النظر في الرسوم المفروضة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتخفيف العبء عليها، بما في ذلك تكاليف الكهرباء والماء. هذا التخفيف سوف يمنح هذه الشركات فرصة الاستثمار والنمو.
بعض المخاوف المحتملة هو ان يؤدي الدخل الثابت الى تثبيط الرغبة في العمل لدى البعض. يمكن التغلب على ذلك بوضع حوافز اكبر للعمل وامتيازات يحصل عليها العاملين فقط. بالاضافة الى ان العمل يوفر التقدم وزيادة الدخل والترقي المجتمعي، وهذه حوافز تجعل الشاب يسعى للعمل ولا يكتفي بالحد الادني. بالاضافة الى الجانب المعنوي للعمل وتحقيق الذات.
بعبارة اخرى الموضوع يحتاج الى استراتيجية شاملة توضع بالتعاون بين الحكومة والسلطة التشريعية بمجلسيها والقطاع الخاص. هذه المساهمة الثلاثية تتطلب انفتاح على المجتمع ليدلي بمدخلاته من خلال منظماته المدنية والصحافة. اما التناول المجزء الذي يتم الان كعلاوات الغلاء وعلاوة التعطل ودعم مباشر لبعض المواد الاستهلاكية وغيرها من الدعم والعلاوات فانها تمثل عبء اداري يمكن ان نوفره بوضع نظام واحد شامل يرفع مستوى المعيشة لجميع فئات المجتمع الذين يقل دخلهم عن الحد الادنى بغض النظر عن الوضع الوظيفي.