نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مطالب «الفاتح» في ضوء واقع الموازنة العامة

  تاريخ النشر :١٦ مارس ٢٠١٣ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مطالب الفاتح بين عجز الموازمة والدين العام وضعف الاداء الاقتصادي فكيف تستطيع حكومة تحقيق زيادة الرواتب

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12776/article/13512.html

تمر البحرين كل سنتين بقضية إقرار الميزانية العامة للدولة وهذا العام لا يختلف عن الاعوام السابقة من حيث الوعود والتراجعات والسجال بين الحكومة والبرلمان على بنود الميزانية. في 19 من هذا الشهر الحالي سوف يصوت البرلمان على الميزانية ولكنه مازال في انتظار رد من الحكومة حول المطالب التي رفعها لها بتاريخ 13 فبراير 2013، والتي تتوافق مع مطالب تجمع الفاتح في 21 فبراير ومنها رفع مستوى الرواتب بنسبة 15% ومنح المتقاعدين 150 دينارا شهريا مبلغ يحسب من الراتب التقاعدي، وإقرار علاوة غلاء المعيشة مما سيضطر الحكومة إلى مزيد من الاقتراض.

 في نفس الجلسة سوف يصوت المجلس على مرسوم بقانون يرفع الحد الأقصى للدين العام إلى خمسة مليارات دينار، هذا سوف يرفع الدين العام إلى 46%. من المهم التوضيح ان مطالب الفاتح والنواب لم تتم الموافقة عليها بعد، ومتى ما تم ذلك فان الدين العام سوف يفوق 46%. وبهذا المعدل فان الدين العام قد يصل إلى 60% خلال خمس سنوات في حالة استمرار النمو الاقتصادي بنسبة 5%، وربما قبل ذلك اذا انخفض إلى 4% كما هو متوقع.

 يمثل الدين العام خطرا يهدد استقرار وامن البلاد، وإذا وصل إلى 60% فانه سوف يعرقل اعتماد العملة الخليجية الموحدة وقيام الاتحاد الذي يشترط ان يكون الدين اقل من ذلك. كما انه يؤثر في قدرتنا على التنمية والاستثمار وعلى مستوى المعيشة وسينعكس على الاستقرار السياسي للبلاد. من هذا المنطلق فان القضية مهمة جدا بالنسبة الى السياسيين والجمعيات المهنية للوقوف على اسباب هذا العجز الناتج من الاداء الاقتصادي. 

 في محاولة لتدارس الامر نظمت جمعية الاقتصاديين ندوة بتاريخ 22 يناير 2013 حول الميزانية وما يترتب عليها من صدام بين الحكومة ومجلس النواب. في هذه الندوة يقول الشوري السيد جمال فخرو «إن اصطدام الحكومة مع المجلس أولى من تلبية مطالب النواب التي ستنتهي بالبحرين إلى الإفلاس في ظل تزايد الدين العام الذي بلغ 5 مليارات دينار». ويرى فخرو انه يجب على النواب رفع مستوى الرقابة والمساءلة وخصوصا في الحساب الختامي ويشدد على اهمية وقف الهدر والاقتراض. ويوافقه في ذلك النائب عبدالحكيم الشمري الذي يرى ان المسئولية في زيادة الدين العام تقع على بعض السياسات الحكومية.

 يرى الاقتصادي الدكتور احمد اليوشع «ان الزيادة في الانفاق وتزايد المطالبات الشعبية أمر طبيعي لا بد منه في ظل التزايد السكاني»، ولكن المشكلة في عدم زيادة الايرادات، ويطالب بزيادة الانفاق في الاستثمار المشترك بين الحكومة والقطاع الخاص والمستثمرين الخليجين. ونتساءل هل الحكومة لم تكن تعرف ان الازدياد في السكان وفي نمط الحياة سوف يزيد الضغط على الميزانية وقدرة الدولة على تلبية المتطلبات؟ ان كانت تعلم ولم تضع الحلول المناسبة فهي مشكلة وان كانت لا تعلم فان المشكلة اكبر.

 بينا في المقال السابق (أخبار الخليج 6 مارس 2013) ان البحرين وقعت في مصيدة الاقتصاد المتوسط، ويتطلب الخروج منها الاستثمار في التعليم والبحث العلمي والانتاج الصناعي و«الزراعي الحديث» بما يسهم في رفع الناتج القومي والقدرة على التصدير وتنويع مصادر الدخل. لذلك نتفق مع ما ذهب إليه الدكتور اليوشع من ان المشكلة ليست في النفقات، فزيادتها امر طبيعي لكن المشكلة في عدم زيادة الايرادات. لم تقم الحكومة باستثمارات انتاجية كافية كما فعلت في السبعينيات من القرن الماضي عندما أسست عددا من الشركات الصناعية. لذلك نحن الآن في مأزق حقيقي على رأي الاستاذ جمال فخرو وفي قدرتنا اعادة التوازن للميزانية.

 ويتساءل المنتدون من المسئول عن تخلي الحكومة عن الاستثمار والتركيز فقط على استخدام الموارد لتقديم الخدمات من دون تنميتها؟ وهنا يوضح الدكتور عبدالله الصادق ان الحكومة كان يمكن ان تتدخل من خلال السياسة المالية والسياسة النقدية والأنظمة والتشريعات. ولان دول الخليج مرتبطة بالدولار فان سياستها النقدية غير فعالة في تحفيز الاقتصاد. وكذلك لم تفرض ضرائب مما جعل سياستها المالية معطلة تقريبا ولم يبق سوى الميزانية العامة التي تؤثر بها في الاقتصاد. الخلاصة هي ان الحكومة تستخدم الميزانية في تقديم الخدمات واعتمدت على القطاع الخاص في الاستثمار. في حين ان القطاع الخاص يعتمد على الانفاق الحكومي في نشاطه وفي استثماراته مما جعل الاقتصاد في حلقة مفرغة ودوامة يتجه في مجمله إلى تقديم خدمات وتجارة تجزئة وانشاءات وبالتالي تعطل الجانب الإنتاجي والمعرفي.

 وهنا يقول الدكتور الصادق في ان المشكلة هي «ان الحكومة لم تتدخل في تسيير الاقتصادي بما يكفي واخذ زمام المبادرة التي تجعل منها لاعبا اساسيا وليس حكما ومشرعا فقط». يتفق مع ذلك الاستاذ جمال فخرو فيقول: ان «انخفاض النفقات الرأسمالية في الميزانية لا يقابله انتاج». بل ان هناك دعم حكومي يذهب إلى من لا يستحق بالاضافة إلى الهدر والفساد. اما النائب السابق جاسم عبدالعال فانه يرى ان المشكلة تكمن في «غياب الشفافية في الإيرادات الحقيقية للدولة ومقدار الهدر في المال العام». 

 في مقال لرئيس تحرير «أخبار الخليج» الأستاذ انور عبدالرحمن يرى ان عدم اهتمام الاقتصاديين هو احد اسباب تدني الاداء الاقتصادي. فهو يرى ان الاقتصاديين تركوا العمل السياسي والمشاركة في المجلس النيابي للمساهمة في رسم السياسات. وانهم اعتمدوا على الحكومة لتقوم بالتخطيط لكل شيء. نتفق مع الاستاذ انور في ان يكون للتجار دور في الحياة السياسية وان يتفاعلوا مع المجتمع وقضاياه بشكل اكبر، ولكن هذا لن يغير الواقع بان الحكومة في جميع انحاء العالم هي المسئولة عن رسم السياسات، يساعدها في ذلك البرلمان من خلال تمرير القوانين ويساعدها المجتمع المدني وقواه السياسية من خلال مناقشة السياسات ونقدها ومعارضتها ومساءلتها تقويم ما بها من اخطاء او ثغرات. المشاركة مطلوبة ولكنها يجب ان تكون مبنية على مؤسسات قادرة على المشاركة وليس افراد يستجدون السماح لهم بالمشاركة. والسؤال كيف يمكن للجمعيات المهنية وغيرها المشاركة في رسم السياسات؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *