نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مــاذا تسـتـفـيـد دول مــجــلس الـتعاون من التجربة السنغافورية؟

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15090/images/Untitled-13.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – تقول هذه المقارنة هو ان متطلبات النجاح في التنويع الاقتصادي لا تقتصر على النجاح في الابتكار والبحث العلمي وتكوين رأس مال بشري وتقوية الهوية الوطنية لكن كذلك قبول التعددية في كل شيء بما فيه البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي مع المحافظة على قيم النزاهة في إدارتها والشفافية في التعامل معها، وأن التعددية هي أساس التقدم والازدهار والبقاء.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1175218

تنظر دول الخليج إلى دول غرب وجنوب آسيا كمجتمعات ودول سبقت في إحداث التنوع الاقتصادي وذات قيم ومفاهيم أقرب إلينا من دول الغرب الصناعية فيما يتعلق بالحداثة. فالدول العربية تشترك مع دول آسيا تاريخيا في العلاقات التجارية، وتشترك معها في قيم اجتماعية وثقافية، والاهم حداثة تجربتها في التنمية الاقتصادية والتحديث الذي بدأ في منتصف القرن العشرين. مع ذلك فإن المقارنة بين دول مجلس التعاون من ناحية الهيكلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ودول آسيا مثل سنغافورة تمثل صعوبة أو استحالة في اتخاذ سنغافورة كنموذج تنموي لدول مجلس التعاون. 

وفق دراسة حديثة منشورة عام 2018 ترى انه فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي فإن دول مجلس التعاون تواجه عقبات هيكلية تتمثل في حكومات قوية ومؤسسات ضعيفة. معظم سياسات دول المجلس ترتكز على قطاع عام مهيمن وقطاع خاص يعاني من طول مدة إهماله. وفي نفس الوقت فإن المشهد العام للمؤسسات يُظهر ضعفا في تنسيق تنفيذ السياسات وضعفا في كفاءة النظام القضائي والتنظيمي. 

وتواصل هذه الدراسة أن مستوى الشفافية والمساءلة مهم جدا في خلق بيئة عمل مواتية، غير ان معظم دول الخليج الريعية تفتقد هذا المستوى المطلوب، كما انها تعاني من المحسوبية والامتيازات التي تضر ببيئة العمل. فوفق تقرير منظمة الشفافية العالمية (2014) فإن نتائج دول المجلس غير مشجعة في هذا المجال، حيث إن غالبيتها فوق المركز 50 من 175 دولة. واجهت سنغافورة كذلك حكومة أحادية عرفت بصرامة تطبيقها للقانون ولكنها مدينة في نجاحها الاقتصادي وانطلاقتها في التنوع بعيدا عن قطاع المال لتوفيرها بيئة عمل وبيئة استثمارية تشجع على الريادة وتأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة، معتمدين في ذلك على أنظمة حصيفة ومعدل ضرائب منخفض وتجارة حرة ومستوى عالٍ من الشفافية.

فيما يتعلق بتمكين رأس المال الوطني فإن المقارنة بين دول المجلس وسنغافورة تعاني من تفاوت الهياكل المطلوبة، وضعف الابتكار ومحدودية الاستثمار في البحث والتطوير. فسنغافورة قامت في بداية التحديث باستثمارات استراتيجية في المعرفة استهدفت الابتكار والبحث معا. وكان الحافز الاهم هو توفير متطلبات التنويع الاقتصادي، وان تلعب دورا قياديا لتكون مركزا للابتكار، وأن ترفع من انتاجيتها المحلية، وأن تنوع فرص العمل المتاحة للمواطنين في مجالات عالية التقنية. وأن توافر بيئة تعليمية متنوعة تؤهل مواطنين على مستوى عال من المهارة. 

لم تكن سنغافورة تتمتع بثروات طبيعية ولذلك كان تركيز ساستها دائما على قيم التمَيُّز والجودة في انتاج المعرفة، وفي نفس الوقت يجب ادراك ان سنغافورة «دولة مدينة» مع نسبة عالية من الشباب، وعدد من المهنيين الديناميكيين متنوعين في اسلوب معيشتهم ويشكلون بذلك نموذج النجاح للشباب. ولديها سوق عمل تنافسي ليبرالي حر مع حماية محدودة للفئات الضعيفة.

معظم العوامل هذه متحركة ويمكن ان تتغير في اي وقت، لكن يبقى عامل واحد مهم صعب التغيير وهو الجغرافيا. سنغافورة بلد صغير يتكون من مدينة واحدة فقط ولا توجد فوارق مجتمعية بين سكان مدن مثلا وسكان قرى. وليس لها مراكز اقتصادية متعددة، ومساحتها مسيطر عليها بالكامل. والمدينة تحتوي على جميع الانشطة الاقتصادية وجميع مصادر الاستهلاك لجميع الخدمات. لذلك فإن هذا النموذج لا يناسب بلدانا كبيرة مثل السعودية وعمان والكويت. لكن يمكن مقارنتها بدبي مثلا. 

التحديات المشتركة بين الخليج وسنغافورة يمكن ان تكون مصدرا لتبادل التجارب والخبرات والتعاون في البحث عن الحلول. جميع هذه الدول تواجه حاجة ملحة، بدرجات متفاوتة، لتنويع اقتصادياتها، مثلا تجاه التصنيع وخدمات أخرى. وتحويل رأس المال المادي والبشري نحو هذه القطاعات، واستدامة مرونة اقتصادها وقدرته على الصمود. توفر صناعة البتروكيماويات فرصة للتعاون والتبادل بين الاثنين لأهميتها لدول مجلس التعاون ولسنغافورة التي تستورد كميات كبيرة من النفط لتكريره وتصنيع مشتقات بتروكيماوية منه. 

لكن أكبر ما يمكن الاستفادة منه في تبادل الخبرات يكمن في مسألة التنوع الاجتماعي وكيف يتعاملون مع الهوية والمواطنة والتعددية حتى ولو كانت هذه الامور ليست ذات أولوية لدى الجهات المسؤولة أو في الخطاب الجمعي. تمر الدول بموجة من الحاجة إلى تقوية هويتها الوطنية. ما يغذي هذه الصحوة للهوية الوطنية زيادة أعداد العمالة الاجنبية في الخليج مع زيادة مستويات البطالة بين الشباب، مع قلة وجود المواطنين في القطاع الخاص. تواجه سنغافورة وضعا مشابها لكنه من الأعلى إلى الأسفل. يظهر المجتمع السنغافوري تقبلا غريبا لوجود العمالة الاجنبية والتعددية الثقافية، بينما ينشغل الساسة بهذه القضية مضافا اليها تدني نسبة المواليد في السكان الاصليين التي لا تزيد على 1.20 طفل لكل امرأة (احصائيات 2011)، والمستمر بمعدل 2.1 مدة ثلاثة عقود وتزامنه مع نسبة عالية من المهاجرين. وهذا يمثل تهديدا للهوية السنغافورية التي بناها مؤسسو الدولة. 

تعيش سنغافورة على تعزيز فكرة ان افضل ما في هذه الدولة المتطورة (سنغافورة) ان مواطنيها الذين يعتزون بقيمها هم افضل رأس مال بشري واهم عامل نجاح اقتصادي. لذلك فإن الحكومة السنغافورية تؤكد  الهوية الوطنية لمواطنيها، وفي نفس الوقت تقر بأهمية التعددية والتنوع الثقافي وتعتبرها إضافة إلى رأس المال البشري لدولة عالمية.

ما يمكن استخلاصه من هذه المقارنة هو ان متطلبات النجاح في التنويع الاقتصادي لا تقتصر على النجاح في الابتكار والبحث العلمي وتكوين رأس مال بشري وتقوية الهوية الوطنية لكن كذلك قبول التعددية في كل شيء بما فيه البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي مع المحافظة على قيم النزاهة في إدارتها والشفافية في التعامل معها، وأن التعددية هي أساس التقدم والازدهار والبقاء. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *