نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مناقشات منتدى «حوار المنامة» والقضايا الملحّة 

  تاريخ النشر :١٨ نوفمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- يغيب المواطن الانسان عن حوار المنامة وتكثر التوصيات دون تطبيق أي منها وينتهي الحوار ليقام غيره دون نتائج تذكر

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13753/article/53341.html

 يقام في كل عام منتدى «حوار المنامة» تشارك فيه قيادات محلية وإقليمية ودولية تتباحث في قضايا تتعلق بأمن المنطقة بشكل خاص والامن العالمي بشكل عام وتطرح أفكارا وتخرج بتوصيات لا تخلو من اقحام تطلعات الشعوب المشروعة في تحقيق الامن والاستقرار والرخاء، وتنتهي المناقشات لكي يبدأ المنظمون من جديد لمنتدى آخر في العام القادم. ويبقى السؤال الحائر: ماذا تحقق عمليا من هذا المنتدى وكيف ستوثر مداولاته وأطروحاته وتوصياته على الوضع الأمني والتنموي والسياسي والاجتماعي في المنطقة؟ وما هو المردود بالنسبة للمواطن العربي والخليجي؟

 في هذا المنتدى، في نسخته الحادية عشرة الذي انعقد بتاريخ 5 نوفمبر الجاري، تم في ضوء تعقيد هائل في الوضع العربي نتيجة الحروب الدائرة والصراعات السياسية الداخلية بالإضافة إلى الصراعات الإقليمية والدولية.

 يمكن تلخيص ما تمر به المنطقة من تحديات في: أولا التوازنات الجديدة في المنطقة، أي ان المنطقة مقبلة على واقع جديد يفرض موازين قوى مختلفة على المستوى الأمني والاستراتيجي. والتحدي الثاني هو التطرف والإرهاب وما يمثله من تهديد لمفهوم الدولة الوطنية وما تنطوي عليه من نظام سياسي واقتصادي واجتماعي ينظم العلاقة بين الشعوب وأنظمة الحكم المختلفة وما يقره هذا المفهوم من حقوق للمواطنين وما يترتب عليه من التزامات. والتحدي الثالث هو الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة التي تدير أجهزة الدولة، والتي من المفترض ان تخدم الشعب من خلال «حسن» إدارتها لأجهزة الدولة. 

 يشير أحد المشاركين إلى مخاطر هذا الخلط بين الدولة والحكومة، فهو يجعل أي انتقاد للحكومة وسياساتها هو عداء للدولة وأجهزتها وتقويض لأمنها أو سمعتها. وهذا خطأ فادح ارتكبته الأنظمة العربية وخصوصا منذ اندلاع الربيع العربي. والسؤال هو: كيف يمكن تلافي هذا الخلط وإقناع المواطنين بإمكانية تعايشهم تحت سقف دولة محايدة لا تخضع لهيمنة طرف أو فئة من المجتمع لقمع أو إخضاع أطراف أخرى مستخدمة أجهزة الدولة لتنفيذ سياستها وفرض رؤيتها على المجتمع. 

 فيما يذهب مشارك آخر إلى ان الحفاظ على الدولة الوطنية والامن والاستقرار يجب ألا يقف عند حدود المواجهات الأمنية والعسكرية بل يتطلب معالجة شاملة وتحركا جادا نحو حلول سياسية حقيقية توفر البيئة المناسبة لتحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وإن فقدان هذا التوازن هو ما أدى إلى انتفاض الشعوب للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها المشروعة والمطالبة في التغيير أملا في الوصول إلى تحقيق مطالبها. 

 طرح اخرون حلولا عربية تستند إلى استراتيجية تقتصر على ثلاثة محاور هي: التنمية الاقتصادية والاستثمار، والشباب، والتكنولوجيا، غير انها تستثني التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية. والبعض يطالب بإصلاح ديمقراطي لإزالة الأرض الخصبة للإرهاب في حين يرفض الإصلاح السياسي في دولته.

 من خطابات المشاركين نستطيع القول ان هناك قضيتين متداخلتين، اختار معظم المشاركين التركيز على قضية واحدة من دون الأخرى. القضية التي حظيت باهتمام غالبية المشاركين هي الامن والاستقرار والحفاظ على كيان الدولة واستقلالها، لذلك كان النصيب الأكبر من الخطاب موجها إلى رفض التدخلات الخارجية ومحاربة الإرهاب والتطرف الذي أصبح يهدد كيان الدول ويهدد السلم العالمي. والقضية الثانية المتداخلة معها لكن حظيت باهتمام اقل هي امن المواطن داخل الدولة وحفظ كرامته وحقوقه المدنية والسياسية وتنميته الشاملة. اهتم الغالبية بالصراع الدائر بين الدول وما يترتب على ذلك من إنفاق عسكري وتضييق الحريات في الداخل لتعزيز الامن والاستقرار وأهملوا الصراعات الداخلية على السلطة والثروة التي تعاني منها الشعوب، كما نسوا امن المواطن والانسان وحقوقه المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة.

 هذا التوجه من شأنه ان يفاقم المشاكل حيث إنَّ الانفاق الأمني في الدول العربية عادة ما يكون على حساب التنمية والاستثمار مما يؤدي إلى التخلف والفقر وتدني الأداء الاقتصادي. كما ان كبت الحريات والتضييق في الداخل يقضي على الشفافية ويزيد الفساد ويرفع مستوى الاحتقان ويساهم في زيادة التطرف ويغذي الإرهاب ويفتح المجال للتدخلات الخارجية. مما يدفع الدول إلى مزيد من الانفاق العسكري على حساب التنمية ومزيد من التضييق على الحريات وزيادة الفساد. أي ان الدول العربية تدخل في دائرة مغلقة تفاقم المشاكل وتزيد من الحاجة إلى إجراءات امنية وإنفاق عسكري بشكل متصاعد.

 لكسر هذه الدائرة طالب البعض بمشروع سياسي عربي يواجه المشاريع الأخرى في المنطقة وقادر على تجاوز الخلافات بين الدول العربية. يجب أن يوازن هذا المشروع بين ثلاثة متطلبات: الحاجة إلى الأمن والاستقرار، والحاجة إلى التنمية البشرية المستدامة، والحاجة إلى حفظ كرامة الانسان واحترام حقوقه المدنية والسياسية. الحلول السياسية المنبثقة عن هذا المشروع يجب أن تأخذ في الاعتبار قيم المساواة بين الناس فلا ينبغي ان ينعم البعض بخيرات البلاد ويقبع الغالبية في كنف الفقر والحرمان.

 ان تحقيق ذلك سوف يقلل الحاجة للإنفاق العسكري والأمني، كما ستقل فرص الدول الأخرى في التدخل في الشأن الداخلي. وبالتالي يتحقق امن الدولة وبأقل كلفة. 

 لقد حان الوقت الذي يحتم على القيادات ان تدرك ان المجتمعات العربية تغيرت إلى غير رجعة وأن الانسان العربي لم يعد معزولا عن العالم، فهو يرى كيف تعيش الشعوب المتحضرة ولا يقبل ان يكون هو الشاذ بين البشر بحجة التقاليد والعادات والخصوصيات المصطنعة. لذلك فهو يطرح السؤال: لماذا لا تعمل الدول بنتائج هذه المؤتمرات وما خرج منها من توصيات تراعي متطلبات المواطن في الحرية والكرامة وحقوقه المدنية والسياسية؟ وإذا تحقق أمن المواطن تحقق حينها الامن والاستقرار على المستوى الإقليمي والعالمي.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *