نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

٢٨ سبتمبر ٢٠٢٢

مقال الاسبوع – عَرض معالي وزير المالية نتائج الاداء الاقتصادي للربع الثاني 2022 وكانت معظم النتائج ايجابية. لكن تحدث التقرير عن متوسط الاجور ولم يفصل التقرير قضايا اهمها ماذا يحدث لمستوى معيشة الطبقة الفقيرة والمتوسطة من تاثير الغلاء، وهل هذه الطبقة في تزايد ام نقص؟ ولم يطرح التقرير ما يطمئن على مستقبل شبابنا العاطل والباحث عن عمل. ولم يجب على السؤال: لماذا لا ينعكس هذا الاداء على رفاه المجتمع؟

المرسل للجريدة

مناقشة النتائج الاقتصادية للربع الثاني 2022

في لقاء مع الصحافة المحلية عرض معالي وزير المالية ملخصا عن الاداء الاقتصادي خلال الربع الثاني من 2022 وابرز ما جاء فيه الانتهاء من 17 برنامجا من اصل 27 ضمن الاولويات الخمس لخطة التعافي الاقتصادي. كما تم الانتهاء من المرحلة الاولى في عدد من المشاريع التنموية الكبرى. ركز على اهمية السيطرة على التضخم والمساهمة في استقرار معدلاته، فقد بلغ 4% مقارنة ب 10% في بعض الدول. وبيَّن اهمية المحافظة على القوة الشرائية. من المؤشرات الايجابية وجود فائض في الميزان التجاري بعد ان كان النقص 141 مليون دينار اصبح 63 مليون دينار. وزيادة في الصادرات غير النفطية بنسبة 38.6% على اساس سنوي.

من النقاط المهمة ايضا التي وردت ارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية في النمو الاقتصادي بالاسعار الثابتة. فقد ارتفعت مساهمة خمس قطاعات مثل الفنادق (18%)، وارتفعت ايرادات السياحة 330 مليون دينار بزيادة 560%، والمواصلات والاتصالات (15%)، وقطاع الصناعات التحويلية بنسببة (7.6%)، وقطاع التجارة (7.5%)، وزادت السجلات التجارية بنسبة 29%. اما النشاط الاقتصادي الاجمالي فقد حقق نموا قدره 6.9% بالاسعار الثابتة، مدفوعا بارتفاع اسعار النفط. من المفيد كذلك ان نسبة الودائع (من غير المصارف) ارتفعت بنسبة 11.7% وهذا مؤشر على توفر امكانية اكبر للاستثمار والنمو. من الانشطة التي شهدت تراجعا طفيفا الخدمات الاجتماعية والشخصية (-0.4%) وكذلك النفط الخام والغاز الطبيعي انخفض -2.2%. اما بالنسبة للقطاعات الاهم فقد بلغت مساهمة القطاع النفطي 17% من الناتج المحلي، بتراجع 2.2% عن العام الماضي، متبوعا بقطاع المشروعات المالية بنسبة 16.8%. اما قطاع الصناعات التحويلية فمثل 13.9%، وساهم هذا القطاع في معظم الصادرات غير النفطية متركزة في معادن ومواد خام، نامل ان تتحول هذه الى سلع تصديرية تحقق قفزة في القدرات الصناعية وتنويع اقتصادي.

هذا الاداء يُبرز عددا من النقاط تحتاج ان يتضح تاثرها بهذا الاداء ليستشعره المواطن. اهم هذه النقاط مستويات الاجور وتحسين مستوى المعيشة العام ليس فقط للفئة ذات الدخل المحدود والضعيفة، بل كذلك الطبقة المتوسطة وفئة المتقاعدين التي تاثرت بالتضخم وارتفاع الاسعار، ما ادى الى تراجع في مستواها المعيشي. هذا يحتاج الى معالجات لم يبين معالي الوزير كيف تم تناولها.

ثانيا ان هذا الاداء الجيد تاثر ايجابا بارتفاع اسعار النفط، في حين تاثرت الحالة الاجتماعية والمعيشية سلبا بالظروف العالمية. هذا يستوجب وضع سياسات داخلية تعالج القضايا الطارئة وكذلك القضايا التي لازمت المجتمع لاسباب موضوعية داخلية. ما تم عرضه من اداء يعبر عن معدلات ومتوسطات. لكي يصل تاثيرها الى المواطن ويستشعرها تحتاج الى تحليل وتقسيم الى شرائح توضح معالم وتفاصيل الصورة بشكل اكبر. فمثلا بالنسبة لمتوسط الاجور، بين معاليه ان متوسط الراتب في القطاع العام ارتفع بنسبة 5.5% وبلغ 870 دينار،  والقطاع الخاص نمى بنسبة 1.6% ليصل الى 779 دينار. هذه المتوسطات، بطبيعة الحال كاي متوسطات، تحمل في طياتها الكثير من التفاوت في الاجور. لمعالجة مستوى المعيشة يحتاج توضيح حجم الشريحة التي اجورها اقل من 300 دينار الان في 2022، وكم كانت نسبتها من السكان البحرينيين عام 2000 مثلا؟ وهل هي في انخفاض ام ارتفاع، وكم نسبة الشريحة التي تليها في الاجور من 301 الى 600 دينار، و الفئة بين 601 الى 1000 دينار مثلا. مراقبة هذه الشرائح الاكثر تضررا له تاثير كبير على تحسين مستواها ويساعد في العمل على تقليل حجمها خلال فترة محددة بوضع حد ادنى لدخل الاسرة البحرينية. مثل هذا التوجه مفيدة جدا لربط الاداء الاقتصادي الجيد مع الواقع ليرى المجتمع والمسئولين تاثير السياسات والبرامج وانعكاساتها على تقدم المجتمع واستقراره.

ثالثا هناك فجوة بين الاداء والنشاط الاقتصادي، الذي عبرت عنه المعلومات التي طرحها معالي الوزير، وبين تاثير هذا النشاط في الميزانية العامة وقدرة الحكومة على الانفاق. فزيادة النشاط وزيادة ارباح الشركات والاستثمارات المالية الكبيرة لا تنعكس على ميزانية الدولة بنفس القدر (باستثناء الرسوم). لذلك لا بد من استحداث ضريبة دخل وارباح على الشركات اسوة ببعض دول الخليج لكي تنعكس النجاحات هذه في الميزانية ويمكن رفع مخصصات الضمان الاجتماعي والدعم للمواطنين.

القضية الرابعة التي ترهق المجتمع والدولة وتحوز على اهتمام الجميع، وتكاد تكون على رأس البرامج الانتخابية للراغبين في الترشح، هي معدلات البطالة، وخصوصا بين الشباب المؤهل. وفقا لجمعية المهندسين فان هناك 900 مهندس عاطلين عن العمل ومكاتب الهندسة تفضل اجانب. ادراكا من الحكومة لاهميتها فقد وضعت برامج ومشاريع، مثل البرنامج الوطني للتوظيف والتدريب. هذه مشاريع مقدرة تمكنت من تحقيق بعض النجاحات، لكن استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يشير الى الحاجة لمقاربة اكثر مؤسسية وبنيوية. بالنسبة للمقاربة المؤسسية اهمها ان الارضية التنافسية غير مستوية، وفي صالح العامل الاجنبي، من حيث الكلفة المادية والادارية، واختلاف مستوى جودة التعليم والتدريب والتاهيل في المهارات المطلوبة. هذا يحفز الشركات، وخصوصا الصغيرة والمتوسطة، على تفضيل الاجنبي. اضافة الى ان بعض سياسات هيئة تنظيم سوق العمل عمقت مشكلة التنافسية ولم تعالجها. ناهيك عن البعد الاجتماعي في وجود اجانب تجول الشوارع وتمتهن التسول بحثا عن لقمة العيش. اما البعد البنيوي فيتمثل في تنوع المشاريع ونوعية الاستثمار الخارجي وفرص العمل التي يطرحها ومدى مواءمتها مع مخرجات التعليم ومؤهلات الخريجين وطموحاتهم.

واخيرا والاهم التواصل مع المجتمع، ما قام به معالي الوزير هو امر في غاية الاهمية من حيث انه طرح قضايا للنقاش ووفر الكثير من البيانات، غير ان المجتمع يطمح في المزيد من الانفتاح واتاحة البيانات والمعلومات لرفع مستوى التفاعل ومداولة الحلول بناء على معلومات دقيقة تمكنه من تقييم الانجازات بموضوعية خصوصا فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي والتوظيف والاستثمار في رأس المال البشري والتعليم.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *