نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. منظومة العمل الاداري – الحلقة الرابعة  

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 5 مايو 2007 

بينا في الحلقة الاولى بان الموظف ليس السبب الرئيسي في تدني الاداء في الوزارات الخدمية وان ذلك غالبا ما يرجع الى ضعف نظام العمل، وبينا في الحلقة الثانية بان العملية الادارية هي جزء من الاصلاح الشامل وبالتالي فعليها تحديدات ومعوقات سياسية واجتماعية وتنظيمية وادارية تحتاج الى تناول شمولي لتحقيق الاصلاح الاداري. وفي الحلقة الثالثة تكلمنا عن خصائص المنظومة الادارية والمكونات الضرورية لنجاحها. وفي هذه الحلقة سوف نتناول بعض من هذه المبادئ بشيئ من التفصيل.

اول هذه المبادئ هي التناول الشمولي في تصميم المنظومات الادارية او “التفكير المنظومي” (Systems thinking) كما يسمى علميا، وهو مشتق من كلمة منظومة (System) وتعرف المنظومة على انها “مجموعة من العمليات والانشطة المتصلة والمكملة لبعضها وتشكل في مجملها عمل متكامل لتحقيق غاية ممكنة ومطلوبة”. واهمية هذا التعريف هو كونه يركز على الغاية من العمل الذي نقوم به، وهناك اربعة انواع من المنظومات وهم المظومة الطبيعية –مثل المنظومة المناخية، والمنظومات البيولوجية، والمنظومة المصنعة، مثل السيارة وسكك الحديد، والمنظومة الاجتماعية مثل العائلة، الكشافة، الاندية والجمعيات، واخيرا المنظومة الانسانية التي تشمل المنظومات الادارية والسياسية. وما يهمنا في المجال الاداري هو المنظومة الانسانية وخواصها وتداعياتها على النظام الاداري في الحكومة. 

المنظومة الانسانية في كثير من الاحيان تشمل استخدام الانسان للالة او لنظريات مجردة لتحقيق غاية ومن اهم الخصائص الاساسية لهذه المنظومة كونها عملية تحويلية (transformational process) تشمل مجموعة من الانشطة التي تتم لتحويل مدخلات معينة مثل طلب توظيف، الى مخرجات مطلوبة ومرغوب فيها  مثل موافقة على التوظيف، للتوصل الى نتائج محددة، مثل انسان مقتنع بالوظيفة التي يقوم بها. وتمر عملية الموافقة هذه في مراحل من الاختبار والتقييم والفحوصات الطبية والاتفاق على الراتب والمنافع والمسئوليات والواجبات الى ان يتم التوصل الى قرار التوظيف) وجميع هذه الانشطة يطلق علها عملية التوظيف. كذلك يمكن اعتبار الحكومة ككل منظومة لها غاية محددة والوزارة منظومة فرعية وهكذا الى اصغر فرع من المنظومة يكون القسم او الفرع. ومن هذا المنطلق فان اول سئوال في تصميم المنظومة هو ماهي الغاية من وجود المنظومة. فاذا اعتبرنا الحكومة هي المنظومة الرئيسية فان او سئوال هو ماهي الغاية من وجود الحكومة؟ هل هي لتنظيم العلاقات بين المواطنين، ام تحقيق تنمية اقتصادية وحماية المصالح والمحافظة على الامن؟ ام المحافظة على كرامة الانسان وتحسين نوعية الحياة من خلال التنمية الشاملة والرخاء الاجتماعي والامن القومي؟ من ذلك يمكن القول بان الغاية من انشاء اي وزارة هي المساهمة في الغاية العليا للحكومة من خلال القيام بالدور المنوط بها دون ان تنسى انها جزء من المنظومة الاكبر والعمل على تحقيق غايتها. 

وهذا التناول المنظومي يفرض وجود مكونات اساسية في المنظومة لكي تعمل بشكل فعال. فلا يمكن للمنظومة ان تعمل دون وجود نظام استشعار (feedback) يبين مدى تحقيق الغاية مثل وجود مؤشرات موضوعية تحدد مدى صلاحية الموظف من حيث سلوكه ودرايته بمتطلبات الوظيفة وانتاجيته. كذلك تحتاج المنظومة الى نظام سيطرة فعال يعطي المسئول سواء كان رئيس حكومة او وزير ام مدير او رئيس قسم ما يكفي من الادوات لتقييم نتائج المؤشرات. فاذا اتضح ان الموظف ذو سلوك غير ملائم او دراية متواضعة اوانتاجية متدنية يمنح النظام للمسئول امكانية تحديد ما هو مطلوب لتقويم سلوك الموظف او زيادة معرفته او رفع انتاجيته. كما يمنح النظام للمسئول امكانية تنفيذ قرار لتصحيح القصور، فاذا كان المطلوب تقويم السلوك يحق للمسئول اتخاذ اجراءات تصاعدية للتقويم، واذا كان القصور في التدريب فان النظام يسمح للمسئول بتدريب الموظفين من خلال ميزانية تدريبية ضمن صلاحياته وليس بموافقة من دوان الخدمة المدنية او اي جهة اخرى، واذا كان القصور في الانتاجية يستطيع المسئول تقديم الحوافز والجزاءات اللازمة الى ان يصل الامر الى الاستغناء عن الخدمات. اي ان تكون لدى المسئول من الصلاحيات ما يكفي لتنفيذ القرار لتصحيح المسار في حالة حياده عن الهدف المطلوب، وان تكون له الاجهزة التنفيذية لتنفيذ متطلبات القرار المتخذ، وان تكون لديه الموارد اللازمة لتدريب وتهيئة اجهزته لمساعدتهم على التنفيذ السليم. ولنجاح العملية يجب ان يخضع المسئول للمساءلة عن النتائج التي تصل الى حد العزل او المساءلة القضائية في حالة الفساد او سوء استغلال الصلاحيات الممنوحة له. وفي هذه الحالة فقط يمكن تحقيق المساءلة الحقيقية ومحاسبة كل مسئول عن النتائج التي يحققها.

بينا في هذه الحلقة اهمية التفكير المنظومي في تصميم نظم العمل من حيث الدور القيادي في تحديد التوجه والمساءلة وفي الحلقة الخامسة سوف نتناول نشاة فكرة تصميم العملية الادارية وفي الحلقة السادسة سنتناول اسس تصميم العملية الادارية نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *