نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. من خطاب جلالة الملك – الامن القومي الخليجي 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 28 اكتوبر 2007 

تطرقنا في مقال سابق لخطاب جلالة الملك وخلصنا الى ان الخطاب يشمل ثلاث محاور اساسية لتحقيق الحياة الكريمة للمواطن، وهذه المحاور هي الامن القومي والديموقراطية والتنمية. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن المحور الاول الامن القومي.

حضرنا قبل فترة ندوة في مركز الدراسات والبحوث عن الامن الخليجي للدكتور محمد نعمان جلال وطاف بنا المحاضر في ردهات السياسات الخارجية لمعظم الدول والتي ترتكز في معظمها على اهداف اقتصادية مثل تأمين امدادات النفط والسيطرة على أسعاره الى تأمين التجارة وفتح اسواق. اي انها تنطلق من المصالح الوطنية لهذه الدول متمثلة في تامين حياة كريمة لشعوبها باستثناء امريكا التي تضيف الى ذلك أهمية أمن اسرائيل كركيزة اخرى في سياستها الخارجية. 

كما تطرق المحاضر الى تقلص دور الهيئات الدولية امام الهيمنة الامريكة على قراراتها واثر ذلك على الامن الدولي. ومن التنظيمات الذي تحدث عنها المحاضر مجلس التعاون الخليجي وتطرق له وكانه كيان واحد وليس 6 دول مستقلة. بعدها تطرق الى الاتفاقات الخليجية واسباب عدم تفعيلها مثل اتفاقية الدفاع المشترك والاتفاقية الاقتصادية الخليجية. واليوم يجري استعداد امريكي وتهديد بشن حرب على ايران وما يمثله ذلك من تهديد لامننا القومي مما يجعل الانسان يفكر في المستقبل ويطرح تساؤلات حول مدى اهتمامنا بالامن القومي وما هو مفهومنا له وهل هذا المفهوم يشترك فيه الجميع قيادة وشعبا؟ 

ان الامن القومي في مفهومه العام يشمل الامن الغذائي والمائي والبيئي بالاضافة الى الامن العسكري، وله بعدين احدهما داخلي يتمثل في قوة المجتمع الذاتية او ما يسمى بتماسك الجبهة الداخلية، والبعد الاخر هو نوع التهديد وسطوته ومكره. وما يهمنا هنا هو قوة هذه الجبهة الداخلية من الناحية الاقتصادية والسياسية. 

فمن الناحية الاقتصادية بين الدكتور نعمان في محاضرته بان دول الخليج تشكل تكتل سكاني كبير يتجاوز 27 مليون نسمة بدون العمالة الاجنبية، وقدرة مالية هائلة تفوق معظم التجمعات الاقليمية الاخرى. واذا ما اضيف الى ذلك اليمن فان الخليج يصبح قوة لا يستهان بها في خلق توازن اقليمي يمكن العمل من خلاله في وضع استراتيجية امنية قائمة على المصالح الاقتصادية والامنية المشتركة مع جيراننا واحتواء اي تهديد من خلال استراتيجية تشابك المصالح. فكثير من الدول اقامت نهضة صناعية تضاهي الدول المتقدمة بامكانات وعدد سكان اقل مما هو متوفر لدول الخليج. ويتساءل المحاضر لماذا لا تشكل دول الخليج قوة واحدة متجانسة تعمل من اجل مستقبل أمني واقتصادي مزدهر وتتخلص من التبعية للغرب الذي بات يهدد أمنها ووجودها؟ 

يجيب الدكتور نعمان بان هناك عاملان هامان وراء عدم تمكن الحكام من الاتفاق على سياسة امنية خليجية تحفظ لهذا الكيان منجزاته. العامل الاول هو المنافسة والخلافات بين دول الخليج على امور قد تكون هامشية. والسبب الاخر هو الاحساس المفرط بالسيادة الوطنية. وهذا الطرح يتفق مع ما توصل اليه الاستاذ عبدالله بشارة الامين العام لمجلس التعاون الخليجي حيث يقول في كتابه “عبدالله بشارة: بين الشيوخ والملوك والسلاطين” بان أهم اسباب فشل مجلس التعاون في تطبيق الاتفاقيات هو “التمسك المفرط بالسيادة”. ان مفهوم السيادة الوطنية التقليدي تطور مع الزمن ولم يعد له وجود ولا يجوز التشبث به اليوم في ظل التهديدات، بل من المصلحة التنازل لاخواننا في الخليج كما تنازلت دول كبرى من اجل قيام الاتحاد الاوروبي وسبقتها الولايات المتحدة. 

فعلى المدى القريب تقتضي مصلحتنا الوقوف بحزم واتخاذ موقف موحد لمنع الحرب التي يدق طبولها الرئيس الامريكي وحاشيته لمصلحة اسرائيل وبهدف الهيمنة الكاملة على المنطقة وثرواتها ومنع انتشار المعرفة. اما على المدى البعيد، فعلينا ان ندرك ان البحرين لا يمكن ان تحقق امن قومي في معزل عن دول الخليج والعمق العربي. وأن أكبر ضمانة لتحقيق مصالحنا تكمن في الوحدة الخليجية التي يتوجب علينا عدم التضحية بها لاي سبب وتحت أي ذريعة. وهذه المصلحة، في ظل التهديدات التي تحدق بنا، تقتضي أن تكون لنا رؤية أمنية بعيدة المدى متمثلة في بناء قوة اقتصادية ذاتية تهدف لتفوق تقني مبني على توطين المعرفة والتكنولوجيا. وهذا بدوره يحتاج الى جهد مشترك من دول مجلس التعاون وتمويل في مجالات علمية بحثية تطبيقية في مجالات صناعية محددة تمكن دول الخليج من المنافسة العالمية ورفع مستوى المعيشة وجودة الحياة لجميع المواطنين. بالاضافة الى اقتراب تنموي مع العمق العربي تكون دول الخليج فيه صاحبة الريادة نظرا لقوتها المالية. ومنها يمكن تنمية قوة عسكرية وسياسية توازن القوى العسكرية في المنطقة والتفوق عليها اقتصاديا، واقناع مصادر التهديد باهمية حسن الجوار والعمل معا في تطوير المنطقة وطرد الاستعمار الجديد الذي يتظاهر بحمايتنا بينما هو في الواقع يحمي مصالحة.

اما من الناحية السياسسة فان أمننا القومي مرتبط بقوة الجبهة الداخلية وصلابتها ليس فقط من الناحية التقنية والعلمية بل كذلك من ناحية تكوين مجتمع متفق على ثوابته وتحكمه العدالة والمساواة والمصلحة الذاتية التي ينظمها القانون. فكل انسان من حقة الدفاع عن مصالحة الخاصة، والقانون وضع لتنظيم هذه المصالح لكي لا يبطش القوي بالضعيف، اما اذا كان القوي يمكنه تجاهل القانون او ان يجيره لصالحه فان الوضع الداخلي والتماسك المجتمعي لن يتم مهما حاولنا في مدارسنا ومهما نظمنا من اناشيد وطنية. يجب ان يشعر كل فرد في المجتمعات الخليجية بان القانون يحمي الجميع وان المواطنة درجة واحدة تحدد على أساسها الحقوق والواجبات. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *