نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ناقضات العالم العربي مصدر الصراعات

  تاريخ النشر :٤ سبتمبر ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مايحدث في العالم العربي هو نتاج الصراع بين القيم والواقع والتناقضات التي تراكمت على مدى عقود انفجرت في غفلة من الزمن، الى الان لم نطرح السؤال: اين اخطأنا؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12948/article/45369.html

ما يحدث في العالم العربي من ثورات و«فوضى خلاقة» هي نتاج تناقضات ادت إلى اختناقات متعددة حدثت في الدول العربية نتيجة لتغيرات فكرية واقتصادية وثقافية واجتماعية ابرزتها الثورة المعلوماتية التي تجتاح العالم. منذ نصف قرن لم تجد هذه المتغيرات المتنفس الطبيعي لها في دولنا العربية فتراكمت القوى الضاغطة والمتصارعة وتعاظمت المتناقضات إلى ان حدث الانفجار الذي توقعه البعض واغفل مؤشراته البعض الآخر. 

 غفلة الدول عن التحولات التي تدور من حولها ليس بالامر الجديد فقد حدث ذلك للامبراطوية العثمانية التي عاشت اوج عظمتها في القرن الخامس عشر والسادس عشر واحتلت مناطق شاسعة في اوروبا ودان لها ملوكها لتكتشف فيما بعد ان المياه تحت الجسر تغيرت ولم تعد كما كانت عليه، فخسرت امام روسيا في حرب الكريميا (القرم) (1783) وهي الدولة الاضعف بين الممالك الاوروبية وبدأ الادراك وتم طرح السؤال اين اخطأنا؟ الدول العربية لم تطرح هذا السؤال بعد! 

 ما حدث من تحول في اوروبا كان بفعل العلم والاقتصاد والثورة العلمية والصناعية التي اطلقها عصر التنوير والحراك الفكري، لم تفطن له الدولة العثمانية على اتساع رقعتها. وعندما حاولت الاستفادة من العلم الغربي وبعثت بعثاتها لتنهل العلوم لم تتمكن من عزل المتعلمين عن الحياة السياسية المنفتحة، ولم تستطيع ان تحول دون تعرضهم للمبادئ والقيم الانسانية التي شكلت المجتمعات الغربية من حرية وحياة نابضة تشع ثقافة وحراكا، فتشبع هؤلاء بالافكار التحررية والقيم الديمقراطية التي اجتاحت اوروبا في منتصف القرن التاسع عشر فلم يتمكن العرش العثماني من الصمود وتفككت الدولة العثمانية وتوزعت كغنائم على الدول الاوروبية. وحتى الدول الاوروبية نفسها لم تستطع الصمود في وجهة التناقضات بين القيم التي كانت تؤمن بها في بلدانها وبين القيم التي احتاجتها لاحكام قبضتها على المستعمرات فانفجر الوضع في القرن العشرين وتحررت المستعمرات ودخلت في علاقة مختلفة مع الغرب. 

 الصراع بين القيم والواقع هو صراع مستمر لا ينتهي، ومالم تقتنع القيادات بان التقدم لا يمكن ان يكون في مكان دون اخر، او يكون في جانب الاقتصاد دون السياسة والاجتماع، وان القيم الانسانية لا يمكن التعامل معها بانتقائية وخصوصا في عالم اليوم المتشابك والمتواصل. الدولة العثمانية استمرت اكثر من 300 سنة لم تدرك اهمية التطور والتقدم العلمي الذي شهدته اوروبا على مكانتها وهيمنتها فكانت في عزلة بدعوى عدم التعامل مع «الكفار» في الغرب إلى ان خسرت كل الاراضي التي هيمنت عليها والشعوب التي حكمتها. اما اليوم فان هذه العزلة غير ممكنة والناس اصبحت تعرف كل ما يجري في العالم من تطور فكري واصبح القبول بالحكم الفردي المطلق امرا من الماضي. 

 ان تعقيد الحياة وتطور العلوم يفرض على الدول العربية والخليجية بوجه خاص القيام باصلاحات سياسية تراعي متطلبات التقدم الاقتصادي وتخضع لمقتضيات التنمية وتراعي تاثر العالم بعضه ببعض وتقتنع بان التاريخ لا يعود إلى الوراء. لم يعد بامكان انسان مهما كانت قدراته ان يتحكم في كل شيء كما كان الامر قبل جيلين من الزمن. الان يتطلب الامر نظاما يسمح بالمشاركة الحرة في تداول الافكار ومناقشتها واتخاذ القرارات بناء على مشاركة مجتمعية مقبولة تنتج حوارا وتداولا حرا يراعي الاختلافات بين الشعوب لكن لا يخضع تماما لاعتبارات القبلية ولا الفئوية ولا الدكتاتورية باي شكل. كما ان متخذ القرار يجب ان يتحمل مسؤولية الصواب والخطأ وان يقبل الخسارة في الانتخابات المقبلة نتيجة لادائه في ادارة الشأن العام. التطور يسير في هذا الاتجاه سواء ادركت الدول العربية ذلك ام لم تدركه.

 ان بناء اقتصاد عربي قوي ومتين يستطيع مواجهة متطلبات الحياة العصرية ويلبي طموح شبابها يحتاج إلى اعادة نظر في الانظمة السياسية وجعلها قابلة للاخذ بمنطق العصر ومبدأ التداول والنقاش والنقد الحر، اما محاولة تطويع المجتمع وفئاته المختلفة من تجار ومثقفين وغيرهم واسكات كل صوت يرتفع مناديا بالاصلاح فهذا يفاقم التناقضات ويزيد من قساوة الانفجارات وهذا ما حصل وقد يحصل في الدول العربية. المشكلة ليست في قبول الديمقراطية او رفضها، فهي وسيلة وليست غاية، ولكن المشكلة هي القبول بالتنمية او رفضها، والسؤال: هل نملك ان نرفضها ونرفض استحقاقاتها؟ 

 تتحدث الدول العربية عن اقتصاد المعرفة والتنمية والتنافسية والابتكار، جميع هذه المفاهيم تقوم على مبدأ ان الانسان هو صانع هذه التنمية وهو المستفيد منها، فكيف يمكن لهذا الانسان ان يصنع مستقبلا وان يقيم حضارة وان يفكر ويبدع وهو يشعر انه محاصر فكريا ومحاسب على كل حركة وعلى كل فكرة؟ الابداع والابتكار هو اساس المنافسة في عالم اليوم، والابداع والابتكار لا يترعرع الا في منظومة متوازنة من الحرية والمساواة والعدالة، وهذا يتطلب نظاما سياسيا تتوازن فيه القوى ويفسح المجال لتداول القرارات قبل اتخاذها ومناقشتها على مستوى المجتمع، وتحمل مسئولية اتخاذ القرار من خلال المساءلة والمحاسبة في نظام قضائي مستقل وهذه هي الديمقراطية التي يمكن ان تؤدي إلى استقرار وتنمية مستدامة تفيد الشعوب والحكام. امامنا معادلة صعبة نحتاج إلى حلها: التخلف في التنمية البشرية يؤدي إلى تخلف وزيادة تناقضات المجتمع بين الفقر والغنى في دول ريعية، والمضي في التنمية يفتح اذهان الناس ويجعلهم يطالبون بحقوق كانت محجوبة عنهم وندخل في الدائرة المفرغة، ولا مفر من الاصلاح فهو الحل.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *