نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. نعم الديمقراطية ضرورة للتنمية

تاريخ النشر : 22 مايو 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يدعو الاستاذ عبدالمنعم ابراهيم في كثير من مقالاته بالتركيز على الاقتصاد ونبذ السياسة. وفي مقاله (اخبار الخليج 5 مايو 2010) يتسائل “هل الديمقراطية ضرورية للاقتصاد؟” ومع انه يضع الديمقراطية بين قوسين مما يعني انه يقصد نوع معين من الديمقراطية او انه لا يريد التقليل من قيمة الديمقراطية، الا ان طرح السؤال بهذا الشكل يسبب اشكالية. كما ان طرحه المتكرر لاهمية التركيز على الاقتصاد ونبذ السياسة يدعو الى مناقشة ذلك من منطلق مبدئي.

الاقتصاد هو مجمل الانشطة التي يقوم بها الفرد والجماعة في كسب العيش واشباع الاحتياجات المعيشية. وهذا النشاط ينطوي على عملين، الاول هو تعاون بين الافراد والجماعات مثل العمل الجماعي في الزراعة او الصناعة. والاخر هو تنافس على الموارد المستخدمة في الانتاج وتنافس على الاسواق. والتعاون والتنافس يحتاجان الى ادارة كيف يتم التعاون بين الناس وكيف ينظم. وهذه الادارة تتم من خلال سياسات ترفع الانتاج وتعظم الفائدة منه وتنظم المصالح بين الناس. ونتيجة العملية الاقتصادية تتجمع ثروة لدى الافراد والجماعت تحتاج الى تنظيم وادارة وتوزيع. اي تحتاجل الى سياسات وسياسة.

اما السياسة فهي التوافق الذي يتم بين هذه المجموعات في تنظيم العلاقات بينهم وادارة شئونهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الناجمة عن الاختلافات في القدرات والمواهب والنزعات الانسانية بما يخدم المصالح المختلفة. وكذلك ادارة الفائض من الانتاج وتوزيعه بشكل يحقق توافق مصالح الجميع وفق معايير يضعها المجتمع على هيئة دساتير وقوانين. والصراعات في المجتمع تكون بسبب الثروة المتراكمة من فائض الانتاج ومن خيرات الارض والاختلاف في كيفية التوصل الى صيغ لتوزيعها يقبل بها المجتمع ويعتبرها صيغا عادلة تحفظ حقوق مختلف مكوناته. والمصدر الاخر للصراع هو نوع السياسات التي يضعها المجتمع للتعامل مع المشاكل والقضايا المتعلقة بالانتاج مثل تامين الاسواق والموارد والتصدير والتوريد والعلاقات الخارجية التي تسهم في تعظيم الفوائد من الانشطة الاقتصادية وادارة التنافس مع الدول اوالمجتمعات الاخرى. والسؤال الذي تحاول السياسة الاجابة عليه هو كيف نصل الى هذه الصيغ التوافقية؟ في المجتمعات القديمة نشأت الممالك والملوك وتطورت الى ممالك دستورية وجمهوريات كما في الغرب واعتمدوا النظام الديمقراطي الذي يجنب المجتمع مساوئ الصراع الى السلطة والثروة وينظمها بطريقة ضمنت مصالح وسلامة الجميع. وحققت عدالة اجتماعية يقبل بها المجتمع. اما الدول التي اختارت الطريق الاخر وهو استحواذ جماعة السلطة كما في الدول الشمولية والشيوعية التي يستشهد بها الاستاذ عبدالمنعم مثل الصين وروسيا وغيرهما فقد اثبت التاريخ عدم صلاحيتة هذا النظام الديكتاتوري. وتمثل كوريا حالة مختبرية للمقارنة بين نتائج الديمقراطية والدكتاتورية. فالشعب الكوري واحد بموارد متشابهة ونظامين سياسيين مختلفين . القسم الذي اختار الديمقراطية وصل من التقدم والرخاء العام ليصبح في مصاف الدول الغنية. بينما تعاني كوريا الشمالية، التي اعتمدت الاكراه والاستحواذ والتسلط، من الفقر وضنك العيش. والمثل الاخر المانيا الغربية والشرقية. ونعود الى الصين لنقول ان النجاح الذي نراه قد يلاقي نفس مصير النجاح الروسي. فما لم يتغير النظام السياسي فان هذا النجاح سوف يتوقف عند حد تفرضه المنظومة السياسية. تماما كما يتوقف تطور الرياضي بسبب خلل في طريقة لعبه او سلوكه. فالنظام الذي يعتمد على كبت الحريات ويمنع نشر ما يواجهه من مشاكل لن يتمكن من تصحيح الاخطاء. اي ان النظام يفقد القدرة على التكيف والتجديد والتصحيح. وبالتالي سرعان ما يهلك وهذه قاعدة الطبيعة. ومال لم يصاحب النجاح الحالي في الصين تحول نحو مزيد من الديمقراطية وحرية التعبير فان الطبيعة سوف تاخذ مجراها. فحرية التعبير هي التي تسمح للمواطن المشاركة في عملية التصحيح والتقويم من خلال الاحتجاج والتظاهر. وتخلق توازنا بين الفرد والمجتمع والسلطة والدولة بحيث لا يطغى طرف على الاخر. اما نجاح دبي فهو كذلك نجاح غير محمود بسبب تركيزه على الاستثمار العقاري والمضاربات بدل التركيز على التنمية الانتاجية.

وبعد ان رأينا مدى الترابط بين الاقتصاد والسياسة فانه من غير الموضوعي القول بان التركيز على الاقتصاد يغني عن السياسة. او ان نروج بان الديمقراطية ليست ضرورية للتنمية. وابلغ جواب على طرح الاستاذ عبدالمنعم هو ماقاله جلالة الملك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة حيث يقول “حرية الصحافة هي ضمانة لوحدة الوطن وتقدمه الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي” (اخبار الخليج 3 مايو الجاري) ويواصل جلالته “ان الديمقراطية هي من اهم دعائم الاستقرار والتنمية (اخبار الخليج 29 ابريل الماضي). لذلك فان الحل لما يراه الاستاذ عبدالمنعم من صراع في البرلمان والمجتمع هو مزيد من الديمقراطية (كما وعد جلالته) لتحقيق المزيد من الانجازات في اقتصاد انتاجي معرفي يستخدم الموارد المتاحة ويحافظ عليها ويدافع عنها ويتوافق على كيفية توزيع ثروتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *