نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل العنف والحرب طبيعة بشرية؟

  تاريخ النشر :١٧ أغسطس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

لماذا هذا العنف والاقتتال العربي هل هو طبيعة بشرية ام انه ببساطة تعدي على الحقوق وعلى الانسان في سبيل السلطة؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14026/article/35926.html

ماذا هذا العنف والاقتتال العربي هل هو طبيعة بشرية ام انه ببساطة تعدي على الحقوق وعلى الانسان في سبيل السلطة؟about:blank


في زيارة الرئيس أوباما إلى هيروشيما هذا العام قال: إن الحرب هي نتاج غريزة إنسانية وهي حب السيطرة والغزو أو الاحتلال التي شكلت تاريخ البشرية وسببت كثيرا من الحروب بين الشعوب والأمم على مر التاريخ، بدءا بالقبائل البدائية. وأضاف أن البشرية يمكن أن تختار السلم ليكون مصيرها، فنحن لسنا مجبورين على تكرار أخطاء الماضي؟ فهل هو على حق؟
تطرح مؤسسة ستراتفور، المختصة في التحليل الجيوسياسي، في مقال، هذا التساؤل: «هل النزوع إلى الحرب فعلا طبيعة بشرية ضمن جينات الإنسان أم أنها مكتسبة؟» وتقول إن هناك عددا كبيرا من النظريات تطرح تفسيرات مختلفة لدوافع الحروب على خلفيات، منها اقتصادية ومنها سوسيولوجية أو فلسفية أو إنثروبولوجية. فلو كانت في الجينات فمن الطبيعي أن نفترض أنها سوف تبقى معنا إلى الأبد، وعلينا الاستعداد للمعارك. أما إذا كانت شيئا مكتسبا تعلمه الإنسان في مسيرته، فحينها يمكن النظر في التخلص منها بتغيير ثقافي ينحو إلى السلام.
أظهرت دراسات عن هذا السلوك أن نصف ظاهرة العنف تقريبا يمكن تفسيرها بالطبيعة البشرية، والنصف الآخر يعود إلى الظروف التي يعيشها الإنسان. أي أن تعديل البيئة والثقافة أو تغييرهما يمكن أن يؤثر في ظاهرة العنف، ولكنها لا تحدده بشكل كامل أو تنهيه.
شاعت مقولة حول البقاء للأصلح في الموجة التي تبعت نظرية التطور. وهذه العبارة دخلت في متاهات وتفسيرات مختلفة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بأصل الحروب. أولا البقاء في هذا السياق لا يخص الحالات الفردية وإنما يخص النوع، والبقاء هو في قدرة الجينات على التكاثر والاستمرار. أما الأصلح، فهو يعني مستوى ملاءمته للبيئة وظروف معيشتها، وليس الأقوى أو الأصح جسديا. فكثير من القبائل التي كانت منتصرة في فترات تمت إبادتها في فترات أخرى. وبالتالي فإنّ الحروب ليست نتيجة طبيعية لمفهوم البقاء للأصلح.
النظر إلى التاريخ يبقى الملاذ الأخير، ويمكن استنتاج أن موقعنا في العالم نحن البشر هو في تحسن على الأقل من نواح مادية ومعنوية، وإن لم يكن من ناحية روحية أخلاقية في بعض المجتمعات. من الإنسان البدائي إلى العصر الحجري والبرونزي حتى العصر الزراعي وبناء مختلف الحضارات إلى الحضارة الإسلامية إلى العصر الصناعي والحضارة الغربية والعصر المعرفي المعلوماتي الحالي. هناك مسار يمكن أن يوصف بالتطور. في هذا المسار كانت الحروب جزءا طبيعيا من هذه المسيرة. كما أن الحرب العلمية والتكنولوجية للسيطرة على الطبيعة جزء آخر «كان ضروريا» لدفع عجلة التقدم. في هذا السياق يمكن القول إن الحرب كانت عنصرا طبيعيا في «صعود الإنسان».
على رأس هذه الحضارة اليوم ليس الإنسان فقط، ولكن هناك أعداد لا تحصى من المخلوقات. فالحيوانات لها صفات وخصائص مكنتها من الاستمرار، وبعضها انقرض. الباقون يمكنهم أن يعزوا بقاءهم إلى صفات معينة، كما أن الإنسان يعزو صعوده إلى قدرته العقلية. وكون الحرب -تاريخيا- عاملا مؤثرا في تقدم الإنسان ثقافيا فليس من الضروري افتراض أنها ستكون عنصرا إيجابيا في المستقبل.
في علم الجينات قد يحاول الإنسان خلق صلة بين السلوك الإنساني والجينات، لكن الحرب أو النزعة إلى الحرب هي مفهوم واسع ومتعدد العوامل، وحتى الصفات الشخصية التي لها علاقة بها مثل المنافسة والعنف والحاجة إلى التقدير لا يمكن إرجاعها إلى جين معين، وفي أفضل الحالات قد تكون نتيجة تفاعل جينات عديدة. لذلك من الصعب ربط النزعة القتالية بالجينات. 
طرح السؤال هل الحرب طبيعة بشرية، قد لا يمكن طرحه بشكل علمي. هذا يجعل ما قاله أوباما لا يستند إلى مرتكز علمي. لذلك يمكن طرح السؤال أخلاقيا بالقول هل من المقبول للإنسان أن يشن الحروب؟ المجتمعات البدائية القائمة على الصيد والتقاط الغذاء نظمت نفسها في مجموعات صغيرة بحثا عن الغذاء، وتتصارع مع الآخرين على الموارد المحدودة. لكن الثورة الزراعية وتوافر الغذاء غيَّرا من طبيعة هذا السلوك. ثم تبعت ذلك زيادة السكان، فضلا عن تقلبات الجو، أدى ذلك إلى حدوث مجاعة في بعض الحالات، أحد نتائجها القتال والحروب على المصادر والغذاء. 
لكن مصدر الحروب الحديثة قد يكون أكثر تعقيدا، ويقتصر على الإنسان فقط من دون الخلائق الأخرى. فبالإضافة إلى الشعور الفسيولوجي بالحاجة إلى الغذاء والموارد الأخرى والخوف من نقصها الذي قد يؤدي إلى النزاع والحروب بين المخلوقات، هناك عامل سيكولوجي مهم، هو الشعور بعدم الحصول على النصيب العادل من الغذاء أو الموارد، أو في العصر الحديث، من الثروة والسلطة التي يختص بها الإنسان. هذا الشعور السيكولوجي بالتمييز في حصة الغذاء أو في الامتيازات الأخرى كان سببا للعديد من الحروب الحديثة الأهلية وبين الدول. مثال رواندا في العصر الحديث. هذا العنصر يستند إلى ما ورد في فلسفة هيجل من أن للإنسان رغبات فسيولوجية ورغبات عقلية وحاجة سيكولوجية هي الحاجة إلى التقدير والاحترام، وأنه مستعد للتضحية بالنفس في سبيل كرامته أو دفاعا عن قناعاته ومعتقداته وحقوقه.
لذلك قد يكون من الممكن تفادي كثير من الصدامات والصراعات إذا تعاملنا نحن العرب مع هذا الشعور الإنساني الطبيعي من خلال عدالة التوزيع وعدالة الإصلاح، كما تعاملت معه أمم أخرى وحفظت مجتمعاتها من الصراعات الداخلية الدامية بتنظيم حياتها السياسية والاقتصادية على مبدأ المساواة والمشاركة وإيجاد قنوات لمعالجة الصراعات حضاريا. 
mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *