نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هل تصحو الأمة على فاجعة اللاجئين والمهاجرين 

  تاريخ النشر :٩ سبتمبر ٢٠١٥ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13683/article/41693.html

 يتوافد على أوروبا والغرب نوعان من العرب، النوع الأول هم اللاجئون العرب وفي مقدمتهم السوريون، والنوع الآخر السواح العرب، وفي مقدمتهم الخليجيون. النوعان قدما صورة عن العرب تعكس أوضاعا عربية متردية سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

 من جهة صورة الطفل التي هزت مشاعر العالم وأبرزت مأساة الشعوب العربية التي شردتها النزاعات والحروب نتيجة للصراعات السياسية الدائرة في المنطقة. هذه فقط صورة رمزية لمئات وآلاف من شبابنا العربي الذين لقوا نفس المصير في قوارب الموت هربا من حياة اليأس التي أوصلتهم إليها معظم أنظمتنا السياسية. الأوضاع التي نراها هي نتاج فشل الأنظمة العربية في تحقيق الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. يقول أحد القادة السياسيين إن ما حدث للطفل جدير بأن «يحتم محاسبة البشرية أجمع على ذلك». ولكن أليس أول هؤلاء هو القيادات السياسية والدينية التي حولت الوطن العربي الى ساحات صراع على الثروات والسلطة مستغلين في ذلك التعددية الثقافية والدينية والإثنية؟

 على مستوى الأمم المتحدة تحركت لجان التحقيق وأصدرت بيانات التنديد بسياسات الدول الأوروبية التي ترفض إدخال اللاجئين وجعلت من حياتهم جحيما، ومن وسائلهم لتفادي الإجراءات الحدودية قبورا متحركة كما حدث في فيينا (موت أكثر من سبعين لاجئا في ثلاجات نقل لحوم). كما أعربت جامعة الدول العربية المشلولة (باعتراف أمينها العام) عن أسفها لما يحدث للشعب السوري. وقال إن الجواب هو في حل المشاكل السياسية في سوريا، ونضيف ليس في سوريا فقط! الصورة حركت العالم وأوروبا بالذات لمواجهة أزمة اللاجئين، لكنها لم تحرك قياداتنا العربية على مواجهة أزماتنا التي تسببوا هم فيها على مدى نصف قرن.

 قد تكون سوريا هي مركز الاهتمام اليوم بسبب هذا النزاع المجنون، ولكنها قطعا ليست البلد الوحيد، فالعراق وليبيا وغيرها يصدرون لاجئين ومهاجرين الى الغرب من خيرة شبابها، لاجئين عربا يتقاطرون على الدول الأوروبية منذ ما يزيد على نصف قرن لأسباب متنوعة، لكنها نابعة من نفس الازمة، وهي الصراعات السياسية والتكالب على السلطة والتشبث بها بأي ثمن. 

 في ابريل الماضي قضى 850 مهاجرا غرقا في البحر المتوسط، هذه المأساة ابرزت قضية المهاجرين على السطح. وفق المنظمة العالمية للاجئين فإن 3500 مهاجر ماتوا في 2014، وفي النصف الأول من 2015 يزيد الموتى على ألفي شخص. وبنهاية 2014 بلغ عدد النازحين بسبب النزاعات 60 مليونا، معظمهم من الدول العربية. والمتقدمون للحصول على اللجوء السياسي في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015 بلغ 250 ألف مهاجر. 

 في الوقت الذي يحدث ذلك نجد ان السواح العرب والخليجيين يتدفقون على دول أوروبا حاملين معهم أموالا طائلة تحكي قصصا في البذخ والترف والإسراف سبقت عودتهم، كما صدرت عن بعضهم أنماط من السلوك غير المسؤول في النظافة والترتيب. كان يمكن ان تكون هذه الأموال مصدرا لتمويل تنمية تخفف عن الشعوب العربية مذلة الهجرة الى دول الغرب. إن مأساة اللاجئين السوريين خلال السنوات الأربع الماضية وكذلك اللاجئين من دول عربية أخرى طالتها موجات الربيع العربي تمثل جانبا واحدا فقط من مأساة الأزمات العربية. 

 الجانب الثاني والاشمل للمأساة هو ما يرويه السواح من قصص حول كثرة العرب من مختلف الجنسيات، المصرية والسودانية والسورية واللبنانية وغيرها، التي تعمل في مختلف قطاعات السياحة والإنتاج والتعليم والبحث العلمي. كان يمكن ان تكون هذه الكفاءات القوة المحركة لاقتصاد عربي لو أتيحت لهم الفرصة في بلدانهم. شردت القيادات المتعاقبة شباب الامة وأفرغتها من كثير من عقولها. كما يجري الآن إفراغ الامة من شباب مغامر مقدام لا يقبل الهزيمة كان يمكن ان يبني وطنه لكنه الآن يساهم في بناء قطاع الصناعات والاعمال في الدول الغربية. مثال على الشباب المكافح شاب سوري هاجر منذ خمس سنوات فقط الى أوروبا وتمكن خلال هذه الفترة من فتح محل خاص به وأصبح من رجال الاعمال الناشئين. إن ما يدفع هذه الأعداد الكبيرة الى الهجرة هو شح العيش وانتقاص الكرامة والخوف من الأنظمة السياسية وملاحقتها الأمنية والفكرية.

 أحد أسباب نجاح الدول الغربية ووصولها الى ما هي فيه من الرفاه والتقدم هو تحولها السياسي من فكرة الهيمنة والسيطرة على المجتمع الى فكرة إدارة شؤون المجتمع. أصبحت القيادات السياسية تتنافس على إدارة المجتمع وليس على سلب ثرواته. يتساءل الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه اثناء جولته الافريقية: «لماذا يريد القادة العرب الجلوس على كراسيهم الى الأبد؟» يقول: «أنا شاب وما زلت يمكنني أن أخدم ولكن حتما هناك شباب آخرون يستطيعون القيام بالمهمة». ويواصل بأن القائد الذي يعتقد انه الوحيد القادر على إدارة البلد هو قائد فاشل لأن مهمته خلق قيادات وليس خنقها. أما الرئيس أوباما فهو الآن يتطلع إلى قضاء وقت أكبر مع عائلته والتمتع بحريته بعيدا عن الإجراءات الأمنية الخانقة. هكذا ينظر القادة الغربيون الى السلطة، على أنها مهمة يؤدونها وينتهي أمرها بانقضاء مدة التكليف.

 بالإضافة الى مأساة اللاجئين ومأساة إفراغ المجتمعات من العقول يضاف إليهما المأساة التي تنتظر الامة بصعود جيل يتربى الآن على العنف والقتل والدمار والكراهية والتعصب الاعمى مع ضعف التعليم والتحصيل وفرص العمل.

 هل بعد ما حدث ويحدث تقتنع القيادات السياسية بضرورة إنهاء الصراع والتحول من عقلية الهيمنة على المجتمع والتمسك بالسلطة الى عقلية إدارة شؤون المجتمع وإدارة الاقتصاد وإدارة الثروة لمصلحة المواطنين والمجتمع ككل؟ وهل الثورة اللبنانية والعراقية الحالية هي تعبير عن نفاد صبر الشباب من الصراع السياسي بين الساسة وتسابقهم على الفساد والإفساد؟

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *