- هل طُبقت الشريعة الإسلامية في أي زمن؟
تاريخ النشر :٢٤ يونيو ٢٠١٥
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الأسبوع: الشريعة الإسلامية ليست شيء واحد تريد داعش او غيره حصرها فيه وانما هي حية تتطور مع تطور الحياة واضيفت اليها وتفرعت الى مذاهب وملل وما تزال. فأي شريعة تريد داعش تطبيقها. هذه فكر منحرف يحتكر حقيقة ضالة واحدة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13606/article/29309.html
في هذه الأيام التي يشتد الاحتدام بين من ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية الكاملة من قبل جماعات إسلامية أخذت على نفسها مسئولية هداية الناس جميعا بالقوة، وتصنيفهم بين مؤمن وكافر وملحد وزنديق، ووضع كل صنف في قفص هم صنعوه بأيدهم ما انزل الله به من سلطان،
هذه الجماعات من أمثال «داعش» والنصرة ومن يوالونهم يعتبرون الجميع قُصَّرا يحتاجون إلى الوصاية. هذه الجماعات أعادت الأمة الإسلامية إلى عصور الجاهلية بممارسات لا تنتمي إلى هذا العصر من سبي للنساء وذبح وتهديم آثار الحضارات السابقة. إلى هؤلاء نورد نقاشا جدليا قد لا يكون له معنى عملي في هذا الزمن بالنسبة لغالبية الناس ولكنه قد يكون مثيرا للتساؤل العقلي لدى من يصر على تطبيق الشريعة الكاملة على الجميع ويخضعهم بالقوة للإسلام بالرغم من الآيات الصريحة إلى تقول «لكم دينكم ولي دين».
كتب الصحفي المعروف أحمد بهاء الدين في جريدة الأهرام مقالا في عام 1987 يجادل فيه بأن الشريعة الإسلامية لم تطبق خلال جميع مراحل التاريخ الإسلامي، أثار هذا المقال ردود فعل كثيرة ونشرت هذه الردود في أكثر من صحيفة، اضطر الكاتب على أثرها إلى الرد مستشهدا برأي عدد من أساتذة الأزهر لتأكيد ان الشريعة لم تطبق كاملة في جميع مراحل التاريخ الإسلامي، وإنما طبقت في فترة محدودة هي عصر الرسول والخلفاء الراشدين. هذه المساندة من شيوخ الأزهر أشعرت الكاتب بالرضا وشكلت له سندا ضد المناوئين.
هذا المقال أثار حديثا حول موضوع يصفه المفكر محمد عابد الجابري بأنه عبثي «مزيف» لا فائدة ترجى من إثارته. لكن الجو المحموم والمشحون الذي كان يسود هو الذي أعطى هذا الموضوع ذلك الاهتمام. جوا طغت فيه العاطفة والانفعال على التروي والعقل. اتسم الجو بالرغبة في إفحام وقمع الخصم قبل ان ينهي كلامه ويثير هواجسه. هذا الوضع جعل الجابري يخص فقرة في كتابه «الدين والدولة وتطبيق الشريعة» يتحدث فيها عن قضية تطبيق الشريعة «كاملة»، ويعود هذا الجو المشحون اليوم بشكل أكثر سوأ، يجعلنا نكرر ما قال الجابري.
الشريعة لم تطبق «كاملة» في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لسبب بسيط وهو ان الشريعة لم تنزل دفعة واحدة، بل تم تطبيقها بحسب نزول القرآن، وهو مصدر التشريع الأول الذي لم يكتمل الا يوم نزول الآية الكريمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة 3)، أما المصدر الثاني للتشريع وهي السنة النبوية والتي شملت قولا أو فعلا أو إقرارا أثناء حياة الرسول وسيرته وسنته استمرت طيلة حياته عليه السلام. هذا يعني ان الشريعة لم تطبق تطبيقا «كاملا» وأن ما طبق منها هو ما نزل منها في كل مرحلة.
ويواصل بأن الشريعة لم تطبق زمن الخلفاء الراشدين كاملة كون الصحابة واجهوا مستجدات لم تكن قد ظهرت زمن النبي، فكان عليهم ان يجتهدوا ويناقشوا بعضها ويستشيروا ويختلفوا ويتصرفوا إما بإجماع وإما باجتهاد (الأصل الثالث والرابع للتشريع). لم تقف الشريعة عند نهاية حقبة الخلفاء الراشدين، بل ان الفقهاء من بعدهم أضافوا باجتهادهم وتفرقوا وتباينت الآراء، وكل حقبة وعصر ينتج فقهاء يضيفوا إلى الشريعة ويغنوها بتجاربهم وفهمهم المتجدد لمقاصد الشريعة ومصالح الإنسان. بالإضافة إلى ذلك تشعبت الشريعة وفق المذاهب والملل التي تولدت، وهي مازالت تغتني باجتهادات وتجارب المجتهدين وتتجدد بهما.
هذا يوصلنا إلى عدد من النتائج، النتيجة الأولى انه لا معنى للقول إن الشريعة طبقت «كاملة» في هذا العصر أو ذاك، فإن الشريعة هي في طور تجديد واختلاف وهي تكتمل باستمرار مع حياة البشر. من هذه الناحية فإن ما يطبق من الشريعة هو تطبيق نسبي يزداد اتساعا وفق الظروف والتجارب. النتيجة الثانية هي ان الظروف المجتمعية التي مرت بها الأمة أثرت على الشريعة وأحكامها ونسخ بعض الأحكام، مما جعلها شريعة حية وليست جامدة تتعامل مع واقع الإنسان، بدليل الناسخ والمنسوخ ودليل اختلاف الصحابة في فهمهم واجتهادهم نذكر منها قرار تقسيم الغنائم واختلاف تطبيق حد السرقة وغيرها.
النتيجة الثالثة هي ان كثيرا من المسلمين اقرهم الرسول على إسلامهم بمجرد نطق الشهادة ومن ثم بدأ في تعليمهم أصول دينهم ولا يوجد من يؤكد بقائهم على عقيدتهم بل قد تكون انتهازية ونفاقا، ولم يتم قتلهم أو التنكيل بهم. فهل هذه القبائل التي أسلمت حديثا طبقت الشريعة كما يطبقها الرسول في المدينة؟ وحتى أيام الخلفاء الراشدين وما قاموا به من فتوح ودخول الناس في الدين لم يكن دينهم خالصا ولا تطبيقهم للشريعة كما يفهمهما الخلفاء، ومع ذلك لم يتم معاملتهم على أنهم كفار. هذا لا يعني ان سلوكهم صحيح ولكن القصد هو ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يعلم بهم ولم يتعامل معهم على أنهم منافقون أو مرتدون. لنتعلم من وساعة الإسلام وتنوعه.
أما النتيجة الرابعة التي نستشفها من الجدل حول الحكم وفق الشريعة الإسلامية فهي تأتي على مستويين. المستوى الأول ما تدعيه الجماعات الإسلامية من ضرورة تطبيق الشريعة وفق ما يقرون ويرون هم من دون النظر إلى التنوع والغنى والتعدد في فهم الشريعة. ثانيا حصر الشريعة في إقامة الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني وقتل القاتل وحصرها في الإرث والطلاق والزواج، وإغفال أي ذكر للغاية الأساسية من الدين والشريعة وهي القسط والحق والعدل والمساواة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يمنع تبديد ثروات الشعوب والانفراد بالسلطة وتوريثها وامتهان حقوق الإنسان. فأين نحن من هذا الدين؟