نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 هل قمة القدس كانت على قدر التوقعات؟

اذا اخذنا توقعات الشعوب العربية على انها معيار نجاح القمة فان القمة قد نجحت لان الشعوب لم تكن تتوقع أي قرارات مؤثرة وفاعلة تعالج الكم الهائل من الإخفاقات والمشاكل التي تعاني منها الامة العربية. مع ذلك نقول ان هذه القمة نجحت في ايراد عن بعض المعالجات، وسوف نبرز اهمها من خلال قراءة بعض الفقرات المحورية. 

تؤكد الافتتاحية على “أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة واسس متينة تحمي امننا من الاخطار المحدقة بها وتصون الامن والاستقرار وتؤمن مستقبلا مشرقا واحدا يحمل الامل والرخاء للأجيال القادمة وتسهم في إعادة الامل لشعوبنا العربية التي عانت ويلات الربيع العربي وما تبعه من احداث وتحولات كان لها الأثر البالغ في انهاك جسد الامة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق” 

هذه المقدمة مفرطة في التفاؤل وتنطوي على الكثير من القضايا والاحباطات حتى في الصياغة وفي الافتراضات التي بنت عليها. فمثلا اول هذه القضايا هي “تعزيز العمل المشترك”. تعزيز تعني ان هناك عمل مشترك وهذه القمة تؤكد على هذا العمل. لكن الواقع ان الشعوب تقول بانه لا يوجد أصلا عملا مشتركا يمكن تعزيزه. ما تراه الشعوب هو ان الدول العربية في تناحر بعضها مع البعض على قضايا هامشية تخص الحكام اكثر مما تخص الشعوب والدول.. 

القضية الثانية التي تثيرها المقدمة المتفائلة تقول بان العمل المشترك هذا يقوم على منهجية واضحة واسس متينة تحمي امتنا من الاخطار وتصون الامن والاستقرار وتؤمن مستقبلا مشرقا واحدا يحمل الامل والرخاء للأجيال القادمة. اين هي المنهجية الواضحة لحماية امتنا. ما تراه الشعوب ان كثير من الدول العربية تنهار وتتشظى، ودخلت في حروب أهلية مستمرة لأكثر من سبع سنوات. وقبل هذه الحروب كانت الشعوب ترزح تحت أنظمة دكتاتورية متسلطة دفعت بالشعوب الى حافة الهاوية مما اضطرها الى الخروج بالملايين مطالبة بالعيش والعدالة والكرامة الإنسانية. فأي منهجية هذه واي مستقبل واستقرار يتحدث عنه القادة العرب. 

القضية الثالثة التي تثيرها هذه المقدمة هي ان تفترض بان الدول العربية انهكتها الاحداث منذ الربيع العربي. السؤال: هل كانت الدول العربية قبل الربيع العربي في عز اوجها ورخائها واستقراها، هل كانت الدول العربية قبل الربيع العربي دول متقدمة ينعم فيها المواطن بالرخاء، وهل كان الشباب يحصل على العمل والتعليم والفرص المتكافئة في الوظائف والعيش الكريم. ما انهك الامة هي سوء إدارة الدول العربية لثرواتها وامكانياتها وقتل روح الابداع والابتكار في شبابها والزج بالكثير منهم في السجون والغربة. وهذه ليست مصادفة ظرفية كما تقول الفقرة التي تليها بل انها نتيجة لتغييب رأي الشعب وتهميشه والاستحواذ على الثروات ورفض مشاركة الشعوب في القرار وفي صنع مستقبله. ان تحميل كل هذه الأخطاء على المخططات التي تحاك ضد الامة هو تملص من المسئولية. من الذي يحيك المؤامرات. اذا كان الغرب فجميع الدول العربية تتسابق لنيل رضاه وتخطب وده. كيف للشعوب ان تفسر هذه العبارات المتضاربة في البيان؟

اما الطامة الكبرى في البيان وفي معظم البيانات السابقة هي الموقف من القضية الفلسطينية التي أصبحت كليشيه ثابته في جميع البيانات. كون القضية هي قضية مركزية فهذا لا شك فيه، والتأكيد على السلام الشامل لا يغير من الواقع شيئا والعدو الصهيوني اصبح يدرك ما تعنيه هذه العبارة، وهو ان القيادات العربية مازالت تفقد الإرادة للتحرك نحو حل حقيقي وعادل ينصف الفلسطينيين ويعيد للامة كرامتها. 

اما فيما يتعلق بالتدخلات الخارجية في الدول العربية فهذا بطبيعة الحال مرفوض وقد اكد البيان على ذلك ولكن هل هذا يكفي؟ التدخلات في شئون الدول بشكل عام هو نتيجة إخفاقات في التعامل مع الشعوب وترك ثغرات يدخل منها المغرضون. يتوجب على الدول العربية ان تعالج ذلك بعمق اكثر من مجرد الرفض، يحتاج الى اغلاق جميع الثغرات الممكن الدخول منها. وهذا يتطلب تحول في إدارة الشأن الداخلي ومعالجة التحديات الداخلية التي تواجه المجتمعات بمختلف فئاته العمرية والعقائدية والاثنية وتركيباته السياسية والاقتصادية. 

من إيجابيات البيان ما ورد من معالجة في الفقرة (16) التي تخص العراق حيث قال البيان، “نؤكد على إعادة الامن والأمان الى العراق وتحقيق المصالحة الوطنية عبر تفعيل عملية سياسية تفضي الى العدل والمساواة وصولا الى عراق امن ومستقر”. هذه الفقرة ينبغي ان لا تقتصر على العراق بل ان تشمل كثير من الدول التي تعاني من احداث الربيع العربي ونتائجه على المجتمعات. في هذه الفقرة تكمن جوهر الإصلاح، فهي تشترط تحقيق المصالحة الوطنية لتحقيق الامن والاستقرار، وترى الفقرة ان ذلك يحتاج الى عملية سياسية تحقق العدل والمساواة. هذا ما طالبت به الشعوب ومازالت تطالب به وتكمن فيه معالجة حتى التدخلات الخارجية التي تتعرض لها دولنا العربية. السؤال الان كيف يمكن تفعيل هذه العملية السياسية وما هو مضمون هذه العملية وعلى ماذا ترتكز؟ 

تواجه الدول العربية تحديات أخرى وهذا البيان لا يكفي لمعالجتها. مطلوب خطوات عملية تخرج الامة من كبوتها. التحدي الكبير الذي تواجهها دولنا هو ما ورد في الفقرة 18 فيما يتعلق بالشأن الليبي وهو الإرهاب. غير ان الإرهاب لا يقتصر على ليبيا بل تتعرض له دول عربية كثيرة ودول إسلامية ووصل الى مختلف ارجاء العالم. وُصمت دولا عربية بشكل خاص باحتضان الإرهاب وأخرى بتغذيته ودعمه فكريا. صحيح ان البيان اقر بان للإرهاب أسباب وهذا صحيح ولكن التصدي له ودحره ليست عملية عسكرية ولا سياسية بحته بل انها كذلك عملية ثقافية ودينية وتنموية. ومعالجتها يحتاج الى معالجة شاملة تطال جميع هذه الجوانب بنفس القدر من الاهتمام. نتمنى ان يلتفت القادة العرب لعملية إصلاحية تحقق دلالات ما ورد في الفقرة (16) والفقرة (18) ووضع منهجية وبرنامج عمل للمسير فيها.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *