نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هل نحن بحاجة إلى إنشاء هيئة للاستثمار؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٧ يونيو ٢٠٢٠ – 02:00

على اثر مقالنا السابق (27-5-2020 أخبار الخليج) حول قانون «تشجيع وحماية الاستثمار» المعروض على مجلس النواب وطرحنا فيه تساؤلات مثل ما هي التوجهات التي سيتم التركيز عليها في هذا القانون؟ وكيف سيسهم القانون في دمج مجتمع الأعمال مع الجامعات والحكومة لخلق منظومة ابتكار ومنظومة ريادة وبيئة استثمارية جاذبة؟ وماذا سيكون دور الدولة في ذلك؟ دار نقاش مع احد المعنيين في المجلس، وطرحنا عليه السؤال إذا ما كان القانون سوف يجيب عن التساؤلات أعلاه ويحقق النظرة الشاملة للاستثمار في ضوء المنظور التنموي الشامل؟ فأفاد بأن هناك حاجة لقانون آخر ينشئ «هيئة للاستثمار» تقوم بالمهام الواردة في المقال وغيرها. فهل فعلا نحتاج إلى جهاز آخر يضع أعباء على الميزانية؟ 

هناك حاجة الى نظرة شمولية لما تحتاجه البلد وليس فقط ما يحتاج إليه المستثمر (الأجنبي). نحن بحاجة إلى استراتيجية تمهد البيئة المناسبة والانفتاح والمساءلة والشفافية الكفيلة ليطمأن المستثمر (الداخلي والأجنبي) وزرع الأمل في المواطن الباحث عن عمل وغرس الثقة لدى الأهل وأولياء الأمور في مستقبل أبنائهم. نحن بحاجة إلى وضع معايير تقييم لنتائج الاستثمار تعزز هذه المطالب وتحديد مؤشرات تقييم لمتابعة التقدم. نحن بحاجة إلى ان نجعل هذه المعلومات متوافرة للمجتمع ليساهم في القرار ويحاسب على النتائج. نحن بحاجة إلى مراجعة سياساتنا الاستثمارية والصناعية والتكنولوجية والتجارية لنضع بها الخطوط العريضة لنوعية الاستثمار ونوعية البيئة المناسبة. فكيف سيتعامل القانون مع ذلك؟ هل الجواب في إنشاء هيئة عامة للاستثمار؟ 

على اثر طرح مسودة القانون أصدرت كل من وزارة التجارة ومجلس التنمية الاقتصادية والبنك المركزي وغرفة التجارة بيانا يرفضون فيه صدور قانون الاستثمار بصيغته المعروضة على مجلس والنواب. ترى وزارة التجارة ان تحديد حد ادنى للاستثمار قد يضر بتقييم البحرين في مؤشر التنافسية وبدء الأعمال حيث إن ذلك يعد من معوقات الاستثمار. اما حول الأنشطة المفتوحة للأجانب، فهذا خاضع لتحديث دوري وفق «متطلبات واحتياجات السوق». في حين رأى البنك المركزي انه لا داعي

هناك حزمة من القوانين تهدف إلى إيجاد مناخ مناسب للاستثمار تلبي كافة الاحتياجات الدولية.

بالنسبة الى غرفة التجارة فإنها ترى دراسة القانون للتأكد من عدم تناقضه مع قوانين أخرى. وهذا يعزز ما نذهب إليه بشأن أهمية وضرورة وجود جهة محددة تكون مسؤولة عن الاستثمار وهي الجهة التي تقوم بدراسة هذه القوانين مع غرفة التجارة وتبرز جوانب التعارض. 

تستند معارضة مجلس التنمية الاقتصادية إلى أمرين، الأول ضرورة المحافظة على المزايا التفضيلية التي يقدمها للمستثمر وخشيته من تأثرها بهذا القانون المقترح. والأمر الثاني ضرورة توحيد السياسات الضريبية في دول مجلس التعاون والا تنفرد البحرين في فرض أو تخفيف الضرائب. والأمران مفهومان ومقدران لكنه ذكر إجراءات لتحفيز الريادة في تأسيس الأعمال. ونرى ان هذا التوجه مهم ومفيد ان يُدرس بشكل أكثر تفصيلا للوقوف على كيفية تحفيز الريادة والتي نرى أنها الحلقة المنشودة في منظومة التحول نحو الاقتصاد المعرفي، وهنا تأتي أهمية دور مجلس التنمية في اخذ زمام المبادرة لخلق مثل هذه القاعدة الريادية (منظومة الريادة الوطنية). وهناك تجارب يمكن الاستفادة منها في دول شرق آسيا وأوروبا وأمريكا.

القضية ليست في الحاجة إلى قانون من عدمه، القضية في من هي الجهة المسؤولة عن النتائج؟ وما هي الأهداف والغايات الاستثمارية الوطنية الكبرى؟ وهل لدينا السياسات والمؤسسات القادرة على تحقيق نتائج وتحدث تحويل الاستثمارات إلى مشاريع ريادية؟ وهل تتوافر لدينا القدرات المؤسساتية القادرة على نقل واستيعاب المعرفة العلمية والتكنولوجية، وهل تتوافر المهارات الريادية القادرة على خلق اقتصاد ديناميك متطور. وهل لدينا القدرة على تدريب وإعادة تدريب العمالة الوطنية؟ 

هذه الأسئلة تستوجب وجود جهة واحدة تكون مسؤولة وتضع السياسات الصناعية والتجارة والتقنية اللازمة، والأطر العامة للاستثمار، وإيجاد المؤسسات الكفيلة بخلق البيئة المناسبة والصحية ليس فقط لجلب الاستثمار، ولكن لتكوين القدرات والاستعداد للاستفادة مما ينقله هذا الاستثمار من معارف وتكنولوجيا. أي الاهتمام بقدراتنا الاستيعابية للاستفادة من التكنولوجيا ومن الفرص التجارية. وهذا يحتاج إلى قيادة من الدولة لخلق الريادة وانعاشها. متطلبات الريادة وما تفرضه من مخاطرة غير متوافر في ثقافة مجتمع الأعمال الحالية. ثقافة الريع لا تنتج قدرات ريادية على مستوى يستطيع ان يستفيد من الفرص والإمكانات. الفكر السائد هو كيفية توزيع الريع وما هو نصيبي منه، وتنمية القدرات في كيفية الحصول على المشاريع الريعية. اما الإبداع والابتكار والريادة (وهي القدرات الاستيعابية) فهذا ما يحتاج إلى جهة تكون مسؤولة عن تكوينه.

قد تكون القدرات موجودة ولكن عندما يجري الحديث عن استقطاب الاستثمار الأجنبي على مدى عشرين سنة وننظر اليوم إلى واقع فرص العمل وعدم قدرة السوق على استيعاب أبنائنا في مجالات العمل المختلفة، نتطلع إلى تحقيق الأفضل؟ وبالضرورة نطرح التساؤلات؟ وكيف نصل إلى الإجابات ونضع العلاجات التي يستشعرها المواطن ليس في التصريحات ولكن في نتائج على الأرض تترجم في فرص عمل ومستوى معيشة جيد ومستقر لا يعتمد على النفط وعلى التوظيف في مؤسسات الدولة.

mkuwaiti@batelco.com.bhلقانون لأن الأهداف متحققة على ارض الواقع بدليل استقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات الماضية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *