نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل يمكن للسياحة أن تكون البديل عن النفط؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٤ فبراير ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- السياحة عامل مساعد في الناتج المحلي وليس بديلا عن النفط. ما زالت الحاجة ماسة لبناء اقتصاد مستقل عن النفط فكيف سيتم؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13851/article/8493.html


بعد انخفاض سعر النفط بدأ الحديث عن السياحة من قبل الكثير من المسؤولين ووسائل الاعلام. ومع يقيننا بأنه لا أحد يعيش أوهاما بأن السياحة يمكن ان تعوض عن إيرادات النفط، نقول إنه يمكن أن تكون السياحة عنصرا مساعدا في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل مجزية ومتنوعة، كما انها يمكن ان توفر متنفسا سياحيا للمواطنين داخل بلادهم يغنيهم عن الإنفاق خارج البلد. لكن السؤال: هل بقي لدينا مقومات سياحية يمكن التعويل عليها؟ وما سبب ذلك؟ وهل المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكنها الاستفادة من هذه المقومات؟


في مقابلة مع الأستاذ علي صليبيخ (أخبار الخليج 9/2/2016) تحدث خلالها عن بعض مشاكل القطاع السياحي ملقيا الضوء على بعض أسباب تعثر هذا القطاع المهم. يقول: بدأ الاهتمام بالسياحة منذ الستينيات من القرن الماضي بإنشاء المتاحف والآثار، وكذلك إنشاء المنتجعات والمجمعات والمنتزهات العامة، والاهتمام بجوانب الترفية لتناسب مختلف الأذواق والتوجهات مثل الندوات والمؤتمرات والمعارض والسياحة العلاجية والتعليمية. أما الآن فقد فقدنا الكثير من هذه الامتيازات مثل التعليم الذي تعثر بسبب بعض سياسات وزارة التعليم وعدم قدرتها على مراقبة الجامعات الخاصة بصورة شاملة، الأمر الذي أدى إلى الإضرار بسمعة التعليم الجامعي الخاص، وفقدت البحرين نسبيا بعض المزايا التي كانت تتمتع بها في السياحة العلاجية بالرغم من محدوديتها. 


اليوم يواجه التسويق للسياحة مشكلة فقدان التنوع المطلوب، فالمنتجات السياحية غير متوافرة والسواحل المعلن عنها في بعض الكتيبات لا توجد على ارض الواقع. كما ان القرارات والتشريعات المفاجئة تربك عملية السياحة وتنظيمها. أضف إلى ذلك عدم وجود الخطط والبرامج المناسبة. نحن مازلنا لم نقرر، هل ندير السياحة من خلال وزارة، أم هيئة أم مجلس أعلى؟ وخيارنا في أي توجه نسلك مرهون بالحاجة إلى فتح شواغر لمناصب وليس لما يفرضه بالضرورة حسن إدارة قطاع السياحة. كذلك هناك عوامل أخرى تؤثر في السياحة مثل قوانين الاقامة والهجرة والصحة وتوافر المواصلات وغيرها.


يرى الأستاذ صليبيخ ان إدارة وتنظيم النشاط السياحي يمثل عنصرا حاسما في عملية النهوض بالسياحة. ويحدد دور الدولة في تنمية هذا القطاع في اربعة جوانب هي وضع السياسة السياحية، والتخطيط الواقعي لتطبيق السياسات، إدراج السياحة في برامج التنمية، والتنظيم ووضع الهياكل الادارية لها. ويضيف أنه منذ السبعينيات لم يتم تنفيذ محاولات الإدارات المتعاقبة في إحياء السياحة الداخلية ولم يتم تنفيذ توصياتها، بل ما حدث هو إضعاف هذه السياحة بعد ان تم تحويل السواحل إلى املاك خاصة. كما ان توصيات المؤتمرات التي عقدتها الادارات المختلفة تصطدم بمركزية القرار في الوزارة ولا يتم تطبيقها في البحرين بل يتم تطبيق مثل هذه التوصيات عمليا في دبي.
ما يطرحه الأستاذ صليبيخ يوضح عددا من القضايا. القضية الأولى: أن هناك مركزية كبيرة في اتخاذ القرار تفقد المسؤولين المباشرين قدرة على تحويل الافكار إلى نتائج على الارض، أي ان هناك قصورا إداريا وفجوة بين القائمين على النشاط الاقتصادي ومساعيهم في الترويج وفي طرح الاقتراحات والدراسات والتوصيات، وبين تحويل هذه النتائج إلى قرارات عملية تطبق على الارض لتحويل السياحة إلى عنصر مساهم في الاقتصاد. احد اسباب عدم القدرة على التطبيق هو ان مقومات السياحة لا تخضع لقرارات المسؤولين في السياحة، فمثلا السواحل والجزر التي هي عماد السياحة العائلية تم تحويلها إلى املاك خاصة بقرارات لا يملك جهاز السياحة قدرة على التأثير فيها مهما كانت تسميته (هيئة أو وزارة أو مجلس أعلى). 


الامر الثاني هو ان ما يطرحه الاستاذ صليبيخ مثل القصور القيادي والاداري المتمثل في غياب الرؤية وضعف التنظيم الاداري يمكن ان ينطبق على اقتصاد المعرفة والصناعة والزراعة والحياة البحرية وقطاعات اخرى. أي أن هناك فجوة بين العاملين في الميدان وبين متخذي القرارات، وهناك نقص في الصلاحيات. منذ اربعين سنة والتصريحات حول السياحة متضاربة والرؤى مختلفة بين المسؤولين من جهة والعاملين في السياحة من جهة اخرى. ان وضع السياسات والرؤى السياحية بشكل خاص والتنموية بشكل عام هي مسؤولية السلطة التنفيذية بالدرجة الاولى والاجهزة القائمة على القطاع. المشكلة الحقيقية هي ان تعيين القيادات في اي قطاع لا يتم غالبا وفق كفاءة ومعرفة بقطاع السياحة ولكن للاسف تتدخل اعتبارات اخرى في قرارات التعيين اقلها ضررا المحاباة والمحسوبية.
الأمر الثالث هو محاولة تحميل النواب سبب القصور في قطاع السياحة. صحيح ان مجلس النواب ناقش الموضوع، كما يتم في كل مجتمع، وقد استغل البعض ذلك للتشويق والاثارة وكسب تأييد فئة من المجتمع. لكن ذلك لا يمثل «اهم المعوقات ولا يعبر عن وجود تصادم وتناقضات ثقافية واجتماعية بين متطلبات السياحة والقيم المجتمعية». النواب لم يدخلوا الساحة الا منذ 2002، بينما ما يحدث من قصور إداري وتنظيمي وتحويل السواحل والجزر إلى املاك خاصة مضى عليه اكثر من هذه المدة الزمنية. وقد يكون تحميل النواب سبب القصور في السياحة وفي إدارة الاقتصاد بشكل عام يخدم بعض المصالح. 


يطرح السيد صليبيخ عددا من الاسئلة حول السياحة اهمها هل نحن مهيئون لإيجاد بيئة سياحية منفتحة؟ وهل يمكن للسياحة أو أي قطاع اخر، ان يكون البديل عن النفط من دون إحداث تغييرات هيكلية في عملية اتخاذ القرارات المحورية بما في ذلك دور المجلس النيابي ومنظمات المجتمع المدني والحوار المجتمعي المنفتح على جميع الاحتمالات؟ ان المشكلة ليست في السياحة بل في كيفية ادارة الانشطة الاقتصادية وإدارة الدولة للموارد بشكل عام. أما تحويل السياحة إلى وزارة الصناعة والتجارة فربما لن يغير من الأمر شيئا. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *