نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل ينجح اصلاح سوق العمل؟

تاريخ النشر : 28 مايو 2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في مجلس النائب عبدالرحمن بومجيد تعرض الرئيس التنفيذي لصندوق العمل (تمكين) المهندس عبدالاله القاسمي للمشروعات التي يقدمها الصندوق لمجتمع الاعمال في البحرين وبالذات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (يوم السبت 16 مايو). فهي تقوم بتوفير التمويل لرفع الكفاءة الانتاجية من خلال توفير تمويل لشراء المعدات وتطوير الجانب الاداري والمحاسبي للمؤسسة وتوفير الاستشارة الادارية. بالاضافة الى ذلك فهي تقوم بتدريب خريجي الجامعات لتؤهلهم لشغل وظائف في القطاع الخاص، وقد حققت نتائج طيبة.

كذلك في يوم الثلاثاء 19 مايو، وفي جمعية المهندسين، نظمت جمعية الاقتصاديين ندوة حول اصلاح سوق العمل شارك فيها السيد على رضي الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل ورجل الاعمال السيد عادل المسقطي النائب الثاني لرئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين. استعرض السيد على رضي مسيرة الهيئة والاهداف التي تسعى اليها وما قدمته من تسهيل في اجراءات استقدام العمالة الوافدة. وهنا كذلك يمكن الاشارة الى جمعلة من النجاحات التي قدمتها الهيئة في تسهيل عملية جلب العمالة وتنظيمها في موقع واحد. ولكن نتساءل ماهو هدف هذه الهيئة هل هو توفير التمويل لصندوق العمل (تمكين) ام السيطرة على اعداد العمالة الوافدة وتقليلها، ام انها تهدف لجعل المنافسة بين البحريني والوافد متساوية؟

في مداخلة السيد عادل المسقطي ذكَّر الحضور بالهدف الذي ادى الى إيجاد هتين الهيئتين وهو ارتفاع مستوى البطالة. فقد حذرت دراسة مكنزي من تفاقم البطالة التي بلغت حينها (عام 2004) 14% في بعض التقديرات. وعزت دراست مكنزي ذلك الى عدم تكافؤ المنافسة بين البحريني والاجنبي بالاضافة الى نقص في التأهيل والتدريب وثقافة العمل، واقترحت رفع كلفة العامل الوافد عن طريق فرض رسوم تقدر بحوالي مائة دينار شهريا. ويبين الاستاذ عادل بان الخطأ كان التركيز على سوق العمل بدلا من الاقتصاد والتعليم. نتفق مع تحليل الاستاذ عادل وقد بينا موقفنا في ورقة قدمناها للجهات المعنية توضح بان دراسة مكنزي اغفلت جوانب عدة مؤثرة تتلخص في اربع محاور هي اصلاح التعليم والاقتصاد بحيث يصبح اقتصاد معرفي انتاجي وليس عقاري، واصلاح اداري واصلاح سياسي وعندها لن نحتاج الى اصلاح سوق العمل. اما وقد بدأنا باصلاح سوق العمل فماهي النتائج؟

يقول الاستاذ على رضي بان معدلات تدفق العمالة الوافدة ازدادت في البحرين، وتوظيف الاجانب يفوق توظيف البحرينيين بثلاث مرات. وان البحرنة اصبحت متدنية اكثر من اي وقت مضى (اخبار الخليج 22 مارس 2009). هذا لا يدل على نجاحات في الاهداف وان كانت هناك نجاحات في الاجراءات. ويؤكد ذلك على ان العلاج الذي نتوخاه من هيئة تنظيم سوق العمل وتمكين لن يحقق رفع القدرة التنافسية للبحريني بالشكل الكافي ونحتاج الى جهود جهات اخرى منها مجلس التنمية والحكومة بشكل عام والتعليم العام والعالي بشكل خاص. ولا يمكن تحميل الهيئتين مسئولية تحقيق نتائج ليست في متناولها مادام الاقتصاد يخلق فرص عمل للاجانب بسبب التركيز على الانشاءات. 

ان الاعتماد على القطاع الخاص في تحفيز الاقتصاد يبدوا منطقيا في ظروف تختلف عن الظروف التي تسود في الخليج. فبحسب الرؤية الاقتصادية 2030 تسعى الحكومة نحو الاقتصاد المعرفي. هذا التحول يحتاج الى استثمارات كبيرة في مجالات البحث والتطوير، وهذه متوفرة للدولة اكثر منها للقطاع الخاص. ان ما نراه الى الان هو ان مجلس التنمية ينادي “بتفاؤل مفرط” في جعل القطاع الخاص محرك للاقتصاد. يقول الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية ان “طموحنا هو أن نضع دول مجلس التعاون الخليجي في المرتبة الثالثة (بعد الصين والهند) حتى يصبح حديث الناس عن الهند والصين ومنطقة الخليج أيضا. إننا نسعى إلى تنمية حصصنا جميعا، فالأمر برمته يدور حول التحول إلى لاعبين أكبر حجما في الساحة العالمية.” (اخبار الخيج 22-5-2009) ونتساءل كيف سيكون هذا التحول؟ وهل التمنيات تكفي؟

ان الجهد الذي تبذله تمكين بالرغم من كونه جهدا مشكورا الا انه لا يكفي لتحويل المؤسسات الى مؤسسات تقوم على انتاج المعرفة واستغلالها في رفع الكفاءة الانتاجية. فهي تقدم الدعم ل 1400 مؤسسة فقط من بين 60,000 مؤسسة، ويعزو الرئيس التنفيذي لتمكين ذلك الى نقص الموازنة (الوسط 21 مايو 2009 ). وبالاضافة الى نقص التمويل، فان الامر يحتاج الى اعادة النظر في قدرة القطاع الخاص على إحداث هذا التحول دون مساهمة الحكومة ممثلة في مجلس التنمية بضخ اموال في البحث والتطوير وخلق صناعات استراتيجية وتوفير القيادة والمبادرة. ان تاريخ رجال الاعمال في البحرين والخليج بشكل عام هو تاريخ تجاري قائم على اعتمادهم على توريد البضائع وبيعها للحكومة او للمؤسسات الكبيرة مثل بابكو وغيرها لتحقيق الربح السريع. بينما تنمية الاقتصاد وتحويله الى اقتصاد معرفي منتج يحتاج الى عقلية مستعدة للانتظار سنوات قبل تحقيق ارباح. ومالم يتم ذلك فان البحريني سوف لن يجد العمل المناسب وسيبقى القطاع السائد هو العقار والانشاءات، مما يزيد اعداد العمالة الوافدة التي بلغت 540 الف عامل. 

من هنا نقول باننا في أمس الحاجة اليوم وقبل فوات الاوان لوضع استراتيجية للبحث العلمي والتطوير تنفذ بتمويل حكومي تهدف الى التحول نحو اقتصاد معرفي انتاجي قادرا على خلق فرص عمل للمهندسين والباحثين والعلماء وخريجي الجامعات، وان تشمل الاستراتيجية تحفيز الطلبة على الاقبال على التخصصات العلمية. أما التمنيات والتفاؤل لوحدهما لا تكفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *