هيئة الجودة و تقييم التعليم عن بعد ومستقبله
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٠ مايو ٢٠٢٠ – 02:00
بادرت هيئة الجودة منذ 28 ابريل الماضي بتقييم التعليم عن بعد في المدارس الخاصة والعامة، وهذه خطوة مباركة للهيئة على ضوء ما أثير من نقاش حول دور وزارة التربية في التعليم عن بعد والفرق بينه وبين أداء المدارس الخاصة التي أظهرت استعدادا واستجابة وسرعة في تنفيذ التعليم عن بعد. في هذه المرحلة الأولى سيتم تقييم الدروس المقدمة عبر الفصول الافتراضية والاطلاع على عمليات التعليم والتفاعل والمشاركة بين الطلبة والمعلمين، وكذلك الوقوف على مستويات الدعم المقدم لهم خلال هذه الحصص. وتنوي الهيئة رصد الممارسات الجيدة ونشر قصص النجاح للمدارس الحكومية والخاصة. كما تم توزيع استمارات على جميع المدارس تستوضح ما قامت به المدارس بشأن تفعيل تطبيق التعليم عن بعد. وهذه بادرة تحسب للهيئة نتمنى أن تخرج بنتائج ترفع من مستوى التعليم عن بعد. وبهذه المناسبة نطرح عددا من التساؤلات التي قد تفيد شمولية التقييم.
في المؤتمر الاستثنائي الافتراضي لوزراء التربية في الدول الأعضاء في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (اسيسكو) المنعقد في 14 مايو 2020 بين سعادة وزير التربية والتعليم أن الوزارة استطاعت توظيف هذه البوابة لضمان عدم تأثر العملية التعليمية واستدامة تعلم الطلبة وتقييم أعمالهم. وبين أن المحتوى الرقمي متوافر للطلبة على أكثر من وسيلة (قنوات اليوتيوب والتلفزيون).
في الجلسة الحوارية الوزارية حول «الاستثمار في إصلاحات تكنولوجيا المعلومات والاتصال المبتكرة في مجال التعليم» الذي حضره وزير التربية في اجتماعات القمة الوزارية في مصر ضمن «قمة الابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2018» والمنعقدة في 31 يوليو 2018، بيّن الوزير استعداد الوزارة في مجال التعليم عن بعد، فذكر بأنه تم تدريب 5500 مدرس على نظام التعليم عن بعد ضمن مشروع مدارس المستقبل (البوابة التعليمية). وأضاف أنه «تم استحداث وظيفة اختصاصي تكنولوجيا التعليم في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتدريب المعلمين واختصاصيي الإشراف التربوي على معايير وأساليب دمج التقنية في التعليم وخصوصا معايير ISTE العالمية».
هذه التصريحات تبين أن الوزارة كانت على استعداد لتوظيف التعليم عن بعد منذ 2018، غير أن ما حدث هو أن المدارس الخاصة استطاعت أن تقوم بالتعليم عن بعد منذ اليوم الأول تقريبا من تعليق التعليم في المدارس وكذلك تمكنت جامعة البحرين من تطبيق التعليم عن بعد بسرعة مماثلة، بينما تأخرت المدارس الحكومية عن ذلك بمدة واضطرت الوزارة إلى حشد الكثير من الإمكانيات والجهد لكي تبدأ الدروس الالكترونية عن بعد.
هذا يستوجب التساؤل حول جاهزية مشروع مدارس المستقبل. لذلك نرى أن يكون هذا المشروع ضمن التقييم والوقوف على أسباب تأخره في تلبية الحاجة في الوقت المطلوب، على أن يبين التقييم مدى قدرة هذا النظام على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلبة للعمل في نفس الوقت تقريبا؟ وهل أولياء الأمور قادرون على تلبية متطلبات التعليم عن بعد لأبنائهم؟ وهل الطلبة لديهم القدرة على العمل بشكل مستقل في المنزل؟ والأهم من كل ذلك هل المحتوى الالكتروني (the e-Content) جاهز وبالمستوى المطلوب؟ وكيف سيدعم هذا المشروع التعليم بعد مرحلة تعليق الدراسة؟
كما قامت الوزارة بتطوير منصتها للتعليم الالكتروني (e learning platform) فما مدى نجاح هذه المنصة؟ وكيف تمت الاستفادة منها في فترة تعليق الدراسة؟ على أن يكون التقييم يشمل رأي المستخدمين، الطلبة والمدرسين. وهل العائلات مستعدون لخوض تجربة التعليم عن بعد ومساعدة أبنائهم فنيا ومعرفيا وخصوصا الصغار منهم، أم إن الطالب يمكن أن يعمل مستغنيا عن مساعدة عائلته؟ كما نحتاج إلى تقييم شبكة توصيل المدارس مع الشبكة الرئيسية. من الملاحظ أن الوزارة استخدمت التلفاز للتواصل مع طلابها، فهل هذه الوسيلة مناسبة للطلاب ولأولياء الأمور الذين قد لا تتوافر لديهم أجهزة بحسب عدد أبنائهم؟ كما أن الاتصال التلفزيوني هو من طرف واحد فقط (مرسل ومتلقّ من دون تفاعل) فهل هذه طريقة تفاعلية مناسبة؟
التعليم عن بعد يعتمد على أمور كثيرة، منها جودة ونوعية التصوير، وجودة الاتصال وجودة المادة التعليمية. من الملاحظ أن الوزارة حشدت جهودا كبيرة في وقت قصير مما يوحي بأن النوعية قد لا تكون بالمستوى المطلوب. فما هي الأساليب التعليمية والتربوية المعيارية التي تم اتباعها لمثل هذه المحتويات الإلكترونية المتطورة لضمان جودتها؟ وما مدى قدرتها التفاعلية؟ وما مدى كفاءتها وفاعليتها؟ وكيف سيكون تقييم الطلبة عن بعد؟
بسبب الظروف ليس من الإنصاف أن نتوقع أن تكون الوزارة مستعدة لهذه التساؤلات وغيرها، لكن الآن بعد أن مررنا بهذه التجربة نرى أن مثل هذه الأمور لا بد من تقييمها ووضع تصورات لكيفية الاستفادة من التعليم عن بعد ليكون مصاحبا ومساعدا للتعليم الحضوري ورديفا يستفيد منه الطالب لتقوية مهاراته في أوقاته الخاصة وفي حالات غيابه لأي طارئ.
التجربة التي مررنا بها جديدة وتتطلب من الجميع إعادة النظر في أساليب العمل وتطويرها لكي تكون جاهزة ليس فقط لمثل هذه الحالات التي نسأل الله ألا يعيدها علينا، لكن للاستفادة من التجربة في دعم التعليم بمثل هذه الإمكانيات وكذلك تحسبا لأي طارئ. لذا فان هذه التجربة تعتبر فرصة لإعادة النظر في كثير من الممارسات، منها التعليم. نحن الآن بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد للاستفادة من المنصة التعليمية في الأحوال العادية توضع من أعلى مستوى في الوزارة يلتزم بها جميع الأقسام، مع توضيح الهدف الاستراتيجي من هذه المبادرة والنتائج المتوخاة والمؤشرات التي ستتابع التجربة. ثانيا التحول السلس في حالة الحاجة إلى التعلم عن بعد كبديل للتعليم الحضوري، وجاهزية المحتوى التعليمي الالكتروني يتطلب تدريبا واسعا للمدرسين والطواقم الفنية المساندة وكذلك الأهالي والطلبة. ثالثا الاستفادة من تجارب المدارس الخاصة الناجحة. رابعا أن تستمر الوزارة في استخدام التعليم عن بعد طوال السنة ولو بشكل جزئي لكي تستطيع تطويره بشكل مستمر، وأخيرا وليس آخرا مثل هذا المشروع يحتاج إلى مشاركة الحكومة الالكترونية في تقييم جميع مراحل المشروع من وضع الاستراتيجية إلى رفع مستوى القدرات الفنية وانتهاء بتحقيق النتائج وتقييمها.