نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

وزير المالية يقول “شيلوا بعضكم بعضا”، الميسور منكم يشيل محدود الدخل اما الدين العام فمعظمه يذهب لميزانية “دستورية” غير معروف مقدارها وتأكل نسبة من الدين العام!

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13627/article/32735.html

من خلال مناقشات المجلسين (النواب والشورى) مع الحكومة في ماراثون إقرار الموازنة برز العديد من الأسئلة، وأثير عدد من القضايا ولم تتم معالجتها. تتلخص هذه القضايا في أولا إدارة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، وهي قضية مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي ولا تبدو الدولة قادرة على وضع قدمها على العتبة الأولى فيها، وقد خلت الموازنة تماما من أي إشارة إلى هذه القضية، ولم يتقدم مجلس النواب بمطالبة بمعالجة مستدامة لها.

القضية الثانية هي الدين العام واستمراره في الازدياد وتأثير خدمته على التنمية والقدرة على السداد، القضية الثالثة هي الدعم الحكومي وكيفية التعامل معه في ضوء رفض المجتمع لتخفيضه، القضية الرابعة هي مستوى المعيشة للمواطن ومكتسباته وكيفية الحفاظ على هذا المستوى في ضوء تزايد التضخم مقارنة بالنمو الاقتصادي ونمو دخل الفرد، القضية الخامسة هي الإيرادات والمصروفات غير المدونة في الموازنة والتي تظهر عدم الشفافية والوضوح في بيانات الموازنة، والقضية الأهم التي تبرزها مناقشات الميزانية هي تراجع دور مجلس النواب في التأثير على القرارات بشأن الميزانية واكتفاؤهم بتصريحات قد تظهرهم امام ناخبيهم بصورة مشرفة. يقول النائب أحمد قراطة: «إن اللجنة المالية النيابية التي اجتمعت مع الحكومة لمراجعة الموازنة ما هي إلا أداة لتمرير قرارات الموازنة التي سبق اتخاذها من الوزارة».

هذه قضايا بطبيعة الحال متداخلة ومترابطة وقد تكون تبعات لقضايا أساسية وهي إدارة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل من جهة ودور أو مشاركة مجلس النواب في القرار الاقتصادي من جهة أخرى وخضوع الوزارة لمساءلة حقيقية برلمانية ومجتمعية. وكثير من الدراسات والتقارير (تقرير معهد التمويل الدولي) تشير الى ضرورة ان تتحول دول الخليج، وأولها البحرين، الى اقتصاد انتاجي يسهم في تنويع مصادر الدخل ويخفف الاعتماد على النفط.

فوفق وزير المالية فإن نسبة كبيرة من الاقتراض والإنفاق تخصص للميزانيات غير المدرجة في الموازنة. اعترض عضو مجلس الشورى الأستاذ جمال فخرو على عدم تضمين الميزانية مصروفات التسليح والامن الوطني مثلا ليست مبينة في الميزانية وفقا للدستور، ويسأل من أين تأتي هذه المصروفات؟ إذا كانت تمول من أموال الحكومة فإن المادة 10 من الدستور تلزم الحكومة بإدراجها في الموازنة، أما إذا كانت تمول من الاقتراض فينبغي أن يكون ذلك وفق قانون خاص. وهنا يبرز السؤال: ما حجم هذه المصاريف غير المدرجة ولماذا لا يعلن عنها جميعا؟ تفضل النواب بطرح العديد من الأسئلة حول عدم إدراج مدخول الشركات التابعة لتمكين ولم يحصلوا على جواب مقنع.

أظهرت مناقشة الموازنة أن مفهوم الوزارة لتنويع مصادر الدخل ينحصر في فرض ضرائب على «المواطنين الميسورين» لتمويل «المواطنين محدودي الدخل»، أي أن الدولة سوف تعدل سياستها في إدارة الاقتصاد بعد ان تراجعت إيرادات النفط وتطالب الناس بالإنفاق على بعضهم البعض من دون ان تقدم شرحا لأسباب عدم اكتمال جهود التنمية الاقتصادية بعد أربعة عقود من إدارة الاقتصاد والسيطرة التامة على الايرادات النفطية.

معالي وزير المالية يرى ان العلاج هو في ان «تبدأ الحكومة بنفسها» في تقليص المصاريف والإنفاق، واسترداد كلفة الخدمات الحكومية وكلام عن تنمية الاقتصاد الوطني، وفي نفس الوقت يقول الوزير: «حان الوقت بأن يسهم المواطنون المقتدرون في تمويل تكاليف المواطنين ذوي الدخل المحدود»، أي أن الحل بالنسبة للحكومة هو إما ضرائب وإما رفع الدعم.

الحل بالنسبة للدولة هل يجب ان يكون من جيب المواطن الذي لم يكن له رأي في إدارة الاقتصاد أم اتجاه البلد نحو الاستدانة؟ فأين المحافظة على مكتسبات المواطن؟ كيف نفسر قول وزير المالية ان الحكومة سوف تبدأ بنفسها. هل سيكون التخفيض في مخصصات الدواوين أم في رواتب المسئولين والوزراء؟

تعقيبا على ذلك يقول الأستاذ فخرو مرة ثانية ان المصاريف الكلية في الميزانية لم تقلص لتعكس «الوضع الاقتصادي الصعب» الذي تمر به البلاد.

فزيادة خدمة الدين العام أكلت كل التوفير الذي حاولت الحكومة والنواب تحقيقه وليس من المعروف ما هو التخفيض في «المصاريف غير المدرجة». معالي الوزير، لا ينبغي ان يكون العلاج على حساب المواطن وعلى شكل «شيلوا بعضكم البعض». أين المصلحة في كل ذلك؟

يبقى السؤال الجوهري والمهم من دون إجابة، وهو لماذا وصل الوضع الاقتصادي الى هذا المستوى وما هي خطتنا لإنقاذه؟ هل الخيار هو فقط تقليل الإنفاق وتوجيه الدعم والاقتراض والضرائب لتنمية إيرادات الحكومة؟ وهل خيار الاقتراض قائم إلى الآن؟ وحتى متى؟ وما تأثيره على تصنيف البحرين الائتماني؟

يرى الخبير الاقتصادي الأستاذ عبداللطيف جناحي ان سبب العجز والتراجع الاقتصادي يعود الى ثلاثة أمور: هي نهج إدارة الاقتصاد، التفاوت الاجتماعي، والترهل الاداري. فما هو سبب تدني الأداء الاقتصادي في البحرين من وجهة نظر الوزارة؟ أما الأستاذ خالد جناحي فيقدم مجموعة من الخيارات تتركز في وجود نظرة مستقبلية بعيدة المدى للوضع الاقتصادي في البحرين يلبي متطلبات الأساسية التي قامت عليها ثورات الربيع العربي وهي «العيش الكريم والحرية والعدالة». ويواصل بأن «النجاح في وضع استراتيجية اقتصادية تهدف الى تنمية حقيقية تقوم على العدالة وتكافؤ الفرص والتنافس»، تبني ذلك سوف يعالج الكثير من مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن عدم التقدم فيه سوف يستمر في تعريض مستقبل البلاد والأجيال القادمة إلى حالة من عدم الاستقرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *