نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. وتعطلت لغة الحوار

تاريخ النشر : 25  ابريل  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في مقال لاستاذنا الكبير الدكتور علي فخرو يتساءل متى سنؤصل ثقافة الحوار العربي؟ ويورد في مقاله ان العرب هم اقل الشعوب قدرة على الحوار. ويعطي امثلة على ذلك منها الانقسام بين القوميين والاسلاميين، وبين القطريين والوحدويين وبين العلمانيين ورافعي شعار الاسلام دين ودولة، وبين الديمقراطية والشورى. هذه الصراعات الثنائية استنزفت طاقة المجتمع واضاعت لغة الحوار والقبول بالاخر. يتساءل الدكتور لماذا لا ينتج عن هذا الاختلاف والتعددية في الرأي، والتي هي سنة الحياة، حوار هادئ يحاول استكشاف المشترك ويركز على النقاط الايجابية في كل طرح بدلا من التخندق والتعصب والابتذال في النقاش الى مالا نهائية؟

وفي نفس الاسبوع طرح السيد عبيدلي نفس السؤال بثوب اخر خلاصته نفي الاخر المختلف عنا في الجنس او اللون او الدين او حتى السلوك الاجتماعي. وان نفي الاخر هي ثقافة متغلغلة في الموروث العربي وشائع في مجمل الحقول العلمية والسياسية والثقافية. ولنا ان نتساءل لمذا؟

هل هي طبيعة تختص بها شعوبنا العربية؟ ام هي نتيجة انماط الحكم المتاصلة في دولنا العربية ؟ ام انها البيئة الصعبة البدوية وشظف العيش أصَّل الى هذه الثقافة الاقتصائية ؟ وما علاقة ذلك بالاوضاع السياسية والدين والبيئة؟ ونضيف تساؤلا اخر لماذا تحرر الجميع من الاستبداد وبقي العرب؟

مهما كانت الاسباب فان ذلك لا يمكن ان يحكم علينا بهذا المصير الى الابد ولا بد من التغيير. والسؤال على من تقع مسئولية التغيير؟ ومن المسئول عن تطوير ثقافة الحوار وتقبل الآخر، وماهي المعوقات العملية ؟

ندعو للنقاش ونبدأ بتعريف عملي للثقافة بعيدا عن الانثروبولوجي، للثقاة عدة تعريفات وما يهمنا هنا التعريف الذي يصفها على انها منظومة من القيم والمواقف والاهداف والممارسات تميز مجتمع او مؤسسة او مجموعة من الناس تشترك في التجارب والعيش والمصير المشترك وتتبادل الحاجة والمصلحة والخشية من تبعات تجاهل الاخر. في علم الادارة ومجتمع الاعمال والشركات تقع مسئولية تاصيل ثقافة المؤسسة بالدرجة الاولى على القيادة وعلى ما تقوم به من سلوك وما تاخذه من مواقف وما تدين به من قيم . وهذا السلوك يقابله تجاوب من العاملين في المؤسسة بانتهاج نفس القيم والمواقف. اي ان عملية التاصيل للثقافة هي علية متعددة الاتجاهات. فهي تتغلغل في المجتمع من اعلى الى الاسفل لتقديم القدوة الحسنة والالتزام. ويتم التجاوب من الاسفل الى الاعلى وتتم المساندة من اليمين واليسار. وبذلك فان المسئولية تقع على مستويات مختلفة من القيادات. وتقود هذا الحراك القيادة العليا. من الامثلة على تأصيل الثقافة من الاعلى نورد شركة صناعة مواد التنظيف بروكتر ان قمبل (Procter & Gamble)، من اشهر منتوجاتها حفاظات الاطفال بمبرز. هذه الشركة التي تاسست عام 1837 استمر نجاحها الى يومناه هذا. يقوم هذه النجاح على ثقافة مؤسسية تقودها القيادة العليا، اهم ما فيها محاولة عمل مايرون انه صواب والاستماع الى صوت الزبون (المواطن). وليس قولا بل عملا. فهل يمكن اسقاط هذه البديهة الادارية على الوضع العربي من دون خطر التبسيط المخل؟

في المجتمعات العربية هناك قيادتان رئيسيتان هما القيادة السياسية والقيادة الدينية. اولا، القيادة الدينية التي ترى انها تملك الحقيقة وتتبع الدين الحق الصحيح. وتقصد بالصحيح هو المذهب الذي تنتمي اليه. هي في الواقع تلغي الاخر ولا تقر بامكانية صحته. وهذه القيادة تعمل على اشاعة هذه الثقافة في الناشئة كما يتم في الكثير من مراكز الدعدوة والارشاد ودور العبادة المختلفة. فهي بذلك تؤصل لثنائية الحق والباطل، وثقافة الصحيح والسقيم، ولا تترك مجالا لفهم الاخر والتحاور معه. فيعيش المواطن في البحث عن الصحيح في كل مايدور من حوله وكان الدنيا اما اسود واما ابيض. ولا مكان للرمادي، ولا مجال لقبول مواقف او رؤى اخرى. 

ثانيا التعويل على القيادات السياسية في احداث التغيير قد لا يكون مجديا. فمن يشعر انه يملك الارض وما عليها فانه لا يشعر بحاجته الى الاخر. ومن يشعر انه يمكل القوة المالية والعسكرية والعددية فهو لا يحتاج الى سماع الاخر. واذا شعر الانسان انه لا يحتاج الى احد فهل يمكن ان يقبل مشاركته في الرأي او في القرار او في تقاسم السلطة والثروة او الحاجة الى العدالة؟

الثقافة العربية المتأصلة منذ عهود تحتاج الى وقت لتغييرها. والمسئولية للتغيير مشتركة بين مختلف المستويات القيادية والافراد. علينا ان نبدأ من الاعلى ومن القيادات الوسطى المؤثرة (الدينية والاقتصادية والتربوية والادارية) ومن المواطن العادي الذي يجب ان ينبذ الاعتقاد بانه لا حول له ولا قوة. فالمجتمع كل لا يتجزأ وبتاثر كل مستوى بافعال واقوال المستوى الاعلى منه والادنى منه والتغيير ينتشر بتراكم مساهمات قوى المجتمع. 

خلاصة القول هي ان التاصيل لثقافة الحوار يمكن ان تنهج سبيلين، الاول من الاعلى الى الاسفل والاخر من الاسفل الى الاعلى، وهناك شروط لتقبل ذلك الاخر وهي الحاجة والمصلحة والخشية من تبعات التجاهل. واذا كانت القيادات العليا لا ترى اليوم ضرورة او مصلحة في التغيير، فعلى القيادات المجتمعية ان تنظم نفسها وتستخدم ادواتها الدستورية لتقنع القيادات بوجود مصلحة لها في الحوار وان هناك ما تخسره القيادات من الاقصاء. والكل يربح بالحوار وللمواطن الفرد صوت ودور كبيرين في ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *