- وجهات نظر في جودة التعليم
تاريخ النشر : 13 فبراير 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
كانت الرؤية الوطنية والاستراتيجية 2009-2014 حاضرة في مجالس البحرين في الاسبوعين الماضيين. فقد تناول وزير العمل في مجلس الكوهجي الاصلاح من وجهة نظر العمل وربطه باصلاح التعليم والاقتصاد، وتناول السيد ناصر الشيخ (الوكيل المساعد للتعليم العام والفني) في مجلس جناجي بالمحرق اصلاح التعليم من وجهة نظر وزارة التربية والتعليم وتناول السيد على صالح في مجلس الدوي بالمحرق الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية بشموليتها وتاثيرها على تطوير التعليم. اكد وزير العمل اهمية التعليم في التنمية وكيف انها مرتكز للتنمية والعمود الفقري للاصلاح، واستهل حديثه بذكر استفتاء في بريطانيا في التسعينايات. موضوع الاستفتاء كان السؤال عن رغبة الطلبة في المهنة التي يتطلعون اليها في المستقبل فجاءت مهنة التدريس في اخر قائمة الاختيارات. ادركت الحكومة خطورة هذه النتيجة على مستقبل الامة ووضعت المبادرات والبرامج وسنت التشريعات الكفيلة برفع قيمة المعلم وتعديل مكانته الاقتصادية والاجتماعية. وفي استفتاء مماثل بعد عقد من الزمان كان المدرس الخيار الاول للطلبة. هذه الواقعة تظهر بدون ادنى شك مدى اهتمام الامم المتقدمة بالعلم والتعليم ووسائله وكوادره.
وحديث وكيل الوزارة المساعد حصر مشكلة التعليم في قضيتين الاولى هي قصور في القيادة المدرسية والثاني قصور في القدرة التدريسية. وهذا يتطلب تطوير الجانب القيادي لمديري المدارس ومساعديهم والمعلمين الاوائل، والثاني تطوير العملية التعليمية واسلوب التدريس وتطوير المهنة بشكل عام ورفع اداء وقدرات المدرسين داخل الصف. واشار بشكل خاص الى خمس مشاريع لتحسين اداء المدارس منها وضع تصور للمدرسة المتميزة ووضع مؤشرات اداء لها، والقيادة من اجل الاداء ويعنى وضع نموذج للقيادة المدرسية وتدريب المديرين والقيادات المدرسية الاخرى وتفرغ المديرين لعملية التعليم وتحريرهم من العمل الاداري بتوفير مساعدين مختصين بالجانب الاداري. ومشروع دعم المدارس من خلال تعزيز اداء الوزارة وتطوير اداراتها وعملياتها في تقديم الدعم للمدرسة. حرصت المشاريع على وضع ملامح للطالب المراد تخريجه من المرحلة الابتدائية ليناسب متطلبات المرحلة الاعدادية وهكذا بالنسبة الى المراحل اللاحقة. وهذا تطور هام يسهل عملية التقييم ويقسمها الى مراحل بدلا من الانتظار الى تقييم خريجي التوجيهي من خلال سوق العمل.
اما السيد على صالح فقد ركز على الاستراتيجية 2009-2014 واوضح ان تحسين اسلوب وضع السياسات في التعليم وتخصيص 10% من ميزانية جامعة البحرين للبحث والعلمي هما ابرز جوانب الاستراتيجية الاجتماعية. وتساءل عن الدراسات المرجعية التي اعتمد عليها مجلس التنمية في وضع الساتراتيجية. كما تطرق الى اهمية الشفافية ومكافحة الفساد والمحاباة لنجاح استراتيجية التعليم بشكل خاص.
يتبين من محاضرة الوكيل المساعد ان وزارة التربية والتعليم تقوم بالعديد من المبادرات والمشاريع القيمة. من هذه المشاريع مشروع التقييم الداخلي ويشمل المدارس والادارات غير انه لا يكفي؟ بمعنى اننا نحتاج الى نشر المواصفات التي حددتها الوزارة لمختلف المراحل واجراء مسوحات محايدة يشترك في وضعها مجتمع الاعمال واولياء الامور والجامعات للوقوف على المستوى الحقيقي لخريجي المراحل المختلفة والتاكد ان المدخلات للمراحل التعليمية تتوافق مع الحد الادني . وان تقوم الوزارة بنشر النتائج بكل شفافية في الصحافة وفي موقعها لتستفيد من تقييم المتابعين والمهتمين بالاضافة الى ذلك هناك بعض الجوانب التي لم تتضح كيفية معالجتها من خلال نظام الجودة. الجانب الاول تطوير المناهج نفسها. ففي بريطانيا مثلا تختصر المواد في الثانوية على خمس مواد فقط يتعمق الطالب فيها بدلا من اثقالة بمواد كثيرة تصل الى 11 مادة قد تجبره على الحفظ بدل الفهم. والجانب الثاني هو اهمية وضع مؤشرات اداء لوزارة التربية نفسها توضح من خلالها رسالتها واهدافها ومدى ما تحقق من نتائج وتاثيره في مجتمع الاعمال. والجانب الثالث يتعلق بنطاق صحلايات مدير المدارس في توظيف وانهاء خدمات او نقل المدرسين غير المنتجين لكي يكون المدير قائدا ومسئولا حقيقيا عن مستوى اداء المدرسة.
خلال المحاضرات الثلاث كان السؤال الذي يفرض نفسه هو هل ستنجح هذه المبادرات في معالجة المشكلة الاساسية وهي اولا قدرة الاقتصاد على توفير فرص العمل المناسبة، وهل ستتوافق فرص العمل هذه مع مخرجات التعليم وتطوير القدرات التقنية والابداعية والابتكارية لدى الطلبة، والسؤال الاخر هل كادر المعلمين يكفي لرفع قيمة المعلم اجتماعيا واقتصاديا بحيث تستطيع المهنة استقطاب خيرة الطلبة للانخراط في سلك التعليم؟
ان نظام الجودة الذي وضعته لجنة تطوير التعليم هو احدى الادوات التي تعول عليها الدولة في تحقيق هذا الحلم. فهل هذا يكفي وهل يمكن الركون اليه لتحقيق النتئاج. نظام الجودة بشكل عام هو نظام يؤسس للجودة ولا يضمنها، وان النتائج تعتمد على امور اخرى مؤثرة. واول هذه الامور هي طبيعة ونوعية المواصفات التي وضعناها للطلبة والمدارس والوزارة. وكما يبدو من محاضرة الوكيل المساعد فان التحصيل في المدارس هو احد هذه المؤشرات.
يقر الجميع في الثلاث ندوات كما تقر الوزارة بان التعليم مازال تلقينيا يعتمد الحفظ. كما يقر الجميع بان ظاهرة التفوق والحصول على درجات عليا تزيد على 95% هي نتيجة لهذا الاسلوب التلقيني والمناهج المكتظة. ومع ذلك فان الوزارة مازالت تعتمد نسبة النجاح في اجتياز الامتحانات مؤشرا لنجاح مبادرات اصلاح التعليم. ويبقى السؤال هل – بفضل المبادرات في التعليم – سنتمكن من تجاوز هذه الظاهرة ومتى سيكون ذلك؟