- دور رجال الدني في التنمية
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر 16 نوفمبر 2007
ان التقدم في تحسين مستوى معيشة المواطن هو مطلب تجمع عليه مختلف فئات الشعب من قيادات سياسية وجمعيات اهلية ومهنية سياسية والمجتمع المدني باكمله. ولكن ماذا يعني تحسين المستوى المعيشي للمواطن؟ هل هو زيادة الراتب في القطاع العام كما هو حاصل اليوم؟ ام زيادة المكرمات والمساعدات؟ ام تخفيف بعض الرسوم والضرائب.
منذ بداية السنة التشريعية هذه ونحن نرى العديد من الاقتراحات تصب في اتجاه زيادة الدخل بشكل او باخر في القطاع العام. ان الزيادة التي يقترحها المجلس هي في الواقع مطلوبة وتعتبر علاجا مؤقتا للارتفاع في الاسعار والغلاء بشكل عام ولكنها ليست العلاج على المدى البعيد. فارتفاع اسعار النفط وزيادة الرواتب في الدول المصدرة للبضائع سوف تضغط في اتجاه رفع الاسعار وستعيدنا بعد سنة او سنتين الى نفس المربع.
صرح سمو رئيس الوزراء في مقابلة في الشرق الاوسط ونشرتها اخبار الخليج بان التجديد والابتكار والمبادرة هي عوامل الساسية لضمان الريادة. ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني ان الاقتصاد من الان وصاعدا يجب ان يتحول الى استثمار في اقتصاد حديث تعتمع على المعرفة والانتاجية والعمل الجاد. ولا يعتمد على الوظائف التقليدية في القطاع العام والخاص. ان الاساثمار المطلوب – سواء كان خارجيا او محليا – لإيجاد مثل هذا الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة يقوم اولا على وجود قوة عاملة جادة مدربة تؤمن بقيم العمل واهمية الجد والاجتهاد. وثانيا، استقرار سياسي ناتج عن توافق بين طوائف المجتمع قائم على احترام متبادل للحقوق والواجبات وسيادة القانون.
كيف يمكن ان نحقق ذلك وماهو دور مختلف فئات المجتمع والجهات الرسمية وبالذات رجال الدين في تحقيق ذلك؟ نبدأ اولا برجال الدين ودورهم في تحقيق المناخ المناسب للتنمية الاقتصادية المستدامة.
يحظى رجال الدين بمكانة خاصة في المجتمع المسلم البحريني والعربي بشكل عام. وهذا المكانة تحملهم مسئولية خاصة في تنمية المجتمع وتوجيه الشباب نحو تعزيز قيم العمل والانتاجية واهمية الذي ينتقد ويشارك ويحتج ويطالب بحقوقه دون اللجوء الى العنف. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان مكانتهم وحظوتهم لدى القيادة السياسية تحملهم كذلك مسئولية اصلاح المجتمع والوقوف بحزم مع العدالة الاجتماعية وتقديم النصح والمشورة الجادة والحازمة الى القيادة السياسية لتحقيقها وتجسيد المبادئ الاسلامية التي يقوم عليها الحكم العادل. ولا يكتفون بالنصح الذي لا ينفذ. بل عليهم ان يكونوا مستعدون للتصعيد والكتابة الى القيادات السياسية والاحتجاج بشدة الى ان تسود العدالة والمساواة في المجتمع من دون مواربة او خوف من غير الله. واخيرا فان لهم دورا كبيرا في تحسين صورة العرب والمسلمين ليس بالقول وانما بالعمل وتقديم القدوة الحسنة.
فيما يتعلق بالدور الاول فان الخطاب الديني يحتاج الى اعادة نظر وتحديد اهداف مجتمعية لهذا الخطاب تؤسس لمجتمع فاعل منتج يثمن قيم العمل وليس الاستهلاك. يقول احد علماء الدين ان الله سخر لنا الغرب لكي يعمل على تلبية احتياجاتنا لنتفرغ نحن للعبادة. وفي احدى خطب الجمعة خرجنا من المسجد بعد انتهاء الصلاة نشعر بان ما يرمي اليه الخطيب هو ان يتخلى الانسان عن الحياة ويركز على الاخرة فقط. وتساءلت عندها لماذا يصارع الفلسطينيون من اجل تحرير وطنهم المغتصب؟ ولماذا يقاوم العراقيون الاحتلال الامريكي الغاشم؟ ولماذا نرفض هيمنة الامريكيون ولا نتركهم ينعمون بالنفط العربي كما يشاؤون ؟ ومع يقيني بان الخطيب لا يهدف الى غرس هذا الانفصال عن الحياة في نفوس الشباب، فان الدرس الذي يخرج به المصلي وخصوصا الشباب يوحي بذلك. فكيف يهتم الشاب بالانتاج والعمل والابتكار والابداع بعد سماع مثل هذا الخطاب الديني المحبط والداعي الى الزهد السلبي في الدنيا؟ اين هذا من قوله تعالى “وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا”.
ان تحقيق الرؤية التي تفضل بها سمو رئيس الوزراء من الابداع يتطلب تحرير الطاقات الشبابية العلمية والثقافية المبدعة. وتمكينها من التركيز على الانتاج والابداع والابتكار والعمل. وهذا لن يتحقق ما لم تعالج القضايا الدستورية العالقة والقضايا المتعلقة بالخلاف حو توزيع الثروة وصلاحيات البلمان وقدرته التشريعية. هذه القضايا عملت وعمل على شل المجتمع وهدر طاقاته وقدراته الانتاجية. لذا تقتضي المصلحة الوطنية من رجال الدين القيام بدور اكثر فاعليت وايجابية وعدم الاكتفاء فقط بالنصح السلبي. بل عليهم حث الجميع قيادة وشعبا على تقديم التنازلات من قبل القيادة السياسية والتطمينات من قبل المواطنين لكي نتجاوز هذه المشكلة نساهم في تخفيف التشنج الطائفي وتعزيز اللحمة الوطنية التي يسعى اليها الغالبية العظمة من المواطنين ولنا عدوة مع ادوار اخرى.
(هذا المقال يعني ان المشكلة التي انفجرت في 2011 كانت واضحة ولها ارهاصات في المجتمع. لماذا لم تتصرف القيادة بحزم في معالجة الموضوع من خلال حوار ونقاش وتوافق على مفهوم للعدالة الاجتماعية يرضي الجميع ويضمن توزيع عادل للثروة واصلاح سياسي يحقق القدرة على المساءلة والتمثيل السليم، واصلاح اقتصادي يعزز القدرات الانتاجية وخلق فرص عمل مجدية)