نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. وزارة السعادة والتسامح والتعليم!

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢ مارس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- هل يمكن التخطيط للسعادة في معزل عن العدالة والحرية والمساواة، وهل ستكون هذه السعادة مستدامة بعد الوفرة النفطية التي اسكتت الشعوب عن اسس الحياة السوية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13858/article/9418.html
في سابقة غريبة تم تشكيل حكومة الإمارات العربية المتحدة مع تعيين وزير للسعادة ووزير للتسامح وثلاثة وزراء للتعليم. استقبل المجتمع العربي هذه التعيينات بالغرابة وبالذات استحداث وزارة للسعادة وأخرى للتسامح. تم تعيين (السيدة عهود بنت خلفان الرومي) وزيرة للسعادة لتقوم بمهمة «مواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع» لتقوم بهذه المهمة. السؤال الذي يدور في الذهن هو كيف ستترجم الوزيرة هذه المهمة إلى برنامج عملي؟ ماذا ستفعل وزيرة السعادة عند قدومها المكتب صباحا؟ ما هي القرارات التي ستتخذها والأوامر التي ستصدرها؟ قد يكون أول سؤال تطرحه الوزيرة على نفسها هو: هل الناس في الإمارات سعداء؟ وما نسبة سعاتهم وكم نسبة السعداء منهم وما نسبة الأشقياء؟ وكيف نقيس مستوى السعادة لديهم وما هي مظاهرها؟ وما هو مصدر سعادتهم؟ ماذا تعني السعادة بالنسبة للمجتمع وبالنسبة لمختلف الجماعات والفئات والأفراد؟ وهل هناك مفهوم واحد للسعادة؟ وهل ننظر إليها من منظور عملي أم فلسفي؟

إذا اقتصرنا السعادة التي نتحدث عنها على أنها تلك المتعلقة بالحياة العامة (حيث إنَّ السعادة في الحياة الخاصة أمر مستقل عن موضوعنا) أعتقد أنَّ المنصب شائك ومعقد ولا ندري إن كان بالإمكان أن تكون السعادة مسؤولية وزارة واحدة أم أنها نتاج مجتمعي ينبع من التعاملات ومن السلوك والممارسات اليومية التي يتعرض لها المواطن في عمله وفي تعاملها مع مختلف الجهات الرسمية؟ وعليه فإنّ التعيين هو معنوي وقد يكون بغرض التدريب، ومع ذلك نتمنى لها التوفيق.

أما مهمة ودور وزيرة التسامح (الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي) فلن يكون أكثر وضوحا وسهولة. التسامح هو سمة مجتمعية تتغلغل في المجتمع بفعل نتاج العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية. هذه العوامل إذا لم تتوافر فإنّ وجود وزيرة للتسامح سيكون بمثابة رصد حالات التسامح وتحليلها وتقديم مقترحات تشريعية أو تنظيمية لمعالجتها. أما إذا فهمت الوزيرة منصبها على انه إزالة جذور المشكلة فسوف تصطدم بعوائق كبيرة قد تحتاج إلى دعم مؤسسة الحكم وقناعاتها لكي تؤثر في التسامح. غير أن هذه الأجهزة قد لا تتمكن من معالجة مشكلة الشفافية والمكاشفة والصراحة في نقد السياسات ومتخذي القرار فيما يخص ممارساتهم التطبيقية العملية وتحميلهم مسؤولية تبعاتها.

قد يكون التعليم هو المحور الأساس في هذه التشكيلة فقد تم تعيين ثلاثة وزراء للتعليم. وزير للتعليم العام وآخر للتعليم العالي، ووزير للتربية والتعليم، بالإضافة إلى جهاز لإدارة المدارس ومجلس أعلى للتعليم. وكذلك تعيين «مجلس علماء الإمارات». يقدم هذا المجلس المشورة العلمية والمعرفية للحكومة ويقوم بمراجعة السياسات الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار واقتراح برامج لتخريج جيل من العلماء». هذا الكم الكبير من المناصب قد تكون له فوائد ولكن نعتقد أنَّ هناك تعقيدات قد تنتج في التطبيق العملي من تضارب في المهام والاختصاصات بالإضافة إلى تشتيت لعملية التعليم وضياع مسؤولية التوجه العام للتعليم بسبب دخول الوزارات في تفاصيل مهامها، وسيدخل التعليم دوامة الدراسات والتوصيات والمؤتمرات التي لا تنتهي لتشخيص الوضع واقتراح الحلول التي لا تطبق، ليصبح التعليم في العالم العربي حقل تجارب لا تنتهي.

الإمارات ليست حالة خاصة وإن كانت هي من أفضل دول العالم العربي. التعليم العربي بشكل عام يحظى بالكثير من التغطية الإعلامية التي تحاول تلميع أداء الحكومات العربية في التعليم، يحدث ذلك بالرغم من التقارير الأممية والأكاديمية التي تصدر وتحذر من تدني مستويات التعليم ومخرجاته وتأثير ذلك على التنمية ومستقبل الأمة. 
شارك مثلا وزير التعليم الدكتور ماجد النعيمي في اجتماع في الأردن يناقش «واقع التعليم في الوطن العربي» نظمته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وتمخض عن هذا الاجتماع تعيين لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر العام للمنظمة. يبدو ان هناك تكليفا «جديدا» من قبل اللجنة هذه لفريق من «الخبراء» لتشخيص واقع التعليم في الوطن العربي وإبراز المتطلبات والتحديات التي تواجهه والرؤية المستقبلية له. وتحاول الدراسة تحديد مدى دخول المجتمعات العربية مجتمع اقتصاد المعرفة. 

لو أحصينا عدد الدراسات والتوصيات التي تم تقديمها إلى الحكومات العربية في مجال تحسين جودة التعليم وفي تنويع مصادر الدخل وفي تنمية الصادرات وتطوير الاقتصاد لملأت الكثير من القاعات وليس الأدراج. لكن المشكلة هي في عدم التطبيق، وحتى لو تم تطبيق أي من هذه الدراسات فسوف يتعارض بعضها مع مصالح متنفذة في الدول العربية ويتوقف عند مستوى معين لا يمكن تجاوزه دون إحداث تغييرات منظومية سياسية جذرية.
المشكلة الرئيسية سواء في التعليم أو في السعادة أو في التسامح أو في التنمية هي مشكلة تكاد تكون واحدة ومتكررة في العالم العربي. هذه المشاكل ناتجة من الوضع السياسي المغلق غير القادر على التحرر من حتمية الصدام مع المجتمع وجعل المجتمع جسما غير مأمون يجب السيطرة عليه بجميع الوسائل. مع وجود هذه العقلية وأسلوب التفكير على مستوى الكثير من القيادات سيكون من الصعب لأي تغييرات جزئية على مستوى المؤسسات التعليمية أو الدينية أو الاقتصادية ان تحدث التقدم الذي تتطلع إليه الشعوب العربية وتستحقه.
النموذج الإماراتي المطبق في دبي مازال مثار جدل حول قدرته على تقديم قدوة للدول العربية لكونه اعتمد على العمالة الوافدة وعلى سياسة توطين الأجانب من خلال سياسات سكانية غريبة تسعى إلى جذب أجانب ومنحهم الاقامات. 
هكذا يستمر الإنسان العربي ليكون حقلا للتجارب واختبار الأفكار الإبداعية والمبتكرة وطرق أبواب مجالات التقدم من دون وضع أساسيات السعادة والتسامح والإبداع والابتكار وهي الحرية والمساواة والعدالة التي تستقيم بهم الحياة العامة ويسعد بهم الحاكم والمحكوم.


mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *