نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. وزير الداخلية … ودعوة للحوار الوطني

تاريخ النشر : 2 يناير  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

طالعتنا السنة الجديدة بعدوان يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، وعجز القادة العرب لوقفها او التأثير على مجريات الامور. نتج عن ذلك غضب عارم في الشارع العربي على قادتهم الذين خذلوهم بفشلهم في عقد حتى اجتماع، ولجوئهم الى تركيا للتوسط فيما بينهم اولا قبل ان تتوسط بينهم وبين اسرائيل. وبدل ان يجتمع القادة ويتخذوا اجراءات تجبر أمريكا لوقف العدوان، اختاروا الاعتماد على مجلس الامن لوقفه بالرغم من علمهم المسبق باستحالة ذلك في ظل ما تقوم به الولايات المتحدة من مساندة مطلقة لاسرائيل وجرائمها. ويتساءل المواطن كيف يمكن للدول العربية “المعتدلة” ان تقتنع بان العدو اصبح ايران وليس اسرائيل؟ والسؤال الاهم هو لماذا اختار الحكام العرب طريق الاستسلام ودخل في مفاوضات غير متكافئة؟

العجز العربي هذا اوجد معسكرين في فلسطين وانقسام في العالم العربي، معسكر اختار السلم كخيار استراتيجي دون تسلحه باي اوراق ضغط، وسمي بالاعتدال. والفريق الاخر يرى عدم الجدوى من المفاوضات دون الاستعداد للقتال والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وسمي بالتشدد. اتهم هذا المعسكر بالوقوف في صف ايران واجاز الحكام العرب تصفيته من قبل اسرائيل. فشلت الجهود للتقريب بين المعسكرين عن طريق الحوار بسبب المواقف المسبقة المستمدة من مصالح الانظمة. 

كما تطالعنا السنة الجديدة بحدث مؤسف في البحرين اعربت عنه وزارة الداخلية باكتشاف خلية ارهابية خططت للقيام باعمال تخريبية في مناطق معينة من البحرين. واذا ثبتت هذه التهم فاننا ندين هذا العمل الذي يقود الى قتل ابرياء بالاضافة الى اثاره السلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا تاتي أهمية دعوة وزير الداخلية للبحث في اسبابه وسبل علاجه. فقد تقدم وزير الداخلية بجملة من المقترحات لمعالجة هذه الظاهرة او الحدث منها تشديد العقوبات وعقد حوار وطني لمعالجة اسباب الارهاب وكيفية القضاء عليه للحفاظ على المسيرة التنموية والمسيرة الديموقراطية.

الارهاب له تاريخ طويل، ففي الثورة الفرنسية عام 1795 رأى برسبير انها وسيلة لفرض نظام ديموقراطي بصرخته “الفضيلة او الارهاب”، كما ظهرت في روسيا على اثر اعلان القيصر في منتصف القرن التاسع عشر موجه من الاصلاحات نتيجة لتباطؤ عملية الاصلاح. هل حققت الحركات الارهابية اهدافها؟ يشكك الكثير في قدرة الارهاب على تحقيق اهداف سياسية. والافضل استخدام الاساليب السلمية والاحتجاجات المنظمة والتظاهر السلمي لتحقيق هذه الاهداف. وفي المقابل فان الدولة مطالبة كذلك بالدخول في الحوار دون مواقف مسبقة رافضة لتقديم تنازلات.

ولكي ينجح الحوار نحتاج الى محاولة فهم اسباب العنف ولماذا يلجأ اليه الانسان. فمثلا يقول الدكتور علي فخرو (الوسط 28 ديسمبر 2008) ان العرب اضافوا ثنائية العنف واللاعنف للثنائيات الكثيرة التي يستخدمونها مثل الدين او القومية، الحداثة او الاصالة. ويواصل بان العنف قد يلجأ اليه الضعيف عندما تتقطع به السبل في حصوله على حقوقه المشروعة، سواء كانت ارض يقاتل من اجلها كما في غزة، او مساواة سياسية واقتصادية كما في الكثير من حركات وتنظيمات تحرير واحزاب ممنوعة في كثير من دول العالم العربي. 

ان نجاح الحوار له عناصر هامة لا بد ان تتوفر، وكما رأينا فان فشل الحوار بين الفصائل الفلسطينية كان لاسباب منها داخلية ومنها تدخلات خارجية ولكن السبب الكامن خلف كل ذلك هو وجود سلطة  مسيطرة ومهيمنه ترفض التنازل عن مصالحها. ورفض الحوار بين الانظمة وشعوبها هو الذي اوصل الدول العربية الى الحالة المزرية من الهوان والعجز، وجعل قادتها مكبلين بتبعات غربية لحمايتها من شعوبها. ان عدم تصالح الانظمة مع شعوبها جعلها تَقْبل حالة الاستسلام التي فرضها عليهم العدو الاسرائيلي والامريكي ونجح في شق صفهم بين سنة وشيعة، معتدلين ومتطرفين.

المشكلة التي تعوق الدخول في حوار فعال هو فقدان الثقة بين الاطراف والخوف من المطالبة بمزيد من الديموقراطية والحقوق وتقاسم السلطة والثروة. وتعزيز الثقة وتقصي اسباب انعدامها هو اهم هدف يجب ان تعمل على تحقيقه وزارة الداخلية من خلال هذا الحوار. ان عدم الثقة هذه لها جذور في التوازنات الاقليمية كما هو الحال في الشأن الفلسطيني. فهناك طرف متهم في السعي في قلب نظام الحكم من خلال الاصلاحات السياسية او من خلال العنف. ومالم يتغير هذا المفهوم وتنتفي مسوغاته فان فقدان الثقة ستظل تعطل الجهود لاحداث اصلاحات سياسية او اقتصادية او اجتماعية. وهناك مسئولية كبيرة على الحكومة وعلى الجمعيات السياسية لتبديد عدم الثقة هذه. 

نضع ثقة كبيرة في معالي وزير الداخلية في رعاية حوار جاد وصادق نتمنى ان يكون أفضل حظا من دعوات سابقة للحوار. وكبادرة لتعزيز الثقة فان تقديم بعض الاصلاحات السياسية والتنازلات قبل الشروع في الحوار سيكون له أكبر الاثر في تهيئة جو للحوار يصل الى عمق المشاكل والخلافات التي سممت العلاقات بين أطياف المجتمع البحريني كما سممت العلاقات بين الدول العربية والفصائل الفلسطينية. ومثال على التنازلات الممكنة، وضع مقترحات لتعديلات دستورية وتوزيع عادل للثروة والسلطة ووقف جميع اشكال الهبات والعطايا والتجنيس التي قضت على احلام الكثيرين في امتلاك المسكن. اما الاصرار على ان طرف واحد فقط هو المخطئ والطرف الاخر على حق لن يفيد الحوار ولن يؤدي الى اي نتائج.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *