نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  يوليو وامتداداتها في الثورات العربية

تاريخ النشر : 23 يوليو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بدأ العام الحالي باحداث هامة في العالم العربي قد تكون البداية لحقبة جديدة في تاريخ الامة اطلق عليها البعض الصحوة الثانية. فهل تنجح الثورات في احداث التغيير ام انها تفشل وتعود الامة في انتظار صحوة اخرى؟ فالصحوة الاولى افشلها الاستعمار والقوى الاجنبية، وهاهي تحاول لافشال هذه الثورات بمساعدة بعض الدول العربية.

من الصعب التعميم فيما يتعلق بالثورات والحركات الاحتجاجية في الدول العربية فلكل دولة خصوصيتها التي تنبع من ثقافتها وتركيبتها السكانية وتجاربها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن يمكن القول بان الصحوة الاولى التي بدأت في مصر في القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا كثورة علمية صناعية قبل اليابان والصين استمرت الى سبعينات القرن نفسه حتى افشلها الغزو البريطاني والاحتلال عام 1882. اصرات بريطانيا على عدم السماح لمصر بالتقدم الصناعي فحطمت قدراتها الانتاجية ومؤسساتها التحديثية واتبعتها لارادتها. استمرت المحاولات للتغلب على هذا الوضع بثورة عرابي واتبعتها ثورة 1952 التي اخرجت مصر من الهيمنة الاجنبية واختطت لنفسها سياسة خارجية مستقبلة ووضعت لنفسها ثلاثة اهداف هي الديمقراطية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي، ووضعت لها برنامج وطني تنموي صناعي. فشلت هذه المساعي بسبب عدم ادراكها بان هذه الاهداف الثلاثة والية التنفيذ هي في الواقع مترابطة ولا يمكن الاستمرار في احدها دون الاخر. فكانت محاولات الاصلاح من خارج الديمقراطية وليس من خلالها ولذلك فشلت في التغلغل في عمق المجتمع، فحدث تراجع عنها في عهد السادات وتبعه حسني مبارك في تقويض مكاسب التصنيع وبناء الطبقة الوسطى التي بدأها الرئيس عبدالناصر. ما حققته حقبة السادات وحسني مبارك كان نمو اقتصاديا هشا صاحبه ارتفاع البطالة وافقار طبقة كبيرة من المجتمع. فهل نقع في نفس الخطأ مجددا؟

متطلبات النجاح قد تحتاج الى النظر الى المشتركات في هذه التحركات الثورية. فالقضايا الرئيسية المشتركة بين الثورات العربية من تونس الى سوريا مرورا بمصر وليبيا واليمن هما اولا قضية الفساد وسوء توزيع الثروة، وثانيا امتهان كرامة وحرية الانسان . هاتان القضيتان تتفرع منهما عدة مشاكل ولهما علاقة كبيرة بالتخلف العربي في جميع مناحي المنافسة العالمية كما انهما الاساس في فقدان الدول العربية للاستقلالية السياسية على مستوى السياسة الخارجية وقدرتها على المحافظة على ثروات الوطن الطبيعية وعلى مستوى التنمية البشرية. كما ان هاتان القضيتان تمثلان اساس التخلف الاقتصادي والعلمي وعدم القدرة على مجارات الدول الاخرى في توفير الحياة الكريمة لمواطنيها وتساهمان في زيادة مستوى الفقر والبطالة المنتشرة في العالم العربي. يقول سمير امين في جريدة المراجعة الشهرية (Monthly review) ان الثوراة المصرية الحالية تجمع ثلاث عناصر هامة وهي الشباب الذي رفض قيم الفساد والاستبداد، وقوى سياسية يسارية معارضة، وقوى الطبقة الوسطى المؤمنة بالديمقراطية. تحركت هذه القوى بقيادة الشباب لاحداث التغيير ورفض التخلف. ساهم في هذه الثورات نظام الاقراض المالي من البنك الدولي ومنظمة النقد الدولية التي لم  ينجوا من شروطها المجحفة غيرالدول التي رفضت الانصياع لها مثل ماليزيا وتركيا فنجحت.

الان وبعد ان نجحت ثورتا تونس ومصر في تغيير رأس نظام الحكم وبرزت ملامح الانفراج في كل من ليبيا وسوريا واليمن وتتحرك معظم الدول الاخرى نحو الاصلاح السياسي والاقتصادي نتساءل ماهي التحديات التي تواجه هذه الجهود في الاصلاح والتغيير والعوامل المشتركة في نجاحها؟ بمعنى اخر ماهي النتائج التي نسعى اليها وماهو شكل النجاح الذي نتوقعه؟ وهل سنتمكن من خلاله تحويل العالم العربي الى شريك عالمي في مسيرة التطور الانساني؟ 

يتطلع المواطن العربي الى نتائج في جميع هذه المجالات ولكن الحصول عليها يتطلب عدم السقوط في الخطأ الذي ارتكبه ثورة 23 يوليو وهي الافتراض بان التقدم يمكن ان يجزأ. والحلول التي ستبرز من هذ الاصلاح لا بد وان تؤكد على امور هامة هي اولا: اخضاع السلطة التنفيذية للمساءلة والمحاسبة وفصلها عن اجهزة الدولة للحد من هيمنتها على المجتمع واستمراء الفساد والتغطية عليه من خلال اجهزة الاعلام المنقادة لها. هذا يتطلب وضع ضوابط لعمل السلطة التنفيذية تحد من هذه الهيمنة. السلطة التنفيذية في اي مجتمع هي قاطرة الحركة نحو التقدم، فسلوكها وسياساتها ونشاطها يجب ان يخضع للمراجعة والمراقبة والمحاسبة المستمرة. ومالم يفعل هذا الشرط من خلال الدستور فان ضمان نزاهة عملها سيكون دائما موضع شك وبذرة الفساد ستكون موجودة في داخل نظامها لتؤدي في النهاية الى نفس مصير السلطات التنفيذية التي رفضتها الجماهير. الضمان الثاني لعدم انحراف السلطة التنفيذية هو فصلها عن مؤسسة الاعلام.  فقد اتضح من الفضائح الحالية حول امبراطورية مردوك كم ان الاعلام اصبح سلطة يجب التعامل معها بحذر وعدم ترك اي طرف فرصة الهيمنة عليه بما في ذلك الحكومات. 

ان عملية التغيير التي تمر بها الامة العربية سوف تاخذ وقت طويل لكي تخرج من هذا المخاض وهناك من يستعجل الامر وينظر الى ثورتي تونس ومصر على انهما لم تحققا شيئ بعد، وانهما تتعرضان للخراب والدمار وعدم الاستقرار. لكن طبيعة الامور تقول بان مثل هذه التغييرات سوف تحتاج الى وقت لكي تستقر الحياة وتجني ثمار الاصلاح الذي نتمنى ان يشمل المبادئ المذكورة سالفا ومع ذلك فان بوادر التغيير بدأت في سياسة مصر الخارجية والاستجابة لمطالب شباب التحرير. فالثورة بخير مادام هناك من هو مستعد لحمايتها والوقوف دفاعا عن اهدافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *