نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الخميس ٢٢سبتبمر ٢٠٢٢

آراء حول العلاقة بين الديمقراطية والتنمية

قررت الجمعية العامة للامم المتحدة في 2007 اعتبار 15 من سبتمبر اليوم العالمي للديموقراطية والاحتفال فيه بهدف تعزيز مبادئ وقيم الديمقراطية المشتركة، التي وردت في الاعلان العالمي للديمقراطية على انها هدف يقوم على قيم مشتركة، ودعت للتمسك بها واعتبارها حق لكل مواطن، يمارسه في ظروف من الحرية والمساواة والشفافية والمسئولية، مع احترام التعددية في الرأي والمصالح وحق الجميع في المشاركة السياسية والمساءلة. بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية ناقشت بعض الفعالية المحلية قضية علاقة الديمقراطية بالتنمية، وطرحت السؤال هل هناك علاقة بين الديمقراطية والتنمية وما طبيعة هذه العلاقة؟

قبل مناقشة هذا السؤال دعنا نحدد المقصود بالتنمية. التنمية هنا تقاس بمدى تأثيرها في حياة جميع الناس ورفع مستواهم المعيشي وجودة حياتهم بقدر مقبول من المساواة مجتمعيا، وتنمية قدراتهم الفكرية والمعرفية والابتكارية والانتاجية. وان تكون غايتها الارتقاء بالانسان وتحقيق تقدم المجتمع وازدهاره. في هذا السياق فان التنمية الاقتصادية هي عنصر من عناصر منظومة التنمية الشاملة المستدامة بابعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية.

فكرة ان التنمية الاقتصادية تقود الى تحولات في الممارسة السياسية (او العكس) يعود الى مفهوم التقدم في عصر الانوار في اعمال ادم سميث وتورجوت وغيرهم من فلاسفة التنوير. كما يذهب البعض الى ربط الديمقراطية بالتنمية الى ارسطو الذي ربط الحكم الرشيد بالمساواة (الناتجة من التنمية) وليس بالرخاة، وكذلك فعل الرومان من بعده. ورأى ماركس ودورهايم جذور الحداثة الاجتماعية والسياسية في الثورة الصناعية، وعزا اخرون توسع الديمقراطية البريطانية الى التقدم الاقتصادي في الطبقة الوسطى والضعيفة، بالاضافة الى تاثير ظهور المطبعة وانتشار الفكر الليبرالي والبروتستانتي في القرن الخامس والسادس عشر، وما صاحبها من توسيع التعليم والتغيرات الثقافية وانتشار الدعوة للقيم الديمقراطية.

في توصيف هذه العلاقة وردت اراء عدة تقول بوجود علاقة من نوع ما. اول هذه الاراء يقول بوجود علاقة سببية بين الديمقراطية والتنمية، وتعود هذه العلاقة الى ان التنمية تُحدث تحول هيكلي طبقي في المجتمع، تتسع فيه الطبقة العاملة والمتوسطة، يُمَكِّنهم ذلك من تنظيم انفسهم مما يجعل من الصعب استبعادهم من المشاركة السياسية.

رأي ثان يقول بان التنمية تتطلب نموا اقتصاديا مستداما ناتج عن تضافر عدة عوامل مثل التكنولوجيا، رأس المال البشري، الانتاجية الكلية، الادخار والاستثمار المحلي والخارجي في اطار العولمة والتجارة العالمية. وهذا في نظره يحتاج الى مستوى من الحوكمة والاستقرار السياسي يصعب تحقيقه بدون مستوى فاعل من الديمقراطية. اي ان العلاقة ترابطية، الديمقراطية تعزز الادارة المؤسسية الملتزمة بقواعد المساءلة المجتمعية والشفافية واخضاع السياسات لنقاش جماعي ومشاركة في القرار والمكاسب، وكذلك تكرس الالتزام بقواعد حقوق الملكية الفردية والحقوق المدنية. ينتج عنها رفع قدرة السلطات في حماية الحقوق، ووضع الاستراتيجيات وادارة السياسات بكفاءة اعلى، وسن القوانين الداعمة للتنمية وتوزيع المكاسب بعدالة ومساواة تعزز الامن والاستقرار.

رأي ثالث يرى انه بالرغم من كثرة الدراسات الا ان الاطار النظري الحاسم في ربط الديمقراطية بالتنمية لم يتبلور بعد. غير انه يؤكد بان التنمية قد تؤدي الى تحول ديمقراطي، وفي نفس الوقت يمكن للمؤسسات الديمقراطية الناضجة ان تساعد في التنمية الاقتصادية. ويقدم مفهوم النضج المؤسسي لدعم ربط التنمية بالتحول الديمقراطي. ويعرِّف المؤسسات الناضجة بتلك التي “تعتمد التخطيط، قياس الاداء، نظم المعلومات، والنظم الادارة منهجا لها. وتقوم باجراء الدراسات الموضوعية، وتلتزم معيار الكفاءة في التعيين وفي تنمية القدرات”. يتفق هذا الرأي مع ما ذهب اليه فرنسيس فوكوياما (Political Order and Political Decay, 2014) بان التنمية تُحدث حراكا اجتماعيا وتقود الى شيوع وتكريس افكار متعددة عن المساواة والعدالة والحرية والعقلانية كما كانت في العهد الاغريغي، وتشكيل جماعات تشترك في المصالح وتلتزم هذه الافكار وتعزز حكم القانون وشرعية النظام وتؤدي مع الوقت الى الدولة القوية الملتزمة بالحوكمة والمؤسسات الفاعلة الناضجة، ويعتبر تشكل الدولة القوية مؤسسيا قبل الديمقراطية ضمان لعدم اختطاف الديمقراطية من قبل فئات معينة، وفي نفس الوقت يمكن للدولة القوية ان تؤخر قيام ديمقراطية، او تمنعها في بعض الحالات.

رأي رابع لم يجد علاقة بين مستوى الدخل والتحول نحو الحداثة، ويقدم خط بديل للعلاقة بين التنمية والتحول الديموقراطي وهي “المؤسسات التشاركية”. يرى ان الدول التي اعتمدت مؤسسات تشاركية (مشاركة في المكاسب ومشاركة في القرار) على المدى الطويل طورت اقتصاد منتج وديموقراطية ثابتة، بينما الدول التي غلبت فيها “المؤسسات الاقصائية” التي تستبعد شرائح من المجتمع من المشاركة في المكاسب وصنع القرار لم تحقق تنمية ولا ديموقراطية، لكنه لم يؤكد ايهما سبب للاخر، اي انها علاقة ترابط.

واخيرا دراسة شملت عدة دول توصلت الى ان التنمية الاقتصادية (مقاسة بارتفاع مستوى الدخل والتعليم) يمكن ان تتنبأ بالتحول الديموقراطي والاستقرار، خصوصا على المدى المتوسط (10-20 سنة).

هذه الاراء الناتجة عن ابحاث تؤكد ان النظام الديمقراطي سواء كان بعلاقة مباشرة سببية او علاقة تلازم او علاقة تنبؤ ترجيحي، فانه يدعم النظام السياسي ويحقق تنمية يستفيد منها غالبية المجتمع ويقود الى التقدم والازدهار المادي والروحي والمعنوي. وهناك شواهد تاريخية على هذا العلاقة والتاثيرالمتبادل نتطرق اليها في وقت لاحق.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *