نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

من المسئول عن تشوهات سوق العمل والبطالة بين الشباب، الحكومة تصر على نفس النهج منذ عقود  دون نتيجة تكر؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14250/article/69208.html

في جلسة مجلس النواب بتاريخ 21 مارس الحالي ناقش مجلس النواب بعض الأسئلة حول توظيف البحرينيين في القطاع الخاص على اثر قرار الاستغناء عن نسبة البحرنة مقابل دفع 300 دينار لكل عامل سنويا. أكدت الحكومة ان نسبة البحرنة في القطاع الخاص مصونة ولا مساس بها، وأن مستوى العمالة البحرينية في القطاع الخاص بلغ 159 ألفا في نهاية 2016، وأن عدد الباحثين عن عمل بلغ 7942. والسؤال الذي لم يطرح هو: لماذا يمتنع الكثيرون من التسجيل كعاطلين لدى وزارة العمل؟ هل هي بسبب إجراءات التسجيل أم بسبب إهمال العاطلين؟ وهل لدى وزارة العمل جواب؟ وماذا عن وظائف عليا في مؤسسات تملك الدولة فيها نسبة كبيرة من أسهمها تذهب إلى أجانب بالرغم من وجود بحرينيين مؤهلين؟ هذه الأسئلة وغيرها تشير إلى ضرورة مناقشة هذه القضية بشكل أوسع في مجلس النواب وفي المجتمع.
تقول وزارة العمل إنها حريصة على توظيف البحرينيين في القطاع الخاص، لكن الزام الشركات بتوظيف غير مؤهلين لا يخدم مصلحة الشركة ولا مصلحة الاقتصاد. قد نتفق مع هذا التفسير، لكن المشكلة الأهم ان البحريني ليس الخيار الأول للشركات، فلديها خيارات ارخص من الإنفاق على تدريب البحريني. جلب العمالة الماهرة من الخارج يوفر على الشركات، وخصوصا المتوسطة والصغيرة منها، أعباء مالية لا يمكن تحملها في ضوء المنافسة في الخليج وفي ضوء وضع السوق المحلي ومستوى الدخل العام في البحرين، وبعض المهن مرفوضة اجتماعيا. فما هو الحل؟ هل يبقى المواطن من دون عمل؟ هل هناك برامج تدريب تؤهل العاطلين لشغل الوظائف المتوافرة؟ وهل التدريب هو الحل؟
هذه الأسئلة وغيرها لا تتوافر لها أجوبة شافية، ومن مسؤولية الدولة ومجلس النواب توفير إجابات شافية لها. يرى النواب ان جهود المحافظة على وظائف البحرينيين سواء في الوظائف المهنية والإدارية العادية أو في الوظائف العليا تنقصها الصرامة والمتابعة، فهل بناء على ذلك طرح المجلس هذه القضية الملحة والكبيرة للنقاش وحاول إيجاد حلول مع السلطة التنفيذية؟ لا نرى أي جهود من أي من الجهتين، بخلاف ما تقوم به وزارة العمل بالرغم من محدودية تأثيره.
في معرض البحرين للتعليم والتدريب الذي نظمته وزارة العمل (21/3/2017) يقول الوزير ان سوق العمل يحتاج إلى إصلاح بنيته التحتية! يرى الوزير ان إصلاح البنية التحتية (مرصد سوق العمل) يجعل التنبؤات والاختيارات تصب في صالح الطلبة والعاملين في المستقبل، كما يرى ان هناك تخصصات لا مستقبل وظيفي لها. ويواصل: ان «لدينا مشروع معايير المهنية يتم بموجبه وضع حقائب تدريبية وبرامج للتعليم والتدريب تتلاءم تماما مع احتياجات سوق العمل»، هذه وسيلة من وسائل إصلاح سوق العمل، لكنها غير كافية.
الرسالة التي حاول الوزير إطلاقها هي انه مازالت الحاجة ملحة لمواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، وأن وزارة العمل لا تستطيع ان تقوم بأكثر من انها تتعامل مع الموجود، خريجين كما هم وفرص عمل كما هي معروضة. فالوزارة تضع أمام الطلبة والباحثين عن عمل الخيارات المتاحة في السوق، والمشكلة في ان هذه الوظائف أو فرص العمل غير كافية من ناحية، وغير متوائمة مع مخرجات التعليم من ناحية أخرى، وفي الحالتين فهي ليست مشكلة وزارة العمل. بل مشكلة الدولة ككل في مواءمة التعليم وسوق العمل وفي جودة التعليم بشكل عام. فمثلا يقول رئيس مجلس أمناء الجامعة الأهلية الأستاذ عبدالله الحواج ان النقص في المؤشرات التي تعلمنا أين نحن من رؤية 2030 فيما يتعلق بالتعليم، ونضيف وبسوق العمل كذلك، لا شك ان جهود وزارة العمل قد تسهم في تخفيف تشوهات سوق العمل وعدم مواءمة التعليم، ولكن ذلك ليس وسيلة للعلاج.
هذه قضية وطنية وقضية مصيرية تؤثر على التنمية وعلى الاستقرار في البلد ومع ذلك نرى انها مستمرة منذ أمد من دون تصدٍّ حقيقي لها، فما هو العلاج؟
المشكلة ان مثل هذه القضايا التي تحتاج إلى جهود مشتركة لا يتم مناقشتها علانية وبتعمق لمعرفة الحلول. كل وزارة تقوم ببعض البرامج التي ترى انها وسيلة للعلاج، ولماذا تستمر الأزمة منذ الثمانينيات إلى اليوم؟ وتبقى نفس الأسئلة تطرح سنة بعد أخرى. فهل المشكلة في جودة التعليم أم في سياسات التنمية أم في سوق العمل؟ أم تقصير مجلس النواب في طرح هذه القضايا لنقاش مفتوح؟ أم في السياسات المتبعة أم أن المشكلة اكبر من ذلك بكثير؟
سياسات التنمية المتسرعة التي انتهجت في بداية الطفرة النفطية وإغراق السوق بالمشاريع الكبيرة دفعة واحدة خلقت واقعا مشوها لسوق العمل، أدى في النهاية إلى التشوهات التي نراها اليوم. سوق العمل في الخليج بشكل عام (وفي البحرين) مشوه إلى درجة ان المنطق الاقتصادي والاجتماعي يعجز عن معالجته، والسبب هو ان هناك سوق عمل آخر في الخارج وليس في البحرين هو الذي يتحكم في حجم العمالة في الخليج. نفس الوظيفة إذا تقدم لها أجنبي يدفع له راتب معين وإذا تقدم لها بحريني يطلب راتبا مختلفا، ناهيك عن الوظائف التي لا يفَضَّل فيها البحريني.
هذا يضع البحريني أمام إشكالية لا يستطيع معالجتها، ولا تستطيع وزارة العمل التعامل معها، ولا يمكن لوزارة التعليم معالجتها. هذه أزمة صعبة منذ زمن والجهود للعلاج مازالت متواضعة، كما يطرح تساؤلا حول امكانية البحرين منفردة في وضع العلاج اللازم. فهل نحن أمام قضية تتطلب علاجا جماعيا على مستوى دول مجلس التعاون الذي يعاني من نفس المشكلة؟ أعتقد أن هناك وجاهة في التصدي الجماعي لهذه القضية وخصوصا ان السوق الخليجية أصبحت متداخلة وتعاني من نفس التشوهات. وإذا كان كذلك فما هي الآلية الأمثل ومن هي الجهة المسؤولة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *