نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

العجز في الميزانية والدين العام يشكلان معضلة اقتصادية كبيرة لا تجد الحكومة لها حلا سوى مضاعفة رسوم غير عادلة

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1086165

مثلت الزيادة الكبيرة التي أعلنتها وزارة التجارة حول تجديد السجلات صدمة كبيرة لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. تصل هذه الرسوم في بعض الحالات إلى أضعاف ما كانت عليه وأحدثت اعتراضات من قبل التجار وأصحاب السجلات وصدرت تصريحات استنكار من النواب وغرفة التجارة وغيرها من المؤسسات تستغرب هذه الزيادات المفاجئة التي تخرج من الوزارات هذه الأيام.

سبقت هذه الصدمة ما صدر قبل أسابيع من زيادة كبيرة في رسوم البلدية للبناء تحت مسمى استرداد كلفة البنية التحتية بالإضافة إلى رسوم إدخال التيار الكهربائي والماء التي هي ذاتها تضاعفت عدة مرات. مع هذه الزيادات في الرسوم وغيرها مازالت الجهات المسؤولة تقول إنه لا مساس بمكتسبات المواطن.

إن المتضرر من هذه الزيادات بشكل مباشر أو غير مباشر هو المواطن. فهذه الزيادات في الرسوم سوف يدفعها في المطاف النهائي المواطن (محدود الدخل) إما مباشرة عند شراء بيت وإما استئجار شقة، وبشكل غير مباشر من خلال الدورة الاقتصادية التي تحول جميع التكاليف الإضافية على المستهلك أي المواطن وتؤثر في رفع الأسعار بشكل عام.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن سياسة زيادة الرسوم لتخفيف العجز في الميزانية سياسة غير عادلة. فالرسوم يدفعها بنفس القدر المواطن الفقير والغني كما يدفعها صاحب المؤسسات الصغيرة الذي بالكاد يستطيع أن يؤمن له دخلا ولعائلته. أما الرسوم الأخرى الخارجة عن القطاع التجاري فهي أكثر ضررا وأقل عدالة لأنها تؤخذ بالتساوي من الفقير والغني على حد سواء. في النهاية الزيادة في الرسوم سوف يدفعها المواطن ولا يجوز القول إن المواطن لن يتضرر. فالرسوم تزيد من سعر السلع على الجميع بما في ذلك المواطن محدود الدخل.

مشكلة العجز في الميزانية وارتفاع الدين العام وما سوف يجمع من هذه الرسوم بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة لا تعالج مشكلة العجز في الميزانية. لدينا عجز سنوي مقداره مليار وثلاث مائة ألف في 2017 ومثلها 2018 بالإضافة إلى ان الدين العام يقارب عشرة مليارات دينار. هذا الوضع لن يعالجه فرض مثل هذه الرسوم مهما بالغت فيها الوزارات. كما أن المنطق الذي ظهر به وزير التجارة بقوله «من لا يستطيع الدفع عليه أن يخرج من السوق» منطق لا يستقيم مع التعامل مع شركاء في الوطن ويهمهم مستقبل بلدهم كما يهم سعادة الوزير.

في مقابلة للسيد جمال فخرو نائب رئيس مجلس النواب بيّن أن الوضع الاقتصادي في البلد يدخل في نفق صعب ولا يرى خريطة طريق واضحة تخرجنا منه وتعالج تراكمات الدين العام الذي بدأ منذ عام 1977 ولم ينخفض منذ ذلك الوقت، بمعنى أننا لا نملك القدرة على سداد الدين العام. وبين أنه لا توجد لدينا أي خطة أو رؤية لمعالجة الوضع الاقتصادي بشكل عام أمام هذه الزيادات في الرسوم مع عدم عدالتها فإنها لن تعالج المشكلة. فوفق حديث السيد فخرو لا توجد سياسات أو استراتيجيات تضع الوضع المالي والاقتصادي على طريق التعافي، ولا يوجد برنامج يشير إلى كيفية تسديد الدين العام.

أما النائب عبدالرحمن بوعلي فيضيف ان «الوضع المالي للبحرين «مقلق» ويمر في ظروف غاية في الصعوبة، وأنه لا مجال لإقرار الميزانية إلا بالاستدانة أو تسييل الأصول، أو وقوف دول الخليج مع البحرين». هذه الخيارات التي طرحها رئيس لجنة المالية في مجلس النواب تتحدث فقط عن متطلبات إقرار الميزانية ولكنها لا تشير إلى صعوبة الوضع العام للاقتصاد. وكذلك تعليق رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى الذي يرى أن الأولوية هي لتحقيق توازن في الميزانية دون ان يقدم مقترحا لذلك، لكنه يرى ان تنويع مصادر الدخل هو الحل، فأين الجديد في ذلك؟

في الوقت الذي نرى هذه التصريحات الواضحة من السادة فخرو وبوعلي، نقرأ من المستشار الاقتصادي بمجلس التنمية الاقتصادية الدكتور يارمو كوتيلاين خلال مؤتمر صحفي في بداية أغسطس الجاري، مشيرًا إلى توقعاته بأداء جيدا للاقتصاد البحريني حتى نهاية 2018. وقال إن «من المتوقع أن يحقق الاقتصاد البحريني نموا بنسبة 2.5% أو أكثر بنهاية العام الجاري».

مجلس التنمية الاقتصادي يقدم صورة طيبة للاقتصاد البحريني والاستثمارات الأجنبية الواردة. ونرى أن الاستثمارات التي لا تحرر الاقتصاد من الهيمنة النفطية فهي تصب في نفس المسار ولا تفيد في المستقبل وخصوصا أن النمو الذي يتحدث عنه مصدره إنفاق الدولة على مشاريع بنى تحتية، كذلك لم يبين لنا كم فرصة عمل سوف تخلق هذه الاستثمارات للبحرينيين وما هي مساهمتها في الصادرات البحرينية. فأين الخلل؟ ومن المسؤول؟

الاعتماد على دول مجلس التعاون (كما يرى بعض النواب) في معالجة مشاكلنا الاقتصادية والمالية قد لا يكون مجديا، فالوضع الاقتصادي وتدني أسعار النفط أثر على جميع هذه الدول وقد لا يكون بمقدورها المساعدة.

القانون واضح وصريح. وفق قانون الميزانية الصادر عام 2002 والمجدد عام 2007 فإن القانون يضع المسؤولية بشكل مباشر على وزارة المالية. المادة الخامسة تقول إن وزارة المالية مطالبة «بوضع استراتيجية اقتصادية للدولة» وتقوم «بمراجعة البرامج الاقتصادية والمالية». عدم وجود استراتيجية للخروج من مأزق الدين العام يعتبر وفق القانون تقصيرا؟ وقد طرحنا السؤال من قبل حول المسؤولية في هذا الجانب ونعاود طرحه ونأمل من وزارة المالية الخروج عن صمتها وان تضع تفاصيل رؤيتها للخروج من الدين العام وكيفية معالجتها للعجز المتكرر في الميزانية وكذلك رؤيتها المستقبلية للتنمية ومصير توسيع القاعدة الإنتاجية في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *