نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. أيهما أخف الضررين… دخول الجيش ام الصدام؟

  تاريخ النشر :١٧ يوليو ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- مايجدث في مصر هو جزء من المخاض الذي قد يطول الى ان يصل العالم العربي الى حالة الاستقرار الديمقراطي. اخطاء الاخوان ومحاولتهم الهيمنة على الدولة تقابل بقمع الجيش والتعدي على الحريات.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12899/article/36794.html

تفاءلت الامة العربية بالثورة المصرية بعد الثورة التونسية لتضع نهاية لعصر من الفساد والتبعية والتخلف وتمثل بداية على طريق التقدم. توالت الثورات والاحتجاجات العربية ومازال الوضع في مخاض للخروج بحل يقي الدول العربية من الدكتاتورية والطائفية كما نتمنى ان يقيها من التوظيف السياسي للدين في اي شكل كان. تَحرلاكْ الشعب المصري في 30 يونيو هو جزء من هذا المخاض، ليبدأ ثورة ثانية ترفض اي شكل من التحكم والسيطرة سواء كان باسم الدين او باسم التقاليد او باسم اي ايدلوجية اقصائية تفرض رؤية محددة على المجتمع. لكن في نفس الوقت لا نرى ان ما صاحب ذلك من قمع وتضييق على الاعلام واعتقالات يصب في صالح التطور للديمقراطية والمصالحة الوطنية.

 مالذي اوصل مصر إلى هذه الحالة من الانقسام؟ احد هذه العوامل الرغبة الشديدة لدى الاخوان في السيطرة على مفاصل الدولة «اخونة الدولة» و«أسلمة المجتمع» وتغيير قواعد اللعبة الديمقراطية لخلق واقع يضمن اعادة انتخابهم وتكريس مفهومهم الخاص «للحقيقة». ناهيك عن محاولات التسيد وتحصين قرارات الرئيس وزرع كوادر الاخوان في مناصب الدولة. يقول احد الاسلاميين بان خطأ الاخوان هو انها «حركة عنصرية تمارس الاقصاء والاستعلاء وتعيش في عزلة معنوية، تعادي كل من هو خارج التنظيم. لكن لها خطاب متجمل يخفي ما تقصد». لم يدرك الاخوان، كغيرهم من القيادات العربية، ان هناك فرقا بين ادارة مؤسسات الدولة من خلال سلطتهم السياسية، والتحكم في هذه المؤسسات والسيطرة عليها بزرع كوادرهم فيها والمحسوبين عليهم واخضاعها لنفوذهم. 

 من المؤسف ان تعود مصر إلى وضع يحتاج إلى تدخل الجيش في فرض حل على المجتمع بعد ان تمكن من التخلص من حكم العسكر. دخول الجيش في وسط المعترك السياسي امر لا يدعو إلى الاحتفال وقد تكون له عواقب خطيرة. ان تكريس قوة الجيش لإحداث تغييرات سياسية ليس صحيا في اي نظام ديمقراطي. لكن الظروف غير الطبيعية التي تنذر بصدام فئات المجتمع قد يكون «اخف الضررين» لكن عواقبه قد تكون وخيمة، وسوف تضع عبئا على من سيأتي بعد مرسي ويطرح سؤالا على الساسة في مصر: هل سيكون الجيش هو القَيَّم على الحياة السياسية في مصر؟ الم يكن هناك طريقة دستورية لانهاء حكم الاخوان؟

 المشكلة التي وقعت فيها الثورة المصرية هي الصراع المبكر على السلطة. فقد كان الخيار الافضل هو مجلس رأسي يمثل قوى المجتمع تعينه القوات المسلحة ويتسلم السلطة الكاملة منها. يعمل المجلس على تنظيم انتخاب هيئة تاسيسية بمشاركة جماعية تضع الدستور اولا. ان ما حدث في مصر من انتخاب مجلس نيابي اولا احدث صراعا مبكرا على السلطة قبل ان تلتحم قوى الشعب وترسم قواعد اللعبة بما يضمن ارضا مستوية تحترم جميع اللاعبين السياسيين وقوى المجتمع الاخرى. ما حدث بعد ذلك خضع لتجيير الدستور منذ البداية لتكريس حكم الفائز.

 لم يُظهر الاخوان قدرة على استشعار المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد والحاجة إلى رجل تاريخي وتَعامُل وطني، واستعجلوا السيطرة والهيمنة على المجتمع. لا مكان للاستحواذ في مصر او في اي دولة من دول الربيع ولا غير الربيع. الديمقراطية التي فهمها الاخوان هي غلبة الاغلبية وهيمنتها على القرار وتغيير المجتمع والتحكم فيه. فمارست تعزيز هذا الموقع، ليس من خلال حسن الاداء، بل من خلال تجيير القوانين ومواد الدستور والاستحواذ على المراكز الهامة والمواقع الحساسة في الدولة. اي ان استراتيجيتها هي امتلاك الدولة وليس ادارتها من خلال جهاز تنفيذي. 

 ان المشهد المصري يقول بان الربيع العربي لم ينته وانه ربيع حقيقي ومتجدد وسوف يصل إلى نتيجة ولكن بعد مخاض طويل يقتنع فيه جميع الاطراف بان الدرس الثاني في ثورة 30 يونيو هو ان اي فئة من المجتمع لا تستطيع ان تهمش او تسيطر على المجتمع دون ان تثير حالة من الغضب في الشارع تجعل من المستحيل الاستمرار في السلطة. اما الدرس الاول فهو ان الشرعية ليست صناديق اقتراع فقط بل ارادة شعبية يتم التعبير عنها بالحشود في الشوارع متى ما تم التعدي على حقوق الناس.

 لا يكفي ان ينال «الرئيس» الشرعية بل يجب احترام قواعد وقوانين هذه الشرعية. الشرعية ليست فقط فوز في الانتخابات بل تتجدد بكل عمل يقوم به المسئول. الاخفاق في التنمية يضعف الشرعية، الاخفاق في تقديم خدمات معقولة للمجتمع واحترام حقوقه يضعف الشرعية وقد يلغيها، الاخفاق في الامن القومي قد يلغي الشرعية.

 الخلاصة هي ان الانسان الفاضل المتدين والملتزم والنزيه ليس بالضرورة هو الانسان الذي يستطيع قيادة مجتمع في مرحلة حرجة من تاريخه. الرجل التاريخي هو الذي يستطيع ان ينتهز الفرصة المواتية ويستشعر متطلبات الموقف ويعمل وفق مصلحة الامة فيجمع الناس حولة وتحدث الحركة التاريخية المجتمعية. ولنا في التاريخ الحديث مثالا في نلسون منديلا الذي تسامى على الالام والتجارب الشخصية المريرة وتعامل مع المجتمع على انه وحدة واحدة في وقت حرج تطلب مثل هذا التعامل. لا نتوقع ان يجود الزمن بمثل هؤلاء الرجال في الوقت المناسب ولكن على السلطات والاحزاب السياسية ان تدرك اهمية التعاون والتفاهم والتنازل فيما بينها لكي تتمكن من اجتياز المفاصل التاريخية في حياة شعوبها. ولا شك ان العالم العربي يمر في احد هذه المفاصل.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *