نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 إحياء الدولة الوطنية في العالم العربي 

  تاريخ النشر :٢٣ سبتمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- لم يعد هناك دولة عربية لكي نعيد احياءها، القبيلة والدكتاتورية العسكرية صادرتها ومزقتها بمعول الطائفية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13697/article/44020.html

 ما تتعرض له الدول العربية ودول الخليج بصفة خاصة من تهديد ينبغي ان يقنع الجميع، قيادات وشعوبا، بأنه لا يمكن المضي في النزاع ورفض كل ما يعزز وحدتها الخليجية والعربية. لم تسلم دول الخليج، فقد استشهد خمسة من أبناء البحرين مع إخوانهم من الامارات والسعودية، نترحم على جميع شهدائنا وندعو لهم بالقبول. كان من المفترض ان تصحو دول الخليج بعد غزو الكويت وتعتبر من التجربة وتقتنع أن الأمن لا يتحقق بالاعتماد على الخارج او القوى العظمى، وأن الاستقرار لا يشترى بالمال، و«أن الترف يؤدي الى تحلل السياسة»، ابن خلدون.

 لذلك ننظر بشكل إيجابي الى المبادرة التي بدأت في الامارات من قبل مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والتي تتلخص في انشاء تحالف من مراكز الأبحاث العربية «تحالف عاصفة الفكر» حيث طرح الاستاذ السيد زهره في الندوة ورقة حول: «إحياء الدولة الوطنية العربية وما هي عوامل التفكك والوحدة فيها». تنطلق الفكرة من الشعور أولا بأن الاعتماد على الدعم والحماية الامريكية لم يعد ممكنا بسبب تحولات في السياسة الامريكية وأولوياتها. ثانيا ان الحلول الأمنية التي تتبعها دول الخليج والدول العربية لم تعد مجدية في حفظ الامن والاستقرار، وهناك حاجة الى تغيير فكري وسياسي شامل.

 السؤال الذي ينبغي ان يسبق ذلك هو هل توجد دولة وطنية في العالم العربي؟ يقول فرانسيس فوكو ياما في كتابه حول «النظام السياسي والانحلال السياسي»: إن من اهم مقومات الدولة (بعد احتكارها القوة) هي خضوع السلطات للمساءلة والمحاسبة، حكم القانون، والعمل على المصلحة العامة وليس مصلحة السلطة الحاكمة. بينما ما نجده في الدول العربية هو كيان هلامي ينصاع للأقوى وتُستغل موارده وخيراته لفئات مهيمنة ومسيطرة على مقدراته. تكاد هذه الصورة تتكرر في الدول العربية. هذا الاستحواذ يقضي على الدولة ويجعل فئات كثيرة تشعر بالتهميش والتمييز، مما يحفز نمو الولاءات الفرعية على حساب الدولة الوطنية.

 تجارب الأمم تقول انه عندما تتعرض الأمة لامتحان صعب كالذي تتعرض له الدول العربية، ينبغي ان تراجع الامة مسيرتها وتقرر طريقها وغايتها. وهذا ما حدث لليابان في منتصف القرن التاسع عشر عندما حاصرتها بواخر الدول الغربية وأمريكا لتفرض عليها فتح البلاد للتجارة العالمية واستقبال البضائع الغربية. انقسم المجتمع حينها الى قسمين، الأول يرى محاربة وطرد المعتدي، والآخر يرى «فتح البلاد اليوم وتأجيل الطرد عندما تتمكن الدولة من ذلك». نتيجة هذا الصراع قامت ثورة ميجي (Meiji) التي أسست لدولة عصرية قوية اقتصاديا وعسكريا بروح يابانية وتقنية غربية. قامت الدولة على اعلاء قيمة التعليم، وتبني تنمية اقتصادية (التصنيع) بمبادرة حكومية مع بناء نظام إداري بيروقراطي يقوم على الكفاءة والمعرفة وليس على القرابة والمحسوبية. لم يمض وقت طويل حتى أصبحت اليابان خامس اقوى دولة عسكرية في العالم. وحتى بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية أعادت بناء الدولة على نفس الأسس والقيم التي تُعلي من قيمة التعليم والإنتاج وتقدر الكفاءة. أي ان بناء الدولة الوطنية يحتاج الى إرادة سياسية ومجتمعية للبناء، ويحتاج الى أسس يتم بموجبها البناء. فما هي الأسس التي ينوي «تحالف عاصفة الفكر» تأصيلها؟

 لا نحتاج الى دراسة التجارب المتعددة، فالعالم اليوم لا يجهل كيف تبنى الدول، لكن المهم وجود الإرادة السياسية والاستعداد للتخلي عن استحواذ فئة على امتيازات تُخل بالمجتمع. 

 السؤال هل تستطيع مراكز الأبحاث الرسمية التعمق والبحث عن أوجه التناقض بين الدولة الوطنية والدولة القبلية أو الأيديولوجية أو الدينية. إن الكشف عن أسس هذه التناقضات مهمة ليست باليسيرة في ضوء النظم الحاكمة اليوم، فلا توجد الحرية الفكرية التي تسمح بذلك. 

 الدولة التي لا يشعر الجميع فيها بأنها ملك لهم وتخدمهم ليست دولة، الدولة التي تقوم على أيديولوجية معينة أو عقيدة دينية أو مذهبية ليست دولة للجميع، والدولة التي تقوم على تقاليد عرقية وخصوصيات فئوية ليست دولة للجميع. هذه عقائد مكونة للولاءات الضيقة وتتناقض مع فكرة الدولة الوطنية الجامعة. يقول ارسطو ان «القضايا المتناقضة متنافرة، لا يجتمع النقيضان ولا يرتفعان معا». 

 الخصوصية التي تدعيها الدول العربية هي خصوصية غير مفهومة. نعم هناك اعتبارات ثقافية ولكنها لا تؤثر في أسس بناء الدولة الوطنية، الدولة لها مقومات أساسية تقوم عليها ومبادئ ترتكز عليها. الحق والعدل والمساواة والحرية قيم لا بد ان يتفق الجميع على ترجمتها الى قوانين وليست لفئة من الناس ان تقرر وتفسر هذه القيم وفق ما يناسبها وتغيرها في كل منعطف مع تَغَير مصالحها. لذلك فإن وجود آلية لسن القوانين يقتنع المجتمع بعدالتها، وبمراعاتها لمصالح الجميع امر ضروري لا يخضع لاعتبارات الخصوصية. وجود آلية تحصر الثروة، وليس فقط ما يعلن منها، وتشرف على استثمارها وأوجه انفاقها وكيفية توزيعها أمر ضروري ومبدئي لا يخضع للخصوصيات والتقاليد. وجود آلية للرقابة والمحاسبة تمتاز بشفافية تجعل المجتمع يقتنع بنجاعتها أمر مهم وأساسي لإقامة الدولة ولا يخضع لأي خصوصية مهما كانت. وجود نظام اداري قوي محايد غير خاضع لأي فئة من الناس يهتم بالتعيينات والتوظيف وفق معيار الكفاءة والمنافسة على المناصب شيء أساسي لا يخضع للخصوصية. استقلال إدارة الدولة أمر ضروري لا يخضع للخصوصية ولا التقاليد. هذه أسس لا بد من توافرها في إقامة الدولة الوطنية. فهل يستطيع المنتدى مناقشة هذه القضايا بحرية كافية توصله إلى نتائج عملية فاعلة تعيد للدولة مدنيتها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *