نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. اسطول الحرية ضحية تضارب المصالح

تاريخ النشر : 6 يونيو 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في نهاية 2008 اندلعت الحرب الغاشمة على غزة وفتحت اسرائيل جحيم نيرانها على المدنيين الغزل وقتلت منهم 1500 نصفهم اطفال ونساء. وها نحن نرى اسرائيل تكرر جرائمها وقتل 9 اشخاص وجرح العشرات في هجوم بربري على قافلة الحرية المتوجهة الى قطاع عزة لكسر الحصار الذي فرضته اسرائيل والدول “المعتدلة” بسبب رفض حماس نبذ المقاومة ونضليل الامة بعملية سلمية نهايتها الاستسلام التام والكامل لاسرائيل وامريكا.

لذلك ستتوالى النكسات والانكسارات والتمزق والهزائم السياسية والعسكرية والدبلوماسية وسينتظرنا مصير معتم من التخلف والجهل والاتكالية على الغير لتلبية ابسط متطلبات الحياة. وفي النهاية سنفقد الامن والاستقرار الذي يضحي من اجله الحكام بمستقبل الشعوب. هكذا اصبح حال الامة العربية تتحكم في مصيرها دول صغيرة عدد سكانها لا يصل 5% من سكان الدول العربية. ويتساءل الانسان ماهو السبب في هذا الصمت المطبق والتبعية المخزية والانقياد المذل للسياسة الامريكية واطروحات السلام المهين الذي تفرضه امريكا واسرائيل على الحكام العرب الذين اختاروا طريق المذلة ورفض النضال والمقاومة بل الترويج لحوار مباشر مع الشعب الذي يغذي آلة الحرب الاسرائيلية. لذلك فان مسئولية هذه الجريمة والجرائم التي سبقتها يتحملها الحكام العرب الذين اختاروا طريق الاستسلام. ان ما حدث لقافلة الحرية هو نتيجة مباشرة للعجز العربي الذي اظهره القادة العرب في سلسلة من التراجعات والامتثال للاملاءات الامريكية في المضي في طريق يعرف الجميع انه لن يؤدي الا الى المزيد من التراجع وفقدان الحقوق الفلسطينية المشروعة.

وللمقارنة، فها نحن نرى دولة واحدة وهي تركيا لا تملك ما تملكه الدول العربية من ثروات واوراق ضغط تقوم باجراءات وتتخذ قرارات وافعال تفوق ما يقوم به العرب مجتمعين بالرغم من كونها دولة حليفة لامريكا ودولة تربطها بالغرب علاقات من خلال حلف شمال الاطلسي. فماهو الفرق بيننا وبين تركيا؟ هل هي نوعية القيادات ام نوعية النظام ام نوعية المواطنين؟ لا يوجد غير فرق واحد وهو ان تركيا يحكمها نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة تستجيب للرأي العام والمصالح العامة التركية. ومصلحة القادة والحكومة فيها متوحدة مع مصلحة الشعب والمواطن. وقوة الحكومة والدولة مستمدة من قوة الشعب. وبالتالي فهي ليست بحاجة الى الاستقواء بالخارج لفرض نفسها على شعبها. فنظامها الديمقراطي حَصَّن البيت من الداخل، فتفرغت الحكومة والشعب ومؤسسات المجتمع للعمل على رقي وتقدم الامة ورخاء المواطن. وهذا هو سبب العزة والكرامة التي تحكم تصرفات ومواقف الحكومة التركية ورئيس وزرائها.

اما الوضع العربي  فهو يتحدى المنطق والعقل في البحث عن سبب لهذا العجز ولا نجد له تفسيرا غير ماقاله الاستاذ عبد الحكيم الخياط في مقالنا السابق (اخبار الخليج 29 مايو 2010) وهو تضارب المصالح بين القيادات والشعوب. يقول الخياط في محاضرته تلك ان السبب الرئيسي للفشل القيادي هو”عدم الاكتراث بمبدأ تضارب المصالح”. ويقول بان كثيرا ما يقوم القادة “بوضع بذور الفشل من خلال الاهتمام بالمصالح الشخصية”. فالخوف من امريكا هو في الواقع نتيجة تضارب المصالح بين الحكام الذين يريدون السيطرة على الثروات والسلطة والامتيازات وبين مصالح الشعوب في تقاسم الثروة والسلطة ومحاربة الفساد من اجل التنمية. هذا يجعلهم لا يثقون بشعوبهم وبالتالي فهم يشعرون على الدوام بالتهديد في ضياع ملكهم وفقدان امتيازاتهم التي جمعوها على حساب شعوبهم. وامريكا تدرك ذلك وتستغله ابشع استغلال، فهي تشجعهم على الاستمرار في القمع ورفض الديمقراطية لكي يبقوا اسرى لاملاءاتهم. 

ويصف الاستاذ انور عبدالرحمن (رئيس تحرير اخبار الخليج) هذا الوضع ويقول “فشلنا في ان نقيم نظما سياسية قوية ومتماسكة. تحظى برضا الشعوب وبالشرعية الواجبة، اخبار الخليج 25 يناير 2010)”. مما يجعل اولوية معظم الحكام هو استمرار الاستقرار الداخلي الذي يعني استمرار الاستقرار الداخلي الذي يعنى استمرار حكمهم وتوريثه باي ثمن حتى ولو كان على حساب المصلحة الوطنية وعزة وكرامة الامة. اما دعوة الحكام مثنى وثلاث ورباعى بمطالبة المجتمع الدولي بالقيام بدروه فهي دعوة هزيلة نعيدها عليهم لنتساءل ماذا عن قيامكم انتم بدوركم؟! 

نتفق مع الحكام ان الامن والاستقرار مطلب ومصلحة وطنية ولكننا نختلف معهم في كيفية تحقيقه. بالنظر الى الدول الديمقراطية نجد ان الامن والاستقرار يتحقق من خلال تنازل الحكام عن الامتيازات التي يصرون عليها في جمع وتكديس الثروة وتركيز السلطة في يد رجل واحد. ويتحقق الامن والاستقرار والتنمية من خلال مشاركة المجتمع في القرارات وفي تحقيق تقدمه ورخائه.

اما وقد وقع ما وقع وحصل لاسرائيل ما ارادت من ايصال رسلة الى العالم بان كسر الحصار ممنوع. فان توقف هذه القوافل يعتبر نصرا لاسرائيل وخصوصا ان العاصفة التي تهب الان سرعان ما تهدأ كما حدث لسابقاتها، ويتحقق لاسرائيل النصر على المقاومة وارداة الشعوب بمساعدة الدول العربية المعتدلة . لذلك نرى ان المواجهة يجب ان تستمر في ارسال المزيد من السفن ، ونهيب بالبحرين ملكا وحكمة وشعبا ان تكون السباقة كما هي دائما في قيادة تحرك خليجي لتسيير سفن كسر الحصار. اما المطالبة بتحرك الحكام العرب بالتهديد باستخدام اوراق الضغط المتاحة للاضرار بمصالح غربية ورفض التعاون معه لثنيه عن انحيازه التام لاسرائيل فهذا يتضارب مع مصالح الحكام وبالتالي لن يتحقق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *