نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الأمة العربية في مفترق الطريق 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- رفض الصراع الديني والتركيز على الديمقراطية والكرامة الإنسانية في رص الصفوف من الداخل لمنع اختراق المجتمعات وتحقيق نوع من الوحدة العربية والتعامل بلغة المصالح وامتلاك العلم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية ولمواجهة المخاطر.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13543/article/18690.html

 عقد مركز الفارابي للدراسات والاستشارات والتدريب بالمركز الثقافي المصري حلقة نقاشية في 5 إبريل الجاري. تناول النقاش موضوع إيران والعرب وحالة الغليان التي تعيشها المنطقة بمشاركة مفكرين وكتّاب عرب. أكد مدير المركز تحذيرا إلى العرب من عدم منح الغرب وأمريكا بصفة خاصة الفرصة في التدخل في المنطقة بحجة الحفاظ على الامن العالمي، وأن على العرب عدم الانجرار وراء حالة «الانتحار الجماعي» والانتباه إلى ما يحاك لهم من مؤامرات، وأن ما يحدث من صراع مذهبي (سني شيعي) في المنطقة هو أحد تجليات هذه المؤامرات. يواصل مدير المركز ان هذا الصراع يمهَّد له ليكون «القاطرة التي تدوس على ما تبقى من ثروات ومقدرات الدول الإسلامية الثلاث (إيران والسعودية ومصر)». ويقول إنه لا بد «من جلوس الأطراف سويا ليستفيق الجميع من مستنقع التدمير الطوعي الشامل الذاتي». 

 أما الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية فيقول: «ان الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي لم يعترض عليه الا إسرائيل، لذلك على الدول العربية ان تحوِّل علاقاتها مع إيران إلى علاقة تعاون. العلاقة التي تحكم الدول ليست صراعا مذاهبيا، بل ما يحكم هذه العلاقات هو المصالح، «أما صراع المذاهب فهو من صناعة إسرائيل لضرب العرب به».

 فيما قالت الصحفية جيلان جبر إن الثورات العربية عملت على افاقة الدول العربية من الضياع الذي كانت تغرق به، وعلى الدول العربية امتلاك عناصر القوة في ظل حكومات ديمقراطية تحمي الجميع. في النهاية الحصول على عوامل القوة وتأسيس النظم الديمقراطية هي رهن بتوافر الارادة السياسية والشعبية لتنفيذ مشاريع الإصلاح، وإن الظروف التي ساعدت إيران لتحقيق النجاح في مشروعها مهيأة للدول العربية.

 القراءة التي وصل اليها المؤتمر تتلخص في أولا: ان الامة العربية تمر بأزمة نتيجة عوامل داخلية استغلتها قوى خارجية. فالظروف التي تمر بها المنطقة ساعدت على بروز قوى إقليمية (تركيا وإيران) استطاعت ان تستغل الأوضاع المزرية في المنطقة، واللعب بالورقة الطائفية. ثانيا: ان وفاق العرب مع إيران ينبغي ان يسبقه تراجع إيراني عن سياستها الحالية وأن تتفاوض مع جيرانها لإطفاء فتيل الازمة. ثالثا: على الدول العربية ان تشكل تحالفا مؤسسيا عربيا موحدا يعمل تحت جامعة الدول العربية ليبرز كقوة إقليمية منافسة بأدوات سياسية واقتصادية وعسكرية، رابعا: يتوجه العرب إلى حوار مستقبلي مع إيران وغيرها مبني على أساس التكافؤ والمصالح والنفوذ. خامسا: قد تكون عاصفة الحزم مدخلا لتأسيس التحالف وعودة الاستقرار إلى شعوب المنطقة. 

 خرجت الندوة بتوصيات أولها إيجاد أرضية تفاهمات مشتركة بين الدول العربية وإيران، وضرورة امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، وبناء قوة عسكرية. كما برزت مفاهيم وشروط على المدى المتوسط لتعزيز المكتسبات وتحقيق السلم الأهلي والاستقرار تلخصت في: 

 1- أهمية الوحدة العربية في مواجهة الأخطار.

 2- أهمية الديمقراطية والكرامة الإنسانية في رص الصفوف من الداخل لمنع اختراق المجتمعات.

 3- أهمية امتلاك العلم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية ولمواجهة المخاطر.

 4- استخدام المال ولغة المصالح للتعامل بين الشعوب والدول وحتى فيما بين المجتمع الواحد.

 5- التعامل مع المصالح يقوم على مبدأ العقلانية والمنطق.

 وفيما يتعلق بالوحدة العربية فقد عقد في هذا الشهر اجتماع تشاوري في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بين نخبة من المفكرين العرب، لمناقشة برنامجه الفكري، للفترة الممتدة من عام 2015 إلى 2019، تركز النقاش حول قضيتي العروبة والوحدة العربية وكيفية النهوض بمشروع الامة. الملاحظة الأولى هو ان الشعور العروبي تقلص لدى الشباب وبرزت الهويات المذهبية والقطرية بشكل فاقع أنسى هذه الامة ان مصيرها واحد وأنها لا يمكن ان تدخل في المنافسة العالمية منقسمة على نفسها، لا بد لها من صيغة مناسبة من الوحدة لكي تتمكن من الصمود والبقاء. ويرى ان العلاج قد يكون في استفتاء آراء الشباب للوقوف على الاسباب الحقيقية لتراجع الفكر القومي العروبي في صالح ايديولوجيات فرعية.

 ما يُطرح من حلول ومحاور للتداول لإحياء الفكر القومي والمشروع العربي امر يدعو إلى التفاؤل غير انه منقسم على نفسه. اتجاه يمثل الأنظمة ويقوم على مركزية الدولة ويعزز من هيمنتها على المجتمع وعلى الانسان. هذا التوجه يضحي بحرية الفرد وحقوقه في سبيل الامن والاستقرار. والاتجاه الآخر يعتبر الفرد أساس التنمية ويعمل على حرية الفكر وحرية الاختيار وما ينتج عنهما من ابداع. الاتجاه الثاني يروج لفكر يقوم على المصلحة المشتركة للمجتمع التي تُعَبِّد الأرض وتهيئ الملعب للمواطن لكي يشعر بأنه متساو أمام القانون مع باقي المواطنين ويقوم بدوره في بناء المجتمع من دون شعور بالغبن أو التهميش. الاتجاه الثاني هو الأضعف في الوقت الحاضر ولا يحظى بدعم رسمي. لذلك مازالت الأرض غير مستوية وتميل بشكل كبير في صالح الأنظمة وفي صالح القوى المهيمنة والمسيطرة على المجتمع سواء كانت قوى دينية أو قوى قبلية أو قوى حزبية أيديولوجية. 

 والسؤال هل يمكن ان يتمخض عن الفوضى التي تعصف بالعالم العربي إدراك ووعي لدى الأنظمة والمجتمعات العربية والمواطن لأهمية التفكير المنطقي والعقلاني الذي يستند إلى الواقع والمصلحة والالتزام بالقيم ومنع النظام الحاكم من استخدام الدولة لقمع المجتمع والفرد؟ إن تأصيل هذا التفكير من الأعلى سيكون الأسرع في انقاذ مجتمعاتنا من العواصف. فهل ترتقي الأنظمة العربية بوضع حد لهذا الضياع وتعتمد حدا أدنى من الديمقراطية والعقلانية في التعامل مع المجتمعات؟ هل يمكن ان ينتج من هذا الدمار إدراكا بأهمية اتاحة الفرصة لصيغة من الديمقراطية يتحقق بها الحد الأدنى من اتاحة الفرص للشباب للانطلاق؟ احياء الفكر القومي العربي، الذي قال عنه برتراند راسل «انه يوقظ الشعور باحترام الذات لدى العرب»، ينبغي ان يبتعد عن الايديولوجية الضيقة الحزبية وينظر إلى ما هو أوسع. أي ان يقوم على قيم إسلامية واجتماعية أساسها المساواة والعدالة والحرية الفردية بمفهوم إسلامي انساني، بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية والقبلية التي أدت إلى هذه الفوضى. حينها يمكن للامة المنافسة على أسس من المصالح وليس الصراع الديني.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *