نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الأمن الغذائي الخليجي.. متى يتحقق؟

تاريخ النشر : 12 يونيو ٢٠١٣

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12864/article/29081.html

بمناسبة اليوم العالمي للبيئة (5 يونيو) يقول بان كي مون (الأمين العام للامم المتحدة) ان العالم به وفرة غذائية ومع ذلك يعاني اكثر من 870 مليون انسان من قلة التغذية. السبب في ذلك يعود إلى التبذير والاسراف والسياسات الخاطئة. يدرج ضمن السياسات الخاطئة عدم كفاية مرافق التخزين وضعف الاستثمار في الزراعة والثروة البحرية، في ذات الوقت دعت المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان إلى الاهتمام بقطاع الزراعة وتطوير آليات التنمية في هذا القطاع الهام، ووضع سياسات من شأنها دعم الامن الغذائي للمنطقة.
دعوة بان كي مون ونداء المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان ترافق مع دراسة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية الذي نظر إلى التحديات المتزايدة في مواجهة الامن الغذائي الخليجي. ما يثير الاهتمام في هذه الدراسة هو اوجه التشابه بين الدول الفقيرة النامية ودول الخليج الغنية من حيث عدم توفر المخازن والاستثمار والتواصل والتنسيق بين الدول.
يقول التقرير بان تحقيق الامن الغذائي يشكل اهمية كبرى بالنسبة لدول مجلس التعاون، ويصنف التحديات التي تواجهها على انها داخلية وخارجية. التحديات الداخلية يضعها في صنفين الاول طبيعي يتعلق بمحدودية الارض والماء وصعوبة المناخ، اما التحدي الاخر وهو الاهم هو قلة الاستثمارات والتمويل الموجه للنشاط الزراعي، ومحدودية التنسيق بين دول الخليج وضعف استخدام التقنيات والاساليب الحديثة في الزراعة، ومحدودة الاراضي المتاحة للزراعة، وضعف اهتمام القطاع الخاص بتوجيه استثماراته نحو القطاع الزراعي والتصنيع الغذائي، وعدم وجود سياسة زراعية واضحة في مقابل دعم الإحلال العمراني والاستثمار العقاري على حساب القطاع الزراعي وتنميته.
اي ان مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بعبارة اخرى يقول ان الحكومات الخليجية في واقع الامر لم تولِ قضية الامن الغذائي الاهتمام الكافي وتركت الامر لقوى السوق تعبث بالبيئة وبالثروة النفطية وتوجيه المال إلى العقار واستخدام الاراضي في العمران على حساب الامن الغذائي! والادهى ان الحكومات آثرت ارسال الاموال «الخاصة» والعامة إلى الخارج بدلا من استثمارها في عنصر هام واساسي في امنها القومي. ولتبيان هذا الاخفاق الامني والتنموي نورد مقتطفات من التقرير:
اولا ان دول الخليج استوردت 90% من حاجياتها الغذائية بمبلغ 83 مليار دولار في عام 2012، وهي تساوي ما يعادل 27,7% من اجمالي الواردات، وبحسب تقديرات اخرى فان الفجوة الغذائية ستبلغ 106 مليارات دولار في الخمس سنوات المقبلة.
ثانيا: الاستهلاك الغذائي ينمو بنسبة (3,1%) وهذا يفوق نمو الزيادة السكانية (2,4%)
ثالثا: نصيب دول الخليج من الغذاء يعادل 2,1% من مجمل واردات الغذاء في حين انها تمثل فقط 0,62% من سكان العالم، اي اننا ننفق ثلاث مرات ونصف متوسط الانفاق العالمي على الغذاء.
يظهر هذا التقرير حجم الازمة التي تعيشها دول الخليج والتي في جزء كبير منها من صنع يد حكوماتها. الازمة مركبة، فمن ناحية هناك انفاق على الواردات من المواد الغذائية، ومن جهة اخرى ان هذه الاموال تاتي على حساب ما هو متوفر للتنمية. في نفس الوقت فان الدول الخليجية قيادات ومجتمعات تنمي سلوكيات البذخ والاسراف على حساب الادخار والتنمية. بالاضافة إلى ذلك فان الحكومات ساهمت، من خلال بعض السياسات، في تدمير البيئة البحرية والحياة الفطرة مخالفة بذلك فقرات في بعض دساتيرها التي تنادي «باخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية».
مؤخرا اتجهت دول الخليج إلى الخارج للاستثمار في شراء او استملاك اراضي زراعية في دول شرق اسيا وغيرها. ومن هنا تاتي اهمية الخبر الذي نشر حول منح السودان اراضي زراعية للبحرين (420 كيلومترا مربعا)، وقد حصلت قطر على ارض مماثلة في كينيا والسعودية في اندونيسيا، فكيف سنتعامل مع ذلك؟
اقترحت الامانة العامة لمجلس التعاون انشاء وكالة للتنمية للاستفادة القصوى من القدرات المتاحة في افريقيا، وانشاء صندون مشترك لتوفير الامن الغذائي بالاشتراك مع المغرب التي توفر الاراضي، وانشاء صوامع لتخزين الاغذية ضمن سياسة غذائية متكاملة.
هذه جميعها خطوات هامة ومفيدة وان كانت متاخرة كثيرا، لكن يجب ان يوضع في الاعتبار بان الصادرات الزراعية تخضع لقوانين دولية معقدة يسمح بموجبها للدولة صاحبة الارض (السودان، كينيا، اندونيسيا) بوقف اي صادرات في وقت الازمات الغذائية وحصر بيعها لشعبها فقط حتى وان كانت الارض مملوكة لدولة اخرى والمستثمر اجنبيا. هذا بالاضافة إلى المخاطر من التقلبات السياسية المحتملة.
هذه القضايا تحتم على دول الخليج اتخاذ اجراءات فورية في وضع استراتيجية تعتمد جزئيا على تنمية الزراعة في دول المجلس، مع العمل على ادماج اليمن للاستفادة من قدراته الزراعية. إلى ان يتم ذلك، تبقى دول المجلس مقصرة تجاه شعوبها وتضع المجتمع الخليجي في خطر بعدم اعطاء الاستثمار الزراعي والحيواني والثروة البحرية اولوية قصوى في سياساتها التنموية وايقاف الهدر في المشاريع الانشائية والخرسانية مع ترشيد تصدير اموال النفط لتخزينها في الخارج سواء كانت لمصالح الدولة او لمصالح خاصة.
من المهم جدا ان تتضمن هذه الاستراتيجية التوعية بالحد من الاسراف في الاستهلاك الغذائي والمائي، لكن يجب ان يبدأ من الاعلى وان يرى المجتمع قياداته تمارس الترشيد عمليا ليس فقط في الغذاء والثروة المائية ولكن كذلك في وقف هدر المال العام والصرف البذخي وتوجيه المال العام للتنمية وتفعيل مبدأ المساءلة لحمايته. لا يمكن فرض ثقافة عدم الاسراف بالكلام فقط يجب ان تكون هناك قدوة من القيادات.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *