نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 الاحتمالات  لمستقبل الوطن العربي بعد الربيع

انتهينا في مقال سابق بان الامة تعاني من ازمتين اساسيتين هما الصراع الطائفي المذهبي والصراع السياسي على السلطة والثروة التي تأبى الاقلية الا ان تستحوذ عليها رغم معارضات شديدة من الاغلبية سواء كانت هذه المعارضة ظاهرة او باطنة.

في تقرير عن مستقبل العرب نشر عن معهد الاتحاد الاوروبي للدراسات الامنية في 2015 بناء على سلسلة من اللقاءات اجرتها “اراب فورسايت قروب”. يهدف التقرير الى الحد من عنصر المفاجأة المستقبلية وتتناول السيناريوهات الاكثر احتمالية. يقول التقرير بان هناك سيناريوهات ثلاثة تلخص خيارات الامة المحتملة في 2025.

يقول التقرير بان الامة تمر منذ 2011 بما يسمى “صدمة النظامية الثالثة” ويواجه تحديات صعبة. فاحداث 2011 ادت الى تداعيات اقليمية معقدة حولت الاهتمام الاكبر من الجانب الاقتصادي الى الجانب الامني والذي ينفجر داخليا على مستوى المنطقة. هذا التحول نقل السياسة المحلية من جانب الاصلاح الى اجندة الامن. 

هذا التركيز يتجاهل ان اهم العوامل التي ادت الى انتفاضة 2011 هي المسائل الاقتصادية. فبينما تتمدد القوات الأمنية وتنتشر في كل مكان، ترتفع ميزانية الدفاع في جميع دول المنطقة. في الوقت الذي نمت فيه شبكات الجماعات غير المشروعة لتصبح منظمات جهادية كاملة. ادى هذا الفراغ الامني الى نمو مزعج للارهاب على مستوى المنطقة تواجهه في الغالب جيوش مسلحة. هذا الدور ادى الى دعم النفوذ السياسي للجيوش، كما نمت سلسة جديدة من قوانين الارهاب تجمع في سلة واحدة بين المعارضة السياسية والانشطة الارهابية وتم تاجيل الاصلاح بجوانبه الاقتصادية والسياسية والامنية. يطرح التقرير ثلاث سيناريوهات هي الاضطراب العربي، الانهيار العربي، القفزة العربية. 

السينايو الاول “الاضراب العربي”. ستواجه الدول العربية عام 2025 تحديات تفاقم البطالة بين الشباب والمطالبة بمزيد من المشاركة السياسية مع زيادة في خطر الارهاب. هذا يجعل الدول العربية معلقة في مصيدة الصراع (السياسي والمذهبي) وتتاجل مشاريع الاصلاح الى الابد لاسباب امنية مما يزيد من استمرار دائرة العنف التي تعيق عملية التكامل الاقليمي وتعطل اي تطور اقتصادي في المنطقة. وتستمر مشكلة البطالة بين الشباب التي كانت سببا في انتفاضة 2011 حيث بلغت نسبتها 30% في الوطن العربي ويستمر سوق العمل الفشل في استييعاب الباحثين عن عمل خاصة من حملة المؤهلات العليا. ولم تنجح مشروعات التكامل العربي مثل السوق العربية المشتركة او منطقة التجارة الحرة من تحقيق اهدافها. هذه البطالة توفر ارض خصبة لنشاط الجماعات الارهابية، ولا يجدي في مواجهتها التركيز على الجوانب الامنية بل يمنحها فرصة اكبر في تجنيد المزيد. يضاف الى ذلك الفشل في الاحتفاظ بالاستثمارات الاجنبية او ابقاء الاستثمارات المحلية في الداخل. في نفس الوقت لا يزال التهديد النووي الايراني يبعث على القلق بين الدول العربية كما يستمر الصراع العربي الاسرائيل يفاقم من حالة الاحتقان وعدم الاستقرار في المنطقة.

السيناريو الثاني: “الانهيار العربي”، يتوقع حدوث تراجعا عربيا على عدة اصعدة. تركيز الدول العربية على مواجهة الارهاب كاولوية ادى الى اهمال تطبيق اصلاحات مهمة في تحقيق النمو وتعزيز الاستقرار تراجع على اثرها معدلات التنمية وقوضت التقدم الذي تحقق خلال القرن العشرين. دخلت الدول العربية التي بدأت تتعافى من اثار الحروب والاضطرابات في الدخول في مرحلة من الانكماش بسبب عدم الاستقرار وارتفاع اسعار الغذاء، ادى ذلك الى شلل اقتصادي في معظم دول المنطقة. 

يبقى الخطر الاكبر يتمثل في ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وفي ظل وجود مناخ يتسم بالقمع الشديد لاحزاب المعارضة والضغط على شبكت الارهاب الاقليمية انظم الشباب العاطل اما الى شبكات الارهاب او المشاركة في مظاهرات الشوارع التي تتسم بالعنف ضد الحكومات. واصبح تنظيم “الخلافة” الذي ظهر ليحل محل تنظيم الدولة الاسلامية يعمل في كل الدول العربية تقريبا. واصبحت الجهود للقضاء  عليه مكلفة من الناحية العسكرية والاقتصادية. نتيجة لغياب الامن وبسببه في نفس الوقت تراجع الناتج المحلي لدول المنطقة. لكن اسوأ ما في الامر ان تونس التي اعتبرت نجاحا وحيدا من الثورات العربية في مسيرتها نحو الديمقراطية، تحولت الى نظام سلطوي اخر. 

السيناريو الثالث: القفزة العربية، تبدأ القفزة العربية بعد خمس سنوات من الربيع العربي على اثر تعافي منطقة اليورو اقتصاديا. واحدث التكامل الاقتصادي العربي نقطة تحول. فقد تم تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة العربية مصحوبا بانخفاض تكاليف النقل البيني بنسبة 5% واحلال العمالة العربية محل العمالة الاجنبية وتراجعت معدلات البطالة في عدد من الدول العربية بما فيها مصر ونجحت كثير من الدول العربية ادخال اصلاحات هامة في نظامها التعليمي ادى الى تراجع البطالة بين الشباب، ودعم التنمية الاقتصادية والاستجابة للمطالب الخاصة بتحقيق العدالة الاجتماعية التي طرحتها خطة “مارشل عربية”. وصلت اخيرا الحرب السورية الى نهايتها بتسوية سياسية ضمت جميع الاطراف بوساطة من جامعة الدول العربية. وبواسطة الامم المتحدة تم اتخاذ اجراءات لبناء الثقة وتحسين العلاقات بين دول الخليج وايران ادت الى خفض وتيرة الخطاب الطائفي. على الرغم من ان المنطة لا تزال تواجه تحديات اخرى مثل الصراع العربي الاسرائيلي ومشكلة الصحراء الغربية وانتهاكات حقوق الانسان وغياب المحاسبة واستمرار الفساد الحكومي الا ان الاسس اللازمة للتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية قد وضعت بالفعل.

واخيرا يحذر التقرير من ارتفاع عدد السكان الذي يزيد الضغط على اي نمو اقتصادي ويرفع نسبة النزوح من الريف الى المدن.كما يحذر من التحولات البيئية التي ستزيد من ارتفاع منسوب البحر ويهدد المناطق الساحلية. ومع كل ذلك فان هذه التغيرات ليس على اجندة او اهتمام الحكومات العربية رغم المخاطر التي تهدد المنطقة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *